القمة الرباعية مخصصة لمفاوضات سورية ـ إسرائيل.. وضوء أخضر لفرنسا من واشنطن وتل أبيب للوساطة

المتحدث باسم أردوغان لـ«الشرق الأوسط»: دمشق هي التي وجهت الدعوات و«قضايا أقليمية» تهم الأطراف المعنية سبب القمة > توقع بيان مشترك

سوريون يمرون أمام صورة للرئيس السوري بشار الأسد في دمشق أمس (أ.ب)
TT

أكدت الرئاسة الفرنسية، أن القمة الرباعية المقرر عقدها غدا بين فرنسا وسورية وقطر وتركيا في دمشق، مخصصة لبحث المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية غير المباشرة برعاية أنقرة، والتي تستأنف جولتها الخامسة في السابع من الشهر الحالي في اسطنبول. يأتي ذلك فيما قال عاكف بيكي المتحدث باسم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لـ«الشرق الأوسط» ان اردوغان يحضر القمة الرباعية المقررة غدا، بناء على دعوة من دمشق، موضحا ان سورية هي التي وجهت الدعوات للقمة. وأشار بيكي الى أن القمة تعقد لبحث «قضايا اقليمية» تهم الأطراف الاربعة. فيما قال مصدر تركي آخر ان «القمة بحد ذاتها لن تصدر عنها قرارات محددة، لكنها استكشاف لمستقبل السلام بين اسرائيل وسورية، وعملية السلام في المنطقة عموما»، موضحا ان اردوغان سيشارك في القمة الرباعية ثم يغادر مباشرة الى تركيا، بعد ان يتناول افطار رمضان مع الأسد. ويعد لقاء ساركوزي واردوغان في دمشق من اللقاءات القليلة بين الطرفين، بسبب برودة العلاقات بين باريس وأنقرة، على خلفية معارضة ساركوزي لانضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي وتفضيله ايجاد نوع من الشراكة الخاصة، بدلا من منح أنقرة العضوية الكاملة. ويصل ساركوزي دمشق بعد ظهر اليوم، يرافقه وزير خارجيته برنارد كوشنير و70 إعلاميا. ويقتصر الوفد الاقتصادي على اثنين، هما رئيس شركة «توتال» النفطية كريستوف دو مارجوري، ورئيس شركة «سي.جي.أم» للنقل البحري جاك سعادة، وهو من أصل لبناني. وقالت مصادر في الرئاسة الفرنسية أمس، في معرض تقديمها للزيارة، إنها «زيارة سياسية» بالدرجة الأولى ولن يتم خلالها توقيع أي عقد اقتصادي أو تجاري. ويلتقي ساركوزي والأسد، الذي لن يذهب إلى المطار لاستقبال الرئيس الفرنسي، في اجتماع مغلق مساء على أن تستأنف المحادثات أثناء الإفطار. وكالعادة يلتقي ساركوزي الجالية الفرنسية، بعد أن يدشن مدرسة الجنرال ديغول في دمشق. ومن المقرر أن يعقد الرئيسان مؤتمرا صحافيا مع انتهاء زيارة ساركوزي وهي الأولى لرئيس فرنسي الى دمشق منذ وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000. وتأتي الزيارة استكمالا لعملية التطبيع القائمة بين فرنسا وسورية، والتي كانت زيارة الرئيس الأسد الى باريس في شهر يوليو (تموز) الماضي أحد أهم محطاتها. وبررت مصادر الرئاسية الفرنسية إسراع ساركوزي في رد الزيارة للأسد بـ«التطورات الإيجابية» التي حصلت في لبنان و«البادرات» التي صدرت عن سورية ما بين 12 يوليو، تاريخ زيارة الأسد الى باريس و3 سبتمبر (أيلول)، موعد زيارة ساركوزي. من هذه البادرات الإعلان رسميا عن قيام علاقات دبلوماسية بين باريس ودمشق، وانتظار أن يتم ذلك فعليا في الشهرين أو الأشهر الثلاثة المقبلة، وزيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الى دمشق والاعتراف بلبنانية مزارع شبعا، وإحياء لجان ترسيم الحدود، وإعادة النظر في الاتفاقيات القائمة بين لبنان وسورية وبت موضوع المفقودين اللبنانيين في سورية والسوريين في لبنان. وقدرت المصادر الفرنسية عديد اللبنانيين بـ«عدة آلاف» والسوريين «بحوالي المائة». وقالت هذه المصادر إن باريس «رأت من المهم تطوير العلاقات الثنائية مع سورية «حتى تترجم الالتزامات السورية الى أفعال». ودعت باريس السلطات السورية الى «عدم التحجج بموضوع مزارع شبعا لشل عمل لجنة ترسيم الحدود» علما أن دمشق، كما تقول مصادر واسعة الإطلاع في باريس «أجهضت المساعي الدولية ومنها الفرنسية لحمل إسرائيل على نقل الوصاية على المزارع الى الأمم المتحدة». وأبدت باريس «استعداها» للمساعدة في موضوع المزارع وترسيم الحدود.

وتسعى باريس للعب دور في موضوع المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية عندما تتحول الى مفاوضات مباشرة. وكشفت المصادر الفرنسية، عن أن واشنطن وإسرائيل وافقتا على أن تلعب باريس دورا في رعاية المفاوضات المباشرة، الى جانب الولايات المتحدة الأميركية والمشاركة في ضمانها وضمان تنفيذها، بما في ذلك في المجال الأمني. وحسب باريس، فإن المفاوضات غير المباشرة «حققت تقدما» والمناقشات ولجت موضوع الحدود وخط الانسحاب على بحيرة طبرية. ويريد ساركوزي وساطة من الأسد للإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط، الذي تحتجزه حماس منذ عامين في غزة. وأفادت المصادر الفرنسية بأن ساركوزي «سيثير موضوع حقوق الإنسان في سورية»، غير أنها طلبت «عدم طرح أسئلة» في هذا الخصوص بالنظر لـ«حساسية الموضوع».

أما فيما خص القمة الرباعية فإن «فكرتها سورية» وغرضها ضم أربعة قادة، ثلاثة منهم يمارسون رئاسة مجموعة إقليمية، فرنسا ترأس هذه الدورة للاتحاد الأوروبي، وسورية ترأس هذه الدورة من الجامعة العربية، وقطر ترأس هذه الدورة من مجلس التعاون الخليجي»، أما تركيا، فإن مشاركتها «مهمة» بسبب علاقتها بعدد حساس من القضايا الاقليمية في المنطقة. وستبحث القمة التي ستدوم حوالي الساعة، المشاكل الإقليمية ومحادثات السلام والملفين اللبناني والعراقي، كما سيصدر عنها بيان مشترك، بحسب ما قالت المصادر. وسيكون الملف النووي الإيراني من الملفات التي ستثار في دمشق، بعد أن كلف ساركوزي الأسد بـ«نقل رسالة» الى القادة الإيرانيين لدعوتهم الى التعاون مع الدول الست، أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا. لكن المصادر الرئاسية، أفصحت عن أن الرد الذي عاد به الرئيس الأسد من طهران «غير مشجع». أما بصدد التحالف الاستراتيجي بين سورية وإيران، فقد استبعدت المصادر الفرنسية، فك ذلك التحالف في المستقبل القريب، مضيفة أن فرنسا «لم تطلب ذلك من سورية». لكنها في المقابل «تريد توفير بديل عن هذا التحالف لسورية» وذلك عبر فتح البوابة الأوروبي أمامها، وعبر انفتاح العرب عليها ما يفتح الباب مستقبلا لإحداث تغير في التحالفات السورية.

وفي موضع العلاقات الثنائية، تقول باريس إن موضوع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام «ليس مصدر إزعاج أو عقبة على درب تطوير هذه العلاقات». وكانت محكمة عسكرية سورية قد حكمت على خدام، الذي يعيش في فرنسا غالبية وقته، بالسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة. وقالت المصادر الرئاسية إنه «ليس لدى باريس الرغبة في إبعاده» وأنه «يستطيع الإقامة على الأراضي الفرنسية كما يريد» مع دعوته للالتزام بعدد من القواعد بما فيها عدم القيام بنشاطات سياسية انطلاقا من فرنسا. ووجهت المصادر الفرنسية عدة رسائل باتجاه اللبنانيين والسوريين ومجمل الأطراف الإقليمية، فأكدت أن «العلاقة المثلثة» الفرنسية ـ اللبنانية ـ السورية «ما زالت قائمة» وأنها «كتلة واحدة»، ما يعني، ان باريس لا تستطيع أن تطور علاقاتها السورية بمعزل عما تقوم به سورية في لبنان. وردت هذه المصادر على اتهامات توجه لها بـ«ّالسذاجة» في تعاطيها مع سورية، بالقول إن ساركوزي «يسير في الحوار مع سورية بعينين مفتوحتين، وطالما أن الحوار يعطي نتائج فلا يجب أن يتوقف». الى ذلك قال مسوؤل بالرئاسة الفرنسية لرويترز، ان فرنسا مهتمة كذلك بخطة أمنية تركية لمنطقة البحر الأسود، حيث اشتبكت القوات الروسية والجورجية.

وأعتبرت الصحف السورية الصادرة امس ان زيارة ساركوز اقرارا بـ «دورها المحوري« وفكا لعزلتها رغم معارضة الولايات المتحدة. وكتبت صحيفة «الثورة« الرسمية «ينطلق ساركوزي من قراءة فرنسية تقوم على مصالح فرنسا ودورها التاريخي في المنطقة وعلى فهم فرنسا لاهمية دمشق ومحوريتها في اي عمل يتعلق بالمنطقة«.

واضافت «باتت الطريق الى دمشق تزدحم بالوفود العربية والاجنبية لان الجميع ادركوا ان دمشق هي البوابة الحقيقية للمنطقة«. من جهتها كتبت صحيفة «تشرين« الحكومية ان سورية ستكون اليوم «محط الانظار اقليميا ودوليا لاستضافتها قمة على درجة كبيرة من الاهمية«، يتم خلالها «بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها إضافة الى ملف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل، وقضايا المنطقة وعلى رأسها لبنان«.