لبنان: البرلمان يتخطى عقدة «التقسيمات» وتعهد بإقرار قانون الانتخاب في 25 سبتمبر

«فضيحة» تنصت رسمي «غير شرعي» يسمح بملاحقة الاتصالات.. والتنقلات

TT

تخطى البرلمان اللبناني أمس عقبة «التقسيمات الانتخابية» التي وترت الأجواء السياسية في البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، عبر تأجيل اقرار قانون الانتخاب الى 25 سبتمبر (أيلول) المقبل كحد أقصى بعد تعهد قوى «14 آذار» بذلك لتفادي اصرار قوى «8 آذار» على طرح اقتراح قانون يتعلق بالتقسيمات الانتخابية، وفقاً لما تم التوافق عليه في الدوحة والذي قدمه أحد نواب «حزب الله».

وقد شهدت الجلسة تجاذباً حول هذا الموضوع وسط اتجاهين لافتين. الاول لقوى المعارضة التي أرادت اقرار التقسيمات الانتخابية، على ان يتم تأجيل اقرار الاصلاحات الانتخابية الى وقت لاحق. والثاني تمثل في مطالبة قوى «14 آذار» بأن يكون الامر سلة متكاملة.

وخرجت الجلسة بـ «مشروع فضيحة» بعدما أكد وزير الاتصالات جبران باسيل وجود «تنصت غير شرعي تقوم به جهات رسمية» كاشفاً ان هذا التنصت يوفر القدرة على ملاحقة الاتصالات والرسائل النصية وحتى تحركات حامل الهاتف. وهو ما حذّر رئيس مجلس النواب من خطورته، متحدثاً عن ضرورة انشاء لجنة تحقيق برلمانية حوله.

وكانت الجلسة قد استهلت بتلاوة «الاوراق الواردة». فأشار النائب ايلي عون الى الوضع السياسي. ولفت الى استقالة الرئيس السابق للمجلس النائب حسين الحسيني، مطالبا النواب بـ «التكافل والتضامن وبالاعتذار للناس» عما تسببت به «المهاترات التي سادت جلسات المجلس خلال مناقشة البيان الوزاري»، مشيرا الى «الانعكاس السلبي الذي سلك طريقه عبر الترف السياسي الذي شهدناه ولا ينتظر التصحيح».

ثم تحدث النائب قاسم هاشم، فقال: «لقد مل اللبنانيون من السجالات السياسية والتحريض»، مشيرا الى انهم «ما زالوا ينتظرون الوعود الكثيرة حول عدد من الامور خصوصا الازمة الاقتصادية المعيشية».

وسأل النائب بهيج طبارة عن «قانون الانتخابات» وعما «اذا كان هناك في لبنان اليوم عملية تنصت وفقا للقانون الذي صدر». وتمنى النائب عباس هاشم (تكتل التغيير والإصلاح) اعلان منطقة جبيل «منطقة منكوبة» وان يتم التواصل مع هذه المنطقة حتى لا تتحول الى منطقة معزولة. ودعا الى وضع نظام داخلي لمجلس الوزراء «لنتحول الى منطق الحداثة».

لكن السجال العنيف كان على خلفية ما حصل من صدامات ليل اول من امس بين مناصري حركة «امل» و«تيار المستقبل» في احد احياء بيروت، فأشار النائب محمد قباني الى ان «الجميع يقول ان بيروت عاصمتنا. وهذا الكلام يتناقض مع الشعب المتقاتل في احياء بيروت ومع ما حصل ليل امس (الاول) في منطقة رأس النبع، حيث تم الاعتداء على مواطنين كانوا يرفعون شعار رمضان المبارك طلع السيف فاعتقدوه سيف السعودية». فرد الرئيس بري قائلا: «ليأخذ التحقيق مجراه. كان هناك ناس تعلق صورا للامام موسى الصدر، فأتى بعض الاشخاص ومنعوا ذلك. بيروت للبنان من دون استثناء. وعلينا ان نحميها جميعا». فعلق قباني «اهلا وسهلا بك في بيروت». عندها اعترض عضو كتلة بري النائب ايوب حميد معتبرا ان هذا «كلام غير مقبول» فرد عليه قباني: «هذا كلام ميليشيوي. المطلوب من قوى الامن والجيش فرض الامن. المطلوب من جميع القوى السياسية ان ترفع الغطاء السياسي عن جميع المشاغبين. بيروت المطلوب ان تكون مدينة منزوعة السلاح. بيروت وأهلها يرفضون الاعتداء على كرامات الناس والمنازل وعلى الشوارع». فقال حميد: «كل القصة منكم انتم». وهنا تدخل بري متسائلا: «ماذا يفيد هذا الكلام؟».

بدوره، اثار النائب عمار حوري (المستقبل) ما حدث في بيروت. وقال: «يهمنا ان يقوم الجيش وقوى الامن بواجبهما. ويهمنا ألا يحصل اعتداء على المواطنين. ونتمنى التجاوب مع هذا الامر». فرد الرئيس بري قائلا: «90 في المائة من الاشكالات يكون سببها رفع الشعارات والصور. حصل تفاهم على ازالة كل الشعارات من بيروت. وعقدت اجتماعات مع مسؤولين في الاحزاب واتى أناس من قبل الجيش وقوى الامن الداخلي. تحددت بيروت الادارية كلها حتى يحصل نزع كل الصور. بعد ذلك توقف الامر. اتمنى ان تسأل انت كيف توقف الامر. وأعلن ان هذا المطلب مطلب حق ويوفر الكثير من الاشكالات». فتدخل النائب احمد فتفت (المستقبل) قائلا: «الشعارات والسلاح». فعقّب بري «السلاح كله ما عدا سلاح مقاومة اسرائيل».

كذلك، تطرقت النائبة غنوة جلول (المستقبل) الى ما حصل في بيروت. وتمنت «الاقتصاص من المذنب». وتحدثت عن «مثل هذه الممارسات في اكثر من منطقة».

ثم رد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على المداخلات مرحبا بعودة الجلسات التشريعية الى «العمل بشكل يؤدي الى اتخاذ القرارات». وقال: «لا شك ان هناك امورا ما زالت في الشارع اللبناني وتؤدي الى حالات من التوتر. وأود هنا ان اقول ان التعليمات اعطيت بحيث يصار الى التشدد في ضبط اي مخالفة (...) واعتقد ان هناك اسهاما يجب ان نقوم به جميعا في الامتناع عن العبارات واللغات المتشنجة (...) وما قيل اليوم (امس) لجهة الاستعداد لإزالة الشعارات واللافتات من بيروت هو بداية. هو خطوة علينا ان نتابعها وان نعطي صورة حيوية على لبنان وعلى قدرتنا على التواصل». وأعلن ان الحكومة «تلتزم القانون في موضوع التنصت»، فرد بري: «التنصت على قدم وساق». فأجابه السنيورة: «هناك وزيران معنيان يتناولان هذا الموضوع».

ورد وزير الداخلية زياد بارود فقال: «في موضوع حماية التخابر، تطبيقا لقانون حماية التخابر انشئ جهاز خاص. ولم يصبح هذا الجهاز عاملا حتى هذه اللحظة. لم يوضع على السكة، بل هو خطة عملية». واضاف: «اما موضوع ما حصل في بيروت فقد اتخذ قرار في مجلس الامن المركزي بوضع حد للتجاوزات. لكن لا مصالحة في بيروت حتى الآن، الامر الذي يعيق تنفيذ هذا القرار».

من جهته، قال وزير الاتصالات جبران باسيل: «موضوع التنصت له شقان ولا شيء يمنع وزارة الاتصالات. المراسيم موجودة والاموال مرصودة وموجودة، للبدء فورا بعملية استقصاء جديدة للتنصت ليكون بشكل رسمي. والتنصت لا يكون فقط صوتيا. نستطيع ان نتتبع الشخص عبر الـ SMS، ونتتبع حركته. معنى ذلك ان كل انسان، وخصوصا الوزراء والنواب، لا نستطيع ان نتنصت عليهم الا بقرار قضائي. انما في موضوع التنصت غير الصوتي الذي يحصل من جهات رسمية فنأمل ان يتوقف فورا». واضاف: «عرفت بهذا الموضوع اخيرا. من اجل ذلك نعلمكم عنه. البارحة ابلغت هيئة المالكين ليطلبوا من شركات الهاتف اتخاذ الاجراءات اللازمة» فعلق بري مشددا على وجوب «تعيين لجنة تحقيق برلمانية لهذا الموضوع لان هناك خطرا على حياة الناس».

وطرح اقتراح القانون المعجل المكرر المقدم من النائب امين شري والرامي الى اعتماد القضاء دائرة انتخابية وفقا لما تم الاتفاق عليه في الدوحة، فطلب رئيس لجنة الادارة والعدل النائب روبير غانم باسم اللجنة وبعيدا عن السياسة «عدم تجزئة قانون الانتخابات وأن يصدر بشكل كامل متكامل» لافتا الى انه «للمرة الاولى في التاريخ يصدر مجلس النواب قانونا مجزأ. ولا ارى ضرورة للاستعجال في هذا الامر خصوصا انه لا يلزمنا سوى ثلاثة اسابيع لإنجاز الاصلاحات ودمجها بالقانون ليأتي متكاملا». وتعهد بإنجازها قبل نهاية سبتمبر (ايلول). وأيده في ذلك النائب جورج عدوان (القوات اللبنانية) داعيا الى الذهاب الى «المشكلة المطروحة اليوم. وهي تخوف البعض من العودة او التراجع عن اتفاق الدوحة». فردّ بري قائلا: «لا اشك في ان أي فريق يريد العودة عن اتفاق الدوحة. واستغرب هذه الضجة التي يثيرها النواب. اولا الرئاسة لا تستطيع منع نائب من طرح اقتراح يحمل حقه المعجل المكرر فالرئاسة مضطرة لطرحها. عندما كنا في الدوحة اتفقنا على ان تقر هذه التقسيمات بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة. وبناء على تمني وطلب من النائب سعد الحريري تم تأجيله اسبوعا لكن لم تعقد جلسة تشريعية سوى اليوم. والقرار يعود للهيئة العامة، فإذا كان هناك توافق فيقر الاقتراح وإلا الامر يعود للهيئة العامة بالتصويت اولا على صفة الاستعجال ثم طرح الاقتراح على التصويت».

ولفت النائب حسين الحاج حسن (حزب الله) الى «ان البعض يظهر وكأن هناك من يطالب بالاصلاحات وهناك من هو ضدها. وتحت هذا العنوان سيتم التهرب من التقسيمات الانتخابية». وقال: «هناك اليوم فرصة للقول ان النواب وافقوا على التقسيمات وبعد ثلاثة اسابيع يتم التصويت على الاصلاحات. والموضوعان لا يتناقضان»، داعيا الى «تثبيت اتفاق الدوحة وبعده التصويت على القانون». ولفت النائب عباس هاشم الى ان «من أهم ما تم الاتفاق عليه في الدوحة ان يأتي التفاهم في سلة واحدة. وكما هو وارد في النص؛ فقد تم فصل التقسيمات الادارية الانتخابية عن الاصلاحات في النص الوارد في الصيغة التي أعدتها الهيئة الوطنية التي يتطلب بعضها تعديلا دستوريا لجهة خفض سن الاقتراع. ولا يجوز ان يتم سلق الاصلاحات الادارية تحت ضغط اقرار التقسيمات الانتخابية».

وقال النائب بطرس حرب: «ما من أحد منا لديه رغبة في اعادة النظر في الالتزام السياسي الذي تم في الدوحة. فإذا كان هناك خوف لدى لجنة الادارة والعدل من سلق هذا الموضوع، عليها ان تتعهد بأن تنجز الاصلاحات في مهلة اقصاها شهر واحد. ونحن نلتزم ادبيا وواقعيا بالحفاظ على ما تم الاتفاق عليه وأن يأخذ هذا الاقتراح مداه في لجنة الادارة والعدل وبعد مهلة الشهر يمكن لرئاسة المجلس اعادة طرحه مجددا على التصويت».

وبعد نقاش مطول بين النواب، قال الرئيس بري: «بعد كل ما سمعناه، ما من شك ان الجميع ملتزمون بما تم الاتفاق عليه في الدوحة وملتزمون ايضا في موضوع الاصلاحات». وطرح اقتراحا بإعادة الاقتراح الى لجنة الادارة والعدل «لإقرار التقسيمات الادارية في اول جلسة أو ان تتعهد خلال شهر برفع الاقتراح الى الهيئة العامة بعد ان تكون قد انهت الاصلاحات الادارية. وتأتينا به يوم الخميس في 25 سبتمبر (ايلول) المقبل». فاعترض على الموضوع النائب نبيل نقولا (كتلة عون) الذي أصر على «التصويت على التقسيمات في هذه الجلسة لاننا نشم نيات سيئة». فانتفض النائب انطوان اندراوس (كتلة النائب وليد جنبلاط) محتدا وتهجّم على نقولا. وكاد الامر ان يتحول الى اشتباك بالأيدي لولا تدخل النواب الذين فصلوا بين الاثنين.