قدم رئيس الحكومة الايطالية سيلفيو برلوسكوني، أمس اعتذارا رسميا باسمه وباسم الشعب الايطالي، عن «الجراح الغائرة التي سببها الاستعمار الايطالي للشعب الليبي» خلال زيارته الى بنغازي. ووقع برلوسكوني مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي «اتفاقية تعاون وشراكة وصداقة» تقضي بدفع ايطاليا، تعويضات بمليارات الدولارات عن الحقبة الاستعمارية للييبا. ووصف العقيد القذافي توقيع الاتفاق بالساعة التاريخية واعتبره اقرارا بهزيمة الاستعمار، وقال عقب توقيع الاتفاق ان «الاستعمار مدان وان احتلال اراضي الغير مرفوض وان الظلم مدان وله ثمن يدفعه الظالم للمظلوم»، واضاف القذافي ان «الاستعمار مشروع فاشل» وشن هجوما حادا على ساسة الاستعمار قائلا انها سياسة تبني الامجاد للحكام على الوهم والظلم». وذكر القذافي ان ايطاليا اليوم ليست ايطاليا الامس لانها تدين الاستعمار. واضاف «نحن نقدم اليوم الاتفاق عربون صداقة تاريخية ومودة وحسن جوار للشعبين الليبي والايطالي». وشدد القذافي بان الاتفاق يدشن عهدا جديدا يطوي صفحة الماضي ويبني جسرا استراتيجيا تعبر عليه البضائع، والخدمات والطلاب والغاز وربما المياه في المستقبل» ووصف مستقبل المتوسط بعد الاتفاق بانه يتحول الى بحيرة سلام. واختتم حديثه الذي وجهه للشعبين الايطالي والليبي بقوله «المجد لمحرري الشعوب وموحدها وللرجال الشجعان امثال برلسكوني». كما تذكر القذافي بالاسم اول شهيد للحرب فى عام 1911، وكان يسمى عبد السلام حميد ابومنيار وآخرهم عام 1931 الشهيد عمر المختار. وفى لقطة ذات مغزى قدم القذافي نجل المختار لرئيس الوزراء الإيطالي الذي صافحه للمرة الأولى، قبل أن يتعانق برلسكوني والقذافي عناقا حارا إيذانا بدخول العلاقات الإيطالية الليبية عهدا جديدا.
ومن جانبه حرص رئيس الوزراء الايطالي برلسكوني على ابراز اهم الخطوات المستقبلية مع ليبيا كما حرص على وصف الاتفاق بانه يضع نهاية لصفحة قديمة لم يخترها حكام اليوم الذين لم يولدوا لحظة الحرب، وشدد على التعاون مع ليبيا على مستوى العلاقات الثنائية والدولية والافريقية كما حرص على اعلان قيمة التعويض والاعتذار للشعب الليبي عن فترة الاحتلال، مشددا بان ايطاليا سوف تقدم خمسة مليارات تعويضات، بمقدار 25 مليون دولار كل عام، وعلى مدار 25 عاما اضافة الى التعاون في مختلف المجالات الثنائية. وطبقا لوكالة الأنباء الليبية فقد عبر برلسكوني في كلمته عقب التوقيع عن إعجابه وعرفانه تجاه القذافي على العمل الكبير الذي قام به وأعاد به الكرامة إلى ليبيا التي جعل منها بلدا يتبوأ مكانة هامة على الصعيد الدولي. يذكر ان توقيع اتفاق التعاون والشراكة والصداقة مع ايطاليا تم في نفس المكان الذين كانت تحكم منه ايطاليا في عهد الاحتلال. وبموجب الاتفاقية، ستمد إيطاليا بموجبها الطريق السريع الذي يربط غرب ليبيا من الحدود التونسية بشرقها مع الحدود المصرية. وتعهدت ايطاليا أيضا بتقديم تعويضات لضحايا الاحتلال وتطهير الأراضي الليبية من الألغام التي زرعتها هناك بالإضافة إلى تقديم معلومات لمعرفة مصير حوالي 5000 من الليبيين الذين تم نفيهم إلى الجزر الإيطالية المهجورة إبان الاحتلال الإيطالي الذي دام 32 عاما لليبيا. وأعلن عبد الرحمن شلقم وزير الخارجية الليبي أن معاهدة الصداقة والتعاون بين ليبيا وإيطاليا ستغلق ملفات الماضي الاستعماري الأليم، ومعاناة الشعب الليبي منه، وتشكل انطلاقا للصداقة والمستقبل. وقال شلقم إن المحادثات بين القذافي وبرلسكوني تطرقت إلى مناقشة عدد من القضايا الدولية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، مشيرا إلى أن برلسكوني وضع القذافي في صورة آخر التطورات السياسية والاقتصادية في أوروبا، كما أهداه محبرة على هيئة أسد تعبيراً عن تقديره لما وصفه شلقم بقيمة الإبداع الفكري والأدبي للقذافي. وقال شلقم فى تصريح لـ«الشرق الاوسط» ان التوقيع مع ايطاليا على اتفاق تعاون اليوم يعد بمثابة مصالحة تاريخية بين البلدين. واضاف «نأمل ان يكون يوم 30 اغسطس يوما للصداقة بين شعبي البلدين». وحول مغزى زيارة برلسكوني للمشاركة فى احتفالات الفاتح من سبتمبر (ايلول)، قال «نحن سعداء لمشاركته باسم الشعب الايطالي» مؤكدا في الوقت نفسه بان جريمة الاستعمار لا تسقط بالتقادم وان حسن الجوار يحتاج لانتهاء هاجس الاعتداء. واكد شلقم ان الاتفاق يتضمن تعاونا استراتيجيا ستقدم ايطاليا بموجبه تسهيلات كثيرة لليبيا في شراكتها مع الاتحاد الاوروبي كما ستقدم تسهيلات كثيرة لايطاليا من اجل تطوير التعاون الثنائي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والعلمي والعسكري.
وأقام القذافي مأدبة غداء ترحيبا برئيس الوزراء الإيطالي حضرها أيضا نائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي سيرجي ايفانوف الذي يزور ليبيا للمشاركة في الاحتفالات بالعيد التاسع والثلاثين للثورة. وقبل وصول برلسكوني إلى مدينة بنغازي، استعادت ليبيا منحوتة حورية شحات المعروفة باسم «أفروديت قورينا» التي كان قد نهبها الاستعمار الإيطالي في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي. وأكدت ليبيا أن استرجاع هذه المنحوتة الأثرية النادرة فنياً بالمقاييس العالمية، يعتبر إقرارا من إيطاليا بتأكيد القذافي منذ سنوات السبعينيات على حق كل الشعوب في استعادة ممتلكاتها الثقافية التي نهبها الاستعمار، وتنفيذا لما نص عليه الإعلان الإيطالي الليبي عام 1998 بشأن التزام إيطاليا بأن تعيد لليبيا كل الممتلكات الثقافية الليبية التي نهبها الاستعمار الإيطالي.
ووصلت المنحوتة الأثرية جوا إلى مطار بنية الدولي في بنغازي لتنضم إلى القطع الأثرية الليبية الأخرى التي تم استرجاعها من إيطاليا منذ عام 1999.