رواتب ضخمة وتعويضات تقاعد أضخم وسرية مطلقة في صرف مئات ملايين الدولارات

قراءة في ميزانية الجيش الإسرائيلي

TT

لم تشهد اسرائيل في تاريخها، نقاشات حادة حول الميزانية العسكرية مثلما شهدت في السنوات الأخيرة، وبشكل خاص في هذه السنة. فقد زادت القوى التي تطالب بمراقبة هذه الميزانية أكثر، وازدادت هذه القوى شجاعة في مجابهة الجيش وجنرالاته واتهامهم الصريح بالتبذير. وبلغ الأمر حد قيام شخصيات قيادية في مؤسسات الحكم بتسريب معلومات عن الأجور الضخمة التي يدفعها الجيش وتزيد بالمعدل عن معدلات الأجور المدنية في اسرائيل بنسبة تتراوح ما بين 40% و 115%.

يذكر أن الميزانية العسكرية في اسرائيل تعتبر سرا أمنيا مطبقا منذ 60 عاما وحتى يومنا هذا. والأمر المكشوف فيها هو الأرقام العمومية للميزانية الشاملة. وحتى وزارة المالية في اسرائيل لا تعرف التفاصيل الدقيقة للميزانية. وأولئك الذين يعرفون، وهم عادة يكونون قلة من المسؤولين في وزارة الدفاع والجيش وبعض أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، لا يعرفون كل الحقائق. وبمقدور الجيش، مثلا، أن يصرف ما يعادل 100 مليون شيكل (28 مليون دولار)، من دون الرجوع الى أية لجنة خارج الجيش (لا في البرلمان ولا في الحكومة)، وما عليه سوى أن يبلغ أنه صرف هذا المبلغ على مشروع ما يعطيهم عنه فكرة عامة.

التفاصيل العامة في الواقع انه لا يمكن ان نتحدث عن ميزانية الجيش، من دون الاشارة الى بعض الملاحظات التوضيحية التالية:

أولا: عندما نتحدث عن ميزانية الجيش، فإن ذلك لا يشمل ميزانيات المخابرات الداخلية (الشاباك) ولا الخارجية (الموساد) ولا الشرطة ولا دوائر الأمن الأخرى، التي لا يعرف بعضها أو يعرف بشكل عام، مثل المفاعل النووي في ديمونة أو مصنع الأسلحة الكيماوية في نستسيونا أو دائرة الاستخبارات في وزارة الخارجية أو دائرة الاستخبارات في وزارة الاستيعاب وغيرها. ثانيا: ميزانية الجيش لا تشتمل على الديون التي تسددها اسرائيل، وقسم كبير منها تم أخذه لأغراض عسكرية أو أمنية. ثالثا: النقاش حول ضخامة الميزانية العسكرية وكيفية صرفها، لم يبدأ اليوم في اسرائيل، بل منذ عقد اتفاقية السلام مع مصر في سنة 1979. ولم يسكت قادة الجيش على هذا النقاش بل نجحوا دائما وبالتعاون مع رفاقهم القادة السياسيين الذين تخرجوا من الجيش وتسلقوا سلم الحكم، في قمع النقاش. ولكن في السنوات الأخيرة أخذ هذا النقاش يتصاعد وتحول الى صراع بين قوى العسكر والقوى المدنية. وتضم قوى العسكر، أولئك الذين يستفيدون من تجارة السلاح وبيع الخبرات الأمنية، وبين السياسيين الواقعيين، الذين يريدون اخراج اسرائيل من دائرة الحرب ورجال العلم الذين يرون أن على اسرائيل أن توقف دائرة الحرب وتكرس قدراتها لتطوير العلم والتكنولوجيا المدنية والعسكرية، وكذلك الاقتصاديين الذين يعتقدون بأن اسرائيل بتخلفها عن مسار السلام العالمي تضيع الفرصة لتكون دولة غنية جدا، ويرون مثلا في ايرلندا التي كانت متخلفة عن اسرائيل اقتصاديا خلال الحرب الداخلية فيها، ثم أصبحت تتربع على عرش متقدم بين دول الغرب (دخل الفرد فيها 47 ألف دولار، وفي اسرائيل 26 ألف دولار).

رابعا: وقف رئيس الوزراء الحالي، ايهود أولمرت، في صف مؤيدي تقليص ميزانية الجيش منذ انتخب رئيسا للحكومة. فوضع في الخطوط العريضة للحكومة بنداً يدعو الى تقليصها بمبلغ 5 مليارات شيكل. فغضب الجيش وجره الى حرب لبنان، واضطر أولمرت الى التراجع، وبدلا من التقليص تمت زيادة الميزانية بمبلغ 8.2 مليار شيكل في سنة 2007 و2.5 مليار شيكل في سنة 2008 وها هو يزيدها بمبلغ 1.3 مليار شيكل في سنة 2009.

ميزانية السنة كما أشرنا، فإن المعروف عن ميزانية الجيش، التي أقرت في القراءة الأولى (وغير النهائية) في الحكومة الاسرائيلية، فجر الاثنين الماضي، تبلغ 58 مليار شيكل (52 للجيش مباشرة و6 مليارات بشكل غير مباشر). التفاصيل المعروفة من هذه الميزانية تقتصر على بندين: الأول هو المساعدات الأميركية السنوية، التي كانت بقيمة 2.4 مليار دولار، يصرف معظمها على ما تشتريه اسرائيل من الولايات المتحدة وبالأساس طائرات وأسلحة وذخيرة، وسترتفع في السنة المقبلة الى 3 مليارات دولار في السنة. والثاني هو خمس مبلغ الميزانية العسكرية لا أكثر، ويتعلق بالمصاريف الادارية ـ الرواتب وأجور المكاتب والضرائب البلدية والتعويضات والتأمين الصحي والصيانة وغيرها. أما بقية الميزانية، فهي سر أمني محكم لا يعرفه سوى قلة قليلة من كبار قادة الجيش. وخلال النقاش حول الموضوع، يطالب العديد من السياسيين والأكاديميين والاقتصاديين وجمعيات طهارة الحكم، بإخضاع الميزانية الى المراقبة الدقيقة لمعرفة أين تصرف الأموال، ولكن الجيش يمنع ذلك حتى الآن.

ومع ذلك فقد حقق هؤلاء جزءا من مطلبهم بتسريب اللوائح بالرواتب، فاتضح منها ان هناك تبذيرا مذهلا في الصرف على ضباط الجيش الاسرائيلي، المقاتلين (البالغة نسبتهم 10%) وكذلك الاداريين والعاملين في التدريب أو في الجبهة الداخلية (البالغة نسبتهم 90%). ومن الأمثلة على ذلك: في الوقت الذي يبلغ فيه معدل الأجر المتوسط في اسرائيل حوالي 7600 شيكل (2171 دولارا)، يبلغ معدل الرواتب في الجيش 17831 شيكل (5085 دولارا). ويتقاضى الضابط الذي يحمل رتبة مقدم 25567 شيكلا (7300 دولار)، ورتبة عقيد 9000 دولار ورتبة عميد 11000 دولار (أكثر من وزير) واللواء 14200 دولار في الشهر. وعندما يجري الحديث عن معاش التقاعد يصبح كل ضابط مليونيرا في اسرائيل، حيث ان التعويضات التي يتلقاها ضابط برتبة رائد تصل الى 2.6 مليون شيكل (742 ألف دولار)، ورتبة مقدم 1.2 مليون دولار ورتبة عقيد 1.5 مليون دولار والعميد 1.9 مليون دولار واللواء 2.4 مليون دولار (أجري الحساب على أساس سن التقاعد المتقدم، حيث ان الرائد يخرج للتقاعد في سن 42 عاما واللواء في سن 55 عاما). والمهندس الذي يعمل في الجيش الاسرائيلي، حتى لو عمل اداريا بعيدا عن جبهة القتال، يحصل على راتب يزيد بنسبة 58% عن المهندس المدني وتصل الزيادة الى 115% حسب سنوات الأقدمية. وينفق الجيش الاسرائيلي مبلغ 190 مليون شيكل (حوالي 54 مليون دولار) في السنة على المبعوثين (100 شخص) الى الخارج (44 في الولايات المتحدة و7 في ألمانيا و5 في فرنسا و3 في كل من تركيا والهند وبلدان اخرى) لتمثيل مصالح الجيش ومشترياته العسكرية، بحيث يكلف كل واحد منهم حوالي نصف مليون دولار في السنة (للمقارنة: يمثل الجيش المصري في الخارج 12 مبعوثا).