ساركوزي يأمل في بدء لبنان وإسرائيل مفاوضات غير مباشرة قريبا

قال إن انفتاحه على سورية أثمر طلب دمشق من باريس مشاركة أميركا رعاية المفاوضات المباشرة والمشاركة بالترتيبات الأمنية

الرئيس الفرنسي لدى استقباله العاهل الاردني في قصر الاليزيه في باريس أمس (رويترز)
TT

أمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يشرع لبنان وإسرائيل «في وقت ليس ببعيد» في محادثات سلام غير مباشرة وأن «تتمكن فرنسا، بناء على طلب الجانبين» من إنجاح هذه المباحثات. وأكد الرئيس الفرنسي أنه سيزور سورية يومي الثالث والرابع من الشهر المقبل، منوها بالنتيجتين الرئيسيتين اللتين أفضى اليهما الحوار «الجديد» مع دمشق وهما: إقرار إقامة علاقات دبلوماسية بين سورية ولبنان، وطلب سورية أن ترعى بلاده مع الولايات المتحدة المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية عندما تصل الى مرحلة المفاوضات المباشرة.

وجاء كلام الرئيس الفرنسي في كلمة ألقاها أمام السفراء الفرنسيين في العالم بمناسبة اجتماعهم السنوي التقليدي في باريس. واستفاد ساركوزي من المناسبة لإجراء جردة لمحصلة السياسة الخارجية الفرنسية التي وضعها في خانة «القطيعة» مع السياسات السابقة بعد 15 شهرا من وصوله الى قصر الإليزيه وللقيام بجولة في المشاكل المتأججة عبر العالم.

واستهل الرئيس الفرنسي خطابه بالعودة الى مقتل عشرة مظليين فرنسيين بداية الأسبوع الماضي شرق العاصمة الأفغانية وما أثاره ذلك من انتقادات للحكومة ولسياستها في أفغانستان. وأكد ساركوزي مجددا أن فرنسا «ستستمر في تحمل مسؤولياتها»، مستبعدا بذلك أي انسحاب أو خفض لعديد القوة الفرنسية العاملة في إطار القوات الأطلسية. ووصف ساركوزي الوضع في أفغانستان بأنه «لايزال صعبا وخطيرا»، ولكنه تساءل: «ما هو البديل؟ انسحاب عسكري تتبعه عودة طالبان والقاعدة وبلا شك زعزعة الاستقرار في باكستان البلد المجاور».. وأضاف: «لن نستسلم للإرهابيين وسنحاربهم أينما كانوا ونحن على يقين من أن الشعب الأفغاني سيتمكن تدريجيا بقواه الذاتية وبدعم من حلفائه، من مواجهة البربرية والانتصار عليها». ووضع الرئيس الفرنسي سقوط عشرة جنود فرنسيين في خانة «حماية فرنسا والفرنسيين من تهديد الإرهاب المباشر الذي ينبع معظمه من هذه المنطقة في العالم».

واعتبر أن بلاده احتلت «موقعا جديدا على الرقعة العالمية»، مدللا على ذلك بخمسة مجالات هي: العلاقات مع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي والسياسة الفرنسية في الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي وأفريقيا وحقوق الإنسان.

وفي موضوع العلاقة مع واشنطن، هاجم ساركوزي من يعتقد أن التقارب مع واشنطن أفقد باريس هامش المناورة الذي تتمتع به، معتبرا أن ما حصل هو العكس، إذ أن فرنسا «زادت من مصداقيتها ومن هامش حركتها ومن قدرتها على التأثير على الأسرة (الغربية) التي تنتمي اليها وخارجها». وقال ساركوزي إن أراد «تحديد موضع فرنسا بكل صراحة ووضوح داخل أسرتها الغربية وإعادة بناء علاقة مبنية على الثقة مع الشعب والقادة الأميركيين وتجديد العلاقة مع الحلف الأطلسي». وتناول ساركوزي مطولا علاقة بلاده بالعالم العربي بسبب الاتهامات التي توجه اليه بالتخلي عن سياسة بلاده العربية التقليدية التي أرسى دعائمها الجنرال ديغول وتأييده للسياسة الإسرائيلية. وأشار ساركوزي الى النصائح والتحذيرات التي سمعها لجهة المخاطرة بفقدان العلاقات المميزة مع العالم العربي، واصفا ذلك بأنه «خطأ تاريخي» ومؤكدا أنه كان دائم الاقتناع بأن «العكس هو الصحيح».

ودافع ساركوزي عن «استعادة علاقة قوية من الثقة والصداقة مع إسرائيل» لأن ذلك «شرط لاستعادة التأثير» الفرنسي في الشرق الأوسط «حيث لا يمكننا الإسهام بالسلام من غير ثقة الطرفين». وأضاف الرئيس الفرنسي، من خارج النص، أن إسرائيل ديمقراطية».

وتحت شعار القطيعة مع السياسات السابقة، وضع ساركوزي انفتاحه على سورية التي سعى الرئيس شيراك الى عزلها دبلوماسيا، قائلا إنه «سمع الكثير من التعليقات» ومنها ما جاء من واشنطن لتحذره من سياسة الانفتاح على سورية. وقال: «آثرت الشروع في درب آخر أكثر مخاطرة لكنه واعد أكثر». ورأى الرئيس الفرنسي أن هذه السياسة أثمرت أمرين اثنين: الأول، اقامة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وبيروت من جهة، وطلب سورية من فرنسا أن ترعى مع الولايات المتحدة المفاوضات المباشرة بينها وبين إسرائيل والمشاركة حتى في الترتيبات الأمنية. ووصف الرئيس الفرنسي ذلك بأنه «أمر غير مسبوق» ما كان ليحصل «لولا الثقة» التي يوليها الطرفان لفرنسا. غير أن ساركوزي اعتبر أن أبرز نجاح لسياسته الخارجية إزاء العالم العربي والشرق الأوسط والمتوسط هو نجاح القمة المتوسطية التي عقدت في باريس اواسط يوليو (تموز) بحضور جميع الدول المدعوة باستثناء ليبيا منوها بتواجد رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت في قاعة واحدة مع الزعماء العرب الحاضرين. واعتبر ساركوزي ان الاتحاد من أجل المتوسط أصبح «واقعا قائما» ومشددا عزمه على تنفيذ المشاريع التي أقرت أثناء القمة .

وفي الاتجاه نفسه، قوم الرئيس الفرنسي إيجابيا سياسة بلاده الأوروبية. وترأس فرنسا الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام الجاري. ومن النجاحات التي توقف عنده ساركوزي إقرار «معاهدة برشلونة» التي اطلقت بناء على مبادرة منه وبناء الدفاع الأوروبي الذي يسعى اليه واستعادة فرنسا لعلاقاتها المتينة مع دول أوروبا الشرقية ومع بريطانيا. ورغم الانتقادات التي يتعرض لها الرئيس الفرنسي، فقد أصر على أن دبلوماسية بلاده تضع موضوع حقوق الإنسان على سلم اولوياتها في سياستها الخارجية وأنه بالنسبة اليه «مصدر انشغال في جميع الأوقات إن في أفريقيا أو في الصين أو أي مكان آخر من العالم متلازمة في ذلك مع موضوع السلام والديمقراطية والحريات.

ودعا ساركوزي الى إعادة النظر بالمؤسسات التي تعود اليها رعاية شؤون العالم كالاستقرار والأمن أو الشؤون الاقتصادية والمالية. وتساءل أكثر من مرة كيف يمكن إدارة عالم القرن الحادي والعشرين وتحولاته بمؤسسات القرن العشرين، مطالبا بتوسيع مجلس الأمن الدولي ومجموعة الدول الثمانية الأكثر تصنيعا وغيرها.

وفي موضوع أزمة القوقاز، دافع ساركوزي عن الدور الذي لعبه وأوروبا عبره للتوصل الى اتفاق لوقف النار معتبرا أن الأمثولة الأولى هي أن أوروبا يمكنها أن تلعب دورا أساسيا إذا أرادت. غير أن النقطة الأهم التي اثارها هي أن «نهاية الصراع ستحدد الى فترة طويلة علاقة الاتحاد الأوروبي بجاره وشريكه الروسي»، مشددا على أن الحل لا يمكن أن يكون إلا باحترام القانون الدولي وسيادة جورجيا وسلامة أراضيها. وقال الرئيس الفرنسي إن «لا أحد يريد العودة الى الحرب الباردة والحلف الأطلسي ليس عدوا لروسيا بل شريكا لها». وحمل ساركوزي روسيا مسؤولية المسار الذي ستسلكه الأزمة ومسؤولية «الخيار الأساسي» الذي عليها القيام به.

وبخصوص إيران، دعا ساركوزي قادتها الى أن يعوا «خطورة التحدي» الذي تواجهه بلادهم مؤكدا مجددا رفضه ورفض المجموعة الدولية لامتلاك إيران طاقات نووية عسكرية. ودعا ساركوزي الى تشديد العقوبات على طهران إذا ما استمرت في رفض العرض الأوروبي والدولي حول برنامجها النووي محذرا في الوقت عينه من الوصول الى معادلة طرفاها: إما حصوص إيران على السلاح النووي أو تعرضها لضربات عسكرية.