«جيش هيلاري».. يضع وحدة الحزب الديمقراطي أمام امتحان

كلينتون تجتمع بمندوبيها اليوم لشكرهم.. وخطابها يحدد أين تذهب أصواتهم

موفدة إلى المؤتمر العام للحزب الديمقراطي تلبس قبعة عليها صورة المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما ومنافسته السابقة هيلاري كلينتون (رويترز)
TT

أنا لست ارهابيا. ثلاث كلمات بالعربية، بدت يتيمة وغريبة في دنفر. كانت مطبوعة بأحرف بيضاء على قميص أسود، يرتديه شاب غربي الملامح، في الثلاثينات من العمر، يجر طفله الجالس في عربة. في مكان آخر في المدينة الواقعة في ولاية كولورادو الأميركية، كان رجل كهل يجر خلفه صليبا يفوق حجمه. بدا منهكا والعرق يتصبب من جبينه... وهو لا يأبه. على بعد بضعة أمتار، كان يتبعه رجل آخر، يحمل صليبا شبيها، يكافح الحر ويبدو غارقا تحت ثقل حمله.

مشاهد غريبة قد تصادفك في دنفر خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي. فالكثيرون يستغلون وجود آلاف الزوار والصحافيين للتعبير عن شيء، مهما كان غريبا. تيري مثلا، الشاب الاميركي الذي يرتدي قميص «أنا لست ارهابيا»، أراد أن يقول للعالم ان ليس كل عربي ارهابيا، وإن ذكر كلمة «عربي» ليس مرادفا لكلمة «ارهابي». تيري، وهو أستاذ يعطي دروسا خصوصية في اللغة الانجليزية في ساكرامنتو، كاليفورنيا، قال انه قرر شراء القميص ليقول للعالم ان اللغة العربية لا ترهب، بعد أن تعرف عليها من خلال الدروس التي يعطيها، على تلاميذ من باكستان! لا فرق اذا كان الباكستانيون يتحدثون الاردو لا العربية. فالامر سيان بالنسبة الى تيري. المهم، ايصال الرسالة. أما الرجلان اللذان كانا يجران الصلبان، فهما أيضا لديهما رسالة. رسالتهما موجهة الى المسيحيين المؤمنين، يطلبون اليهم الا ينتخبوا أوباما لانه يؤيد حق المرأة في الاجهاض. ولكن الى جانب هذه الرسائل الخاصة، كانت هناك شريحة أكبر من «باعثي الرسائل» في دنفر، تريد ارسال رسالة أوضح وبصوت أكثر ارتفاعا. هذه الشريحة هي «جيش» هيلاري المؤلف من نساء مستاءات من خسارة مرشحتهن. العشرات منهن حملن صور هيلاري كلينتون ويافطات مؤيدة لها، ورحن يجبن وسط دنفر بحثا عن كاميرات التلفزة والصحافيين. تمركزن أخيرا أمام ستوديو نقال لتلفزيون «أم أس أن بي سي» الاميركي وبدأن باطلاق الهتافات المؤيدة لهيلاري والمنددة بأوباما. اتهمن أوباما بأنه يميز بين الاجناس، وقالت احداهن إن النساء العاملات في حملته تتقاضين مرتبات أقل من الرجال. بدت متأكدة من معلوماتها. في المكان نفسه، كانت مجموعات مؤيدة لاوباما منتشرة، بعضها يوزع صور المرشح وآخرون يتجمعون. بدأ تبادل الهتافات بين المعسكرين، ومن ثم بدأ الجدال وكاد يتحول الى معركة بالايادي. في النهاية اتفق الفريقان على التجمع في المكان نفسه من دون الحديث الى بعضهم البعض، تجنبا لتفاقم الامر. هؤلاء النساء اللواتي جئن الى كولورادو من ولايات بعيدة كنيويورك وميشيغان وفلوريدا، تشكلن جزءا من مناصري هيلاري الذين لم يستطيعوا بعد تقبل خسارتها والسير خلف أوباما. فبحسب آخر استطلاع أجرته شبكة «سي أن أن» حول الامر، جاءت النتيجة أن 27 في المائة من مؤيدي هيلاري يفضلون انتخاب المرشح الجمهوري جون ماكين على اوباما، أو انهم لن ينتخبوا على الاطلاق. دارا مورفي التي تقود الحركة النسائية المؤدية لهيلاري، تقول ان الحركة تضم نحو عشرة آلاف امرأة وان هؤلاء النسوة تبرعن بالاموال لارسال مجموعة منهن الى دنفر للتظاهر. دارا تؤكد ان النساء تنتمين الى الحزب الديمقراطي، ولكنها تضيف: «نفضل ان نبقى في منازلنا على انتخاب اوباما. هو لم يفز، هيلاري فازت. كان يجب على الحزب الديمقراطي احتساب اصوات فلوريدا وميشيغان. كما ان حركتنا هي ضد الاعلام الذي كان متحيزا ضد هيلاري وميّز بين الجنسين». وولايتا فلوريدا وميشيغان شكلتا موضوع جدل كبير خلال الانتخابات التمهيدية لانهما منعتا من ارسال مندوبين الى مؤتمر الحزب الديمقراطي بعد ان رفضتا التقيد بالتواريخ المحددة لهما من قبل الحزب لاجراء الانتخابات التمهيدية. وقد فازت هيلاري في الولايتين، علما ان اوباما لم يقم بحملات انتخابية فيهما. وبسبب ذلك، كانت النساء تطالبن بعدم قمع افواه المندوبين وبالسماح لهم بالاقتراع بديمقراطية. دارا تقول ان بعض النساء تفضلن التصويت لماكين على اوباما، وان بعضهن الآخر لن يصوت لاحد. وتعتبر ان التصويت لماكين سيكون تصويتا ضد الحزب الديمقراطي وليس تأييدا للمرشح الجمهوري. احدى النساء قالت ان لا شيء تفعله هيلاري او اوباما، قد يدفعها لتغيير رأيها، «فهي تؤيد اوباما لان عليها تأييده». ايدي سايلز، وهو مندوب لهيلاري من ولاية اوكلاهوما، سيشارك في التصويت يوم الخميس لانتخاب الرئيس المقبل للحزب الديمقراطي، قال انه يؤيد قضية النساء ولكنه يرفض رفضا قاطعا التصويت لاحد غير المرشح الديمقراطي، أيا كان. ويتحضر ايدي للقاء هيلاري كلينتون صباح اليوم الاربعاء، هو والمندوبون الاخرون اللذين فازت بهم في الانتخابات التمهيدية. وعموما، يلتقي المرشح الخاسر بمندوبيه قبل يوم من انتخاب الرئيس في المؤتمر ليشكرهم ويطلب اليهم التصويت للمرشح الفائز ويعلن رسميا الانسحاب من السباق. ايدي سيصوت لمن تطلب اليهم هيلاري التصويت له، وهو متأكد بأن المندوبين الباقين سيفعلون الشيء نفسه، ويقول: «هي لمحت لنا من قبل بأنها تريد منا التصويت لاوباما ولكنها لم تقلها مباشرة. قد تفعل ذلك عندما تجتمع بنا، وكلنا سنفعل ما تطلبه منا».

الا ان مؤيدي اوباما لا يبدو أنهم يعيرون الكثير من الاهتمام لغضب النساء. ويقول مايلز بايكر، وهو أحد مندوبي أوباما في مؤتمر الحزب الديمقراطي، ان اعداد هؤلاء النساء ليس كبيرا وهن لا تستطعن تغيير شيء. ويرى مارتن ان الغضب سيزول مع اقتراب الانتخابات وان جزءا كبيرا من النساء قد لا تصوتن على الاطلاق، مستبعدا كثيرا ان تصوتن لماكين.

واذا كانت هذه الحركة تضم عشرة آلاف امرأة، بحسب دارا مديرة الحملة، فان هذا الرقم هو جزء صغير من الـ27 في المائة الذين لا يؤيدون اوباما، من بين 18 مليون شخص انتخبوا هيلاري في الانتخابات الفرعية، لاسباب مختلفة. امرأة من مؤيدي أوباما، تحدثت عن التمييز العنصري وكانت تحاول اقناع النساء اللواتي كن يتظاهرن تأييدا لهيلاري بضرورة تأييد أوباما لان السود في أميركا لا يزالون يعاملون بتمييز عنصري. وسألتهم: «كم عضو أسود لدينا في الكونغرس؟».

الرئيس السابق جيمي كارتر سئل أيضا خلال الليلة الاولى لمؤتمر الحزب، الى اي درجة يعتقد ان العرق، يلعب دورا في الانتخابات. أجاب: «هذا العنصر موجود». وأضاف: «عندما ألقى اوباما خطابه عن الاعراق في بنسلفانيا، كنت أشاهده والدموع تغرق عيني. لقد رأيت في خطابه امكانية لوضع حد للتمييز العنصري في أميركا، وانتخابه سيضع حدا للعنصرية والاحكام المسبقة في أميركا». وأشار ايضا الى ان جزءا صغيرا جدا من مؤيدي هيلاري سيصوتون للمرشح الجمهوري. وحدة الحزب الديمقراطي، أحد أهداف مؤتمر الحزب هذا العام، وقد بدأت أمس محاولات جمع الاطراف مع ظهور تيد كنيدي، السناتور الذي أجرى عملية جراحية في رأسه قبل ثلاثة أشهر فقط لمعالجة ورم خبيث، في مؤتمر الحزب بشكل مفاجئ والقاء كلمة مؤثرة أبكت الحضور، ودفعت المعلقين الى القول ان من لم يتأثر بكلامه، من ديمقراطيين وجمهوريين، هم من التماسيح. كنيدي عاد وشبه اوباما بشقيقه الرئيس جون كنيدي، ودعا الديمقراطيين الى جعل التغيير حقيقة وانتخاب اوباما وطوي صفحة العنصرية والتمييز بين الاجناس نهائيا. فهل يلقى طلب كنيدي، أيقونة الديمقراطيين، صدى لدى مؤيدي كلينتون ورافضي اوباما؟