روسيا تعترف باستقلال جمهوريتي جورجيا الانفصاليتين.. وتعلن استعدادها للدفاع عنهما

إدانة أوروبية وأميركية واسعة وسط إجراءات روسية ضد «الناتو»

امرأة تلوح بالنصر في تسخينفالي، عاصمة اوسيتيا الجنوبية، امس بعد اعلان روسيا الاعتراف بانفصالها (أ ب)
TT

في تصعيد خطير في القوقاز، اعترفت روسيا امس باستقلال جمهوريتي جورجيا الانفصاليتين ابخازيا واوسيتيا الجنوبية. وفي اعقاب الجلسة الطارئة لمجلس الامن القومي الذي دعا اليه في منتجع سوتشي، مقر اقامة الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف الصيفي، اعلن ميدفيديف توقيع مرسوم اعتراف روسيا الاتحادية باستقلال الجمهوريتين «نزولا عند رغبة شعبي الجمهوريتين التي اعربا عنها في استفتاءات جماهيرية وقرارات برلمانية وعملا لكل المواثيق والعهود الدولية بما فيها ميثاق الامم المتحدة والمعاهدات والوثائق». وقال انه يدعو البلدان الاخرى الى ان تحذو حذو روسيا استجابة لارادة ورغبة شعبي الجمهوريتين، مؤكداً ان مثل هذه الخطوة هي السبيل الوحيد لانقاذ الشعبين. وأكد ميدفيديف في وقت لاحق ان روسيا ستحمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية من اي هجوم لكنها لن تتدخل في صراعات اخرى في الجمهوريات السوفياتية السابقة. وقال ميدفيديف لقناة «سي.ان.ان»: «بموجب المرسوم الذي وقته من الطبيعي ان تساعد بلادنا في ضمان امن هاتين الدولتين واذا تعرضتا للهجوم فسنقدم لهما المساعدة المناسبة». واضاف: «اما فيما يتعلق بالتدخل في صراعات اخرى فمن الطبيعي الا نفعل ذلك. لكن روسيا دولة عليها ضمان مصالحها على طول حدودها وهذا امر واضح تماما».

واستعرض الرئيس الروسي ما فعلته جورجيا منذ سنوات حكم زفياد جامساخورديا الرئيس الاسبق الذي اعلن شعار «جورجيا للجورجيين» واشعل «حرب ابادة» كادت تقضي على شعبي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية في عام 1991، وهو ما تصدت له روسيا في حينه لتكون ضمانا للامن والسلام والاستقرار في القوقاز. واشار ميدفيديف الى ان روسيا عادت لتؤدي نفس الدور في مواجهة الرئيس الحالي ميخائيل ساكاشفيلي الذي قال انه «ارتكب الكثير من الجرائم». ويذكر ان جورجيا شنت هجوما على اوسيتيا الجنوبية في 7 اغسطس (اب) الحالي لاستعادة الجمهورية الانفصالية، وردت روسيا بعملية عسكرية واسعة فصدت الجيش الجورجي وتوغلت في اراض جورجية.

وكان دميتري روغوزين، ممثل روسيا لدى حلف شمال الاطلسي «الناتو» الذي استدعته موسكو للتشاور، اعلن امس ان بلاده اتخذت قرار وقف كل اشكال التعاون مع «الناتو» بما في ذلك المناورات العسكرية وتبادل الوفود واللقاءات ذات الطابع العسكري، عدا العمليات المشتركة في افغانستان والرامية الى مواجهة الكوارث الانسانية. وأقرت موسكو ايضا عدم ايفاد ممثلها للشؤون العسكرية الى بروكسل ورفض استقبال الامين العام لـ«الناتو» ياب دي هوب شيفر الذي كان يعتزم زيارة العاصمة الروسية في 17 اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، الى جانب اغلاق المكتب الاعلامي للناتو في موسكو. وكان فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية قد كلف دميتري كوزاك وزير الحكم المحلي باتخاذ الاجراءات اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة في اوسيتيا الجنوبية ومواصلة العمل من اجل صرف الهويات الروسية المؤقتة للمهاجرين والنازحين من اوسيتيا الجنوبية، تمهيداً لصرف الوثائق الرسمية بعد عودتهم من المخيمات المؤقتة في مختلف المناطق المتاخمة لاوسيتيا الجنوبية. وبموجب المرسوم الذي وقعه ميدفيديف امس، تعمل موسكو على اقامة علاقات دبلوماسية مع الجمهوريتين.

نددت جورجيا بهذه الخطوة التي تلت اجتياحاً روسياً للاراضي الجورجية. وقال سكرتير مجلس الامن القومي الجورجي الكسندر لومايا على الفور باعتراف روسيا باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية معتبرا انه «لا قيمة قانونية له» وستكون له «انعكاسات سياسية شديدة» على روسيا.

واصطدم اعتراف روسيا بالجمهوريتين برفض من الدول الغربية التي نددت على غرار جورجيا بموقف موسكو باعتباره «انتهاكا» للقانون الدولي. وكانت ردود فعل الدول الغربية مشابهة، وقالت الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي انها تتشاور مع شركائها لاستصدار ادانة مشتركة للقرار الروسي الذي وصفه متحدث باسم الخارجية الفرنسية بـ«المؤسف». وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية اريك شوفالييه «نعتبر انه قرار مؤسف ونذكر بتمسكنا بوحدة اراضي جورجيا».

واعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ان اعتراف روسيا باستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا امر «مؤسف». وقالت: «بالنسبة الى النية الروسية الواضحة بالاعتراف بجزءين، بمنطقتين كانتا في نزاع، وهما بشكل واضح داخل الحدود الجورجية المعترف بها دوليا بموجب عدة قرارات عن مجلس الامن الدولي، اعتقد انه امر مؤسف».

وعبر الامين العام لحلف شمال الاطلسي امس عن «رفضه» لاعتراف روسيا باستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا معتبرا ان ذلك «ينتهك» وحدة اراضي جورجيا. وقال دي هوب شيفر: «هذا انتهاك مباشر للعديد من قرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بوحدة اراضي جورجيا، وهي قرارات وافقت عليها روسيا».

وقال الناطق باسم المفوضية الاوروبية بيتر باور في مؤتمر صحافى عقد في العاصمة البلجيكية (بروكسل) امس «ان جميع قرارات الامم المتحدة دعمت السلامة الاقليمية والسيادة الكاملة لجورجيا»، مؤكدا ان «هذا هو موقفنا وسيبقى كذلك». ووصفت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل القرار الروسي بانه «غير مقبول» لانه «يتناقض مع مبدأ وحدة الاراضي وهو مبدأ اساسي في القانون الدولي للشعوب».

وفي لندن حذر وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند من ان اعتراف روسيا باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوب «غير مبرر وغير مقبول، وسيؤدي الى تفاقم وضع متوتر اساسا في المنطقة». وكانت الحكومة البريطانية عبرت عن رفضها «بشكل قاطع» أمس اعتراف روسيا باستقلال الجمهوريتين. وقالت الناطقة باسم الوزارة لـ«الشرق الاوسط» «نرفض الاعتراف رفضا تاما ونؤكد سيادة جورجيا ووحدة اراضيها». واضافت «هذا مخالف للتعهدات التي قطعتها روسيا مرارا في قرارات مجلس الامن الدولي. وهذا الامر لا يحسن آفاق السلام في القوقاز». وكان وزير الخارجية البريطانية يتشاور مع نظرائه الاوروبيين امس من اجل التوصل الى قرار حول كيفية الرد على التحرك الروسي.

وبعد سيل الانتقادات للتحرك الروسي، صرح ميدفيديف مساء أمس بأن بلاده «لا تخشى شيئا» بما فيه قيام «حرب باردة» جديدة مع الغرب، مؤكدا في الوقت نفسه انها لا تريد هذه الحرب. وافادت وكالة «رويترز» امس ان الشرطة الجورجية انسحبت من قرية موسابروني المتنازع عليها على حدود اقليم اوسيتيا الجنوبية أمس بعدما دخلتها قوات روسية. وكانت الشرطة تدير نقاط تفتيش في القرية التي خاضت فيها القوات الحكومية مواجهات عنيفة مع انفصاليي اوسيتيا الجنوبية لعدة أيام. وغادرت الشرطة القرية وانتقلت الى عمق الاراضي الجورجية بعدما دخلت دبابات وناقلات جند روسية اليها.