بريطانيا تعمل على بناء «تحالف» لمواجهة روسيا.. وكييف تقول إنها قد تكون «الهدف» المقبل

مدفيديف يبحث مع بلدان مجموعة شنغهاي نتائج النزاع في القوقاز

السلطات الروسية وزعت صحفا روسية على سكان اوسيتيا الجنوبية أمس (أ.ف.ب)
TT

عملت بريطانيا أمس على الحد من التحرك الروسي في الاعتراف بجمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية المنفصلتين عن جورجيا، محذرة موسكو من العودة الى «الحرب الباردة».

وصرح وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند امس، ان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف عليه مسؤولية كبيرة لمنع بدء «حرب باردة لا يرغب فيها الغرب». وكانت بريطانيا ضمن عدد كبير من الدول التي أدانت اعتراف روسيا باقليمي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا الجورجيين الانفصاليين، ودعا ميليباند في السابق الى تحالف دولي لمواجهة ذلك.

وبدأ ميليباند حملته لمواجهة روسيا في كييف، حيث التقى الرئيس الاوكراني فيكتور يوتشينكو امس. ويتوقف المراقبون عند علاقات روسيا مع اوكرانيا التي اتخذ رئيسها فيكتور يوشينكو عددا من القرارات المؤيدة لحليفه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في حربه مع موسكو الى جانب تهديداته الاخيرة حول رغبته في رفع القيمة الايجارية لميناء سيفاستوبول الذي يعتبره الاسطول الروسي قاعدته الرئيسية في البحر الأسود. وقال يوتشينكو امس ان اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين الجورجيتين يشكل «تهديدا للسلام» في المنطقة وفي اوروبا. وقال في بيان «ان القرار الذي اتخذه القادة الروس يشكل تهديدا للسلم والاستقرار في كل منطقتنا وفي الفضاء الاوروبي ويخل بالنظام العالمي القائم (..) ويشكل تغييرا غير مشروع لحدود دولة». واضاف: «ان اوكرانيا تدين اعتراف روسيا بالمناطق المعلنة من جانب واحد، وتدعو القادة الروس الى العودة الى أسس ومبادئ تسوية النزاعات المقبولة دوليا».

وقال ميليباند لمجموعة من الطلاب في العاصمة الاوكرانية كييف: «لم تحمل روسيا نفسها على قبول الخارطة الجديدة لهذه المنطقة الجديدة.. لا نرغب في حرب باردة جديدة وعليه (ميدفيديف) مسؤولية كبيرة لمنع بدء حرب باردة». واضاف: «نحتاج الى زيادة ثمن تجاهل روسيا لمسؤوليتها». وقال إنه سيتم عقد مؤتمر عبر الهاتف، يشارك فيه وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. وتابع: «نحن بحاجة الى اعادة دراسة طبيعة وعمق ونطاق العلاقات (مع روسيا)». وفي وقت سابق ابلغت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ميدفيديف، أن وجود قوات روسية في مناطق من جورجيا يمثل انتهاكا خطيرا لاتفاق وقف اطلاق النار. وقالت الولايات المتحدة ان روسيا تخاطر بعضويتها في منتديات عالمية مثل منظمة التجارة العالمية ومجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى.

من جهته، دعا حلف شمال الاطلسي في امس روسيا الى «التراجع عن قرارها» الاعتراف باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية. وجاء في بيان صدر اثر اجتماع لسفراء الحلف الـ26 ان «مجلس حلف شمال الاطلسي يندد بقرار روسيا الاتحادية الاعتراف بمنطقتي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا ويدعوها الى التراجع عن قرارها». ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي امس في الاجتماع السنوي للسفراء الفرنسيين في باريس، روسيا الى سحب قواتها «فورا» من جورجيا «الى خطوط ما قبل بدء العمليات الحربية». ويخشى ان تكون للمواجهة بين روسيا وجورجيا انعكاسات اوسع بالنسبة الى العلاقات بين روسيا والغرب. فقد جمدت روسيا علاقاتها العسكرية مع حلف شمال الاطلسي، واتهمت الولايات المتحدة بتسليح جورجيا. وفي كلمة متلفزة قال مدفيديف ان قراره ضروري لحماية سكان ابخازيا واوسيتيا الجنوبية ويتماشى مع القانون الدولي، مضيفا ان «روسيا تدعو الدول الاخرى الى ان تحذو حذوها» في الاعتراف باستقلال المنطقتين. الا ان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف صرح لاحقا قائلا «لن نجوب العالم لنجبر الناس على الاعتراف باوسيتيا الجنوبية وابخازيا».

وفيما تتصاعد حدة التوتر مع الكثير من البلدان الغربية على خلفية اعتراف موسكو بكل من ابخازيا واوسيتيا الجنوبية بدأ امس رؤساء بلدان «مجموعة شنغهاي»، التي تضم كلا من روسيا والصين واوزبكستان وقزقستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، لقاء القمة الذي يستمر يومين في العاصمة الطاجيكية دوشنبه. وقد اتسم لقاء الامس بالكثير من الاهمية اذ انه اول لقاء موسع تعقده روسيا على مستوى القمة مع شركائها الذين طالما اعلنتهم حلفاءها الاستراتيجيين، بحضور رئيسي ايران محمود احمدي نجادي وافغانستان حميد كرزاي الى جانب ممثلي الهند ومنغوليا وهي البلدان التي تتمتع بوضعية مراقب في منظمة مجموعة بلدان شنغهاي. وناقش الرئيس الروسي الازمة في جورجيا مع نظيره الصيني هو جينتاو امس، في وقت تتطلع فيه موسكو الى حشد الدعم في مواجهتها الدبلوماسية مع الغرب. وقالت ناتاليا تيماكوفا الناطقة باسم الكرملين عقب المحادثات التي جرت في العاصمة الطاجيكية، ان «الرئيس الروسي اطلع نظيره الصيني على الوضع في اوسيتيا الجنوبية وابخازيا» في اشارة الى المنطقتين الانفصاليتين في جورجيا. وتعتبر هذه الزيارة الاولى التي يقوم بها مدفيديف خارج بلاده منذ اندلاع النزاع بين روسيا وجورجيا هذا الشهر بسبب خلافهما على منطقتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية التي اعترف مدفيديف باستقلالهما اول امس ما اثار موجة انتقادات قاسية لروسيا.

واعربت الصين امس عن «القلق» حيال اعلان مدفيديف، الا انها لم توجه اليه انتقادا. ونقلت وكالة «الصين الجديدة» للانباء عن كين غانغ الناطق باسم وزارة الخارجية قوله ان «الصين تشعر بالقلق بشأن التطورات الاخيرة في اوسيتيا الجنوبية وابخازيا».

وأعلن ديمتري بيسكوف الناطق باسم رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين امس، ان الدول الغربية التي تريد تقليص تعاونها مع موسكو ستكون خاسرة مثلها مثل روسيا. وقال بيسكوف في مؤتمر صحافي عبر الهاتف ان «أي محاولة لتهديد مناخ التعاون هذا (...) لن يقتصر تأثيرها السلبي على روسيا فحسب، بل ستضر بالتأكيد بالمصالح الاقتصادية لتلك الدول».

وبعد الاعلان بالاعتراف باستقلال الجمهوريتين، اطلق الرئيس الروسي حملة اعلامية واسعة، اذ اجرى مقابلات مع كبرى القنوات الاخبارية الغربية، منها «سي.ان.ان» و«بي.بي.سي». كما اكد ان قرار موسكو الاعتراف بجمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية «يستند الى القانون الدولي» في مقالة نشرتها امس صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية. وكتب مدفيديف ان الاعتراف بهذا الاستقلال تم «عبر اخذ الرغبات التي عبر عنها بحرية شعبا اوسيتيا وابخازيا في الاعتبار، وعلى اساس مبادئ ميثاق الامم المتحدة ووثائق اخرى للقانون الدولي». واضاف ان هذا القرار «لم يتخذ باستخفاف ولا بدون درس عواقبه بالكامل» معتبرا ان هذه المنطقة مثل «برميل بارود» عملت «قوات حفظ السلام الروسية على منع اشتعاله». وبحسب وكالة الانباء الايطالية «انسا»، فإن الرئيس الروسي وجه رسالة تفسير حول اعتراف موسكو باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية لعدة قادة غربيين بينهم الرئيس الاميركي جورج بوش والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل ورئيس الحكومة الايطالية سيلفيو برلسكوني. ولم تذكر الوكالة تفاصيل عن مضمون هذه الرسائل.

وفي ما يتعلق باستقلال كوسوفو، قال مدفيديف «في العلاقات الدولية لا يمكن ان تكون هناك قاعدة للبعض وقاعدة للبعض الآخر». وهناك مخاوف من اتساع الازمة الجورجية في القوقاز، وربما تؤثر على استقرار البلقان. وقال المحلل السياسي منصور بردار لـ«الشرق الأوسط» ان اعلان الاستقلال والانفصال «تحمل فيروس العدوى، لا سيما إذا كان وراءها قوة دولية أو شعبية تدفعها لغايتها المنشودة». وتابع: «روسيا وضعها أفضل في القوقاز، والغرب لديه مساحة أكبر للمناورة في البلقان، ولكن لا يعني ذلك أن كلا الطرفين لا يستطيع أن يؤثر في الساحة الأخرى، فبامكان روسيا تحريك صرب البوسنة، وصرب كوسوفو، للمطالبة بالاستقلال، وفي نفس الوقت يمكن للغرب توجيه ضربات موجعة لو فكر في دعم المقاتلين الشيشان الذين أثبتوا أنهم أفضل استعدادا من الجورجيين الذين فروا أمام الدبابات الروسية».