حزب الله يفتتح معرضا عن مغنية يتضمن من بندقيته إلى فرشاة أسنانه

الزائرون يعبرون جسرا باسم النصر ويشاهدون عتادا للحزب وعروضا بالليزر

الزوار يتنقلون في أرجاء معرض حزب الله بالنبطية («نيويورك تايمز»)
TT

تقدم جمع من الأطفال نحو صندوق زجاجي متلهفين لرؤية ملابس «الشهيد» الملطخة بالدماء. هنا وضع حزامه وحذاؤه الذي «استشهد» فيه بشظية. وما زال على مكتبه الذي شهد تخطيط عمليات عسكرية صندوق أقلامه وحامل أوراقه وهاتفه الجوال. قالت إحدى السيدات وهي تمسح عن عينيها الدموع وتنظر عبر الزجاج: «فليقتل الله من قتله».

الرجل المتوفى الذي يحظى بهذا التبجيل هو عماد مغنية، القيادي العسكري الغامض في حزب الله، فحتى مقتله في انفجار سيارة في سورية في فبراير (شباط)، لم يكن معروفا تقريبا هنا، وكان دوره في المنظمة الشيعية المسلحة محاطا بالسرية. ولكن منذ ذلك الحين مجّده حزب الله كأحد قادته العسكريين العظماء في الصراع ضد إسرائيل.

ومؤخرا افتتح الحزب معرضا في هذه البلدة الجنوبية تكريما لمغنية، الذي يتهمه الغرب بأنه الرأس المدبر لعمليات التفجير المدمرة، والاختطاف التي وقعت في الثمانينات والتسعينات. تعلو صورة لوجهه الصارم والملتحي فوق قطعة أرض مخصصة موقفا للسيارات أقيم عليها المتحف. وبالإضافة إلى ذلك، علقت لافتات تصفه «بقائد النصرين»؛ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، وحرب صيف 2006 ضد إسرائيل. هذا العرض، الذي افتتح في 15 أغسطس (آب)، أكثر معارض حزب الله طموحا حتى الآن، والمقصود به تمثيل الصراع المرير الذي يدور بين الجماعة وإسرائيل في الذكرى الثانية للحرب الأخيرة التي خاضتها الجماعة ضد إسرائيل. يأتي أطفال المدارس طوال اليوم لتستحوذ عليهم الرسالة المعدة بدقة عن المقاومة البطولية. في الليل، تضيء الأنوار وعروض الليزر الأسلحة والدبابات، ويبقي توافد الجمهور إلى المعرض حتى بعد الساعة الواحدة صباحا.

لأول وهلة، يمكن أن يبدو المعرض متحفا مفتوحا للأطفال. تظهر مظلة المدخل الخضراء وكأنها نسخة مقلدة من قبعة مغنية، ثم يعبر الزائرون «جسر النصر» الذي استعين في صناعته بهياكل مدفعية. ولكن سريعا ما يأخذ طابعا مروعا.

يقف هيكل عظمي في زيّ مهلهل وخوذة تحت تعليق مكتوب: «الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر».وهناك دبابات إسرائيلية مختلفة الأبعاد، ذات أبواب مكسرة ومحروقة. ومع تجمهر الزوار حول أحد المعروضات وانتقالهم إلى آخر، يعلو صوت تسجيل تختلط فيه أصوات القنابل والبنادق الآلية مع أصوات أوبرالية حزينة وخطب حربية.

هناك أيضا مجموعة مثيرة من صواريخ ومدفعية حزب الله المضادة للدبابات، ويصاحبها كلها شرح دقيق. وهناك صناديق زجاجية تحتوى على نظارات، ورسائل، وملابس كان يرتديها رجلان من كبار زعماء حزب الله، وكلاهما اغتالته إسرائيل.

لكن الجزء المخيف في المعرض هو الغرفة المحاطة بالزجاج التي تعرض ممتلكات مغنية. فهنا سجادة الصلاة، وخفه، وحتى فرشاة شعره.

بعد ظهيرة أحد الأيام مؤخرا، حدق حشد من المتفرجين عبر الزجاج في رهبة، وبكى بعضهم علانية. وصرخ صبي صغير مرتديا زيا عسكري: «انظروا هذه هي بندقيته»، وأخذ والديه ليلقوا نظرة عن قرب.

شرح مرشد شاب من حزب الله، كان واقفا في الجوار، أن هذه البندقية نسخة معدلة من طراز أيه كي 47، وهي أقوى وأكثر قدرة على إطلاق النار من النموذج العادي. قال المرشد، الذي رفض ذكر اسمه مثل الآخرين الذين يعملون في المعرض وفقا لسياسة السرية التي يحيطها حزب الله بأعضائه: «لم يكن يذهب إلى أي مكان بدونها، لقد كانت جزءا من روحه».

يشهد لبنان الآن فترة من التوتر، حيث أطلق القادة الإسرائيليون تحذيرات من أنهم سيشنون هجوما أكثر تدميرا من حرب 2006 إذا تولى مناصر لحزب الله رئاسة الحكومة اللبنانية. في الشهر الماضي شكل لبنان حكومة انتقالية حصلت فيها المعارضة بقيادة حزب الله على عدد كاف من المقاعد يمكنها من استخدام نفوذها في حق الرفض. ومن المقرر أن تجرى انتخابات جديدة العام المقبل.

جدد مسؤولون في حزب الله تحذيراتهم مؤخرا بأنهم سينتقمون من إسرائيل، التي يتهمونها باغتيال مغنية، فيما ذكرت بعض الصحف في إسرائيل هذا الأسبوع أن عملاء الاستخبارات أحبطوا على الأقل خمس محاولات لاختطاف مدنيين إسرائيليين في دول أجنبية.

وقد أنكرت إسرائيل أن يكون لها أي دور في اغتيال مغنية، والذي وقع في العاصمة السورية دمشق. ولكن قضى عملاء إسرائيليون وغربيون 25 عاما في تعقب مغنية، المتهم بالتخطيط لمجموعة من الهجمات وعمليات الاختطاف، ومن بينها التفجير الانتحاري الذي وقع في ثكنات قوات البحرية الأميركية قي بيروت والذي أسفر عن مقتل 241 جنديا أميركيا عام 1983.

ويعتقد أن مغنية أمضى معظم وقته في إيران وسورية، على الرغم من عدم معرفة أماكن وجوده.

وإذا كان المعرض شهادة بمكانة مغنية الشعبية الجديدة كبطل حزب الله، فهو أيضا دليل على جهود الحزب للاستحواذ على قلوب وتصورات الجيل الجديد.

لقد نظم حزب الله معارض مشابهة من قبل، أبرزها نموذج لحصن عسكري افتتح في جنوب بيروت منذ عام، ويحمل اسم «شبكة العنكبوت»، احتفالا بالذكرى الأولى لحرب 2006. لكن المعرض الجديد أكثر شمولا. فقد صممه المعماري أحمد تيراني، وبناه فريق عمل مكون من 290 فردا في غضون ثلاثة أسابيع فقط حيث عملوا على مدار الساعة. وبالإضافة إلى المجموعة غير العادية من الأسلحة ومقتنيات الشهداء، يحتوي المعرض على غرفة داخلية كبيرة، أعيد تشكيلها لتشبه ما وصفه أحد المرشدين في المعرض بـ«ما نؤمن أن جنة الشهداء مثله».

في الغرفة المظلمة، يوجد رمز يمثل مقاتل حزب الله مقتولا مستلقيا على ظهره على ضفة كبيرة منحدرة من الزهور البيضاء. وتعلو أصوات الأناشيد الوطنية بينما تعرض إحدى الشاشات منظر غروب الشمس الرائع وكفنا محمولا في غابة مظلمة.

بعد ذلك، يضيء الليزر المكان، وتعرض الشاشات صورا من حرب 2006، وتعرض أخرى صورا لمغنية، بالإضافة إلى مشاهد لتدريب جنود حزب الله في المرتفعات الخضراء جنوب لبنان.

بعد ظهيرة أحد الأيام، وصلت حافلات تقل طلاب المدارس لزيارة المعرض، بصحبة مجموعة من مرشدي الكشافة.علق أحد الزوار الذي أعطى اسمه الأول فقط، أحمد، وهو واقف إلى جوار زوجته وولديه: «لقد جئت إلى هنا لأعلم أطفالي ثقافة المقاومة. أريدهما أن يريا ما يفعله بنا العدو، وما يمكننا فعله لمحاربته، لأن هذا العدو عديم الرحمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»