وزير العدل اللبناني يدعو مسلحي طرابلس لتسليم عتادهم ويطالب الدولة بجمع السلاح فورا

قال لـ«الشرق الأوسط»: أنا صورة مشوهة لواقع لا يتغير

وزير العدل اللبناني ابراهيم نجار
TT

أكد وزير العدل اللبناني ابراهيم النجار في حوار لـ«الشرق الأوسط» في بيروت انه سيلتزم الحياد رغم تمثيله «القوات اللبنانية» في الحكومة الحالية. وقال في حديثه إلى «الشرق الأوسط» ان ما يحدث في طرابلس يستدعي معالجة جذرية عبر «إعطاء المسلّحين فترة مدروسة لنزع سلاحهم وتسليمه الى الجهات الرسمية حتى تستطيع الدولة عند انقضاء هذه المهلة القيام بدورها وواجبها، وهما فرض الامن على الجميع». واعتبر ان الخطوة التي قام بها نواب من 14 آذار لتعديل الدستور بما يفرض إجماع البرلمان للقبول بالتوطين «خطوة سياسية أكثر منها قانونية».

النجار وهو الوزير الآتي من عالم المحاماة وتدريس القانون، بدا في غاية الارتياح في الاجابة على الاسئلة. ولعل الرجل قانوني واكاديمي قبل ان يكون سياسيا بما قد لا يرضي احيانا الصحافي الباحث عن مادة صحافية صرف، غير انه سينال حتما من النجار كلاما مشوقا خارجا عن المألوف في عالم السياسة.

* من هو البروفسور ابراهيم النجار؟

ـ أصعب شيء التعريف عن الذات. انه اصعب سؤال يمكن ان يطرح علي. من اكون؟ سؤال يتفرّع منه سؤالان. الاول من اكون في نظري انا والثاني من اكون في انظار الآخرين. الاول، موضوع قائم بذاته ولن اتطرّق اليه. والثاني، موضوع شائك لان من ينظر الي اما ان يحاسبني وإما ان يحسدني وإما ان يتفق معي وإما يتساءل عني وإما ان ينتظرني وإما ان يعاقبني. هذه كلها تجعل من نظرة الغير تجاهي وكأنني أمام لوحة تكعيبية، لان في التكعيبية تراكم كل النظرات نحو الواقع نفسه. الواقع لا يتغيّر ولكن نظرة الغير الي تكون من زاوية معينة. فإذا أردت ان اجيب من انا في انظار الآخرين لقلت أنا صورة مشوّهة لواقع لا يتغيّر. ولكن التشويه هنا نسبي طبعا وله جماليته الى حدّ ما.

* قلت في سردك لنظرة الآخر اليك، انه يمكن ان ينتظرك او أن يعاقبك. ايهما تخشى؟

ـ انا لا انتظر حكم غيري علي، رغم كوني اتمنى ان يكون حكمه صائبا وقائما على شيء من الاستحسان. انطلق من اقتناعات راسخة لديّ ومن برنامج حكم. فلطالما كنت اتوق الى اصلاح ما يسمّى العدل في لبنان. وها انا في مركز المسؤولية وانتظر من نفسي ان اقوم بواجبي كاملا من دون مهادنة.

هذا البرنامج تم دمجه في البيان الوزاري ويقوم على منطلقات ثلاثة: الاول، يتمحور على تحديث الوزارة والاقلام وادخال المعلوماتية وكل التقنيات الحديثة لتكون الوزارة مؤهلة لمواكبة التطوّر العلمي. ولكي نستطيع استعمال كل تقنيات الانترنت والمراجعات الالكترونية والاستعلام عن الدعاوى والشركات وغير ذلك بطريقة تتفق مع ما تم تحقيقه من مكتسبات هذا العصر. ولكن هذه العصرنة لا يمكن ان ننظر اليها من دون ان نتصدى للمحور الثاني وهو المتصل بالبشر اي بالقضايا التي يجب ان تنطلق من عناصر بشرية مؤهلة. فالقضاء يجب ان يكون صالحا وعدد المساعدين القضائيين يجب ان يكون كافيا ومؤهلات الخبراء يجب ان تكون متفقة مع مستلزمات العلم والضمير في آن واحد. وكذلك الامر بالنسبة الى الكتاب العدول والاطباء الشرعيين. هذه كلّها من العناصر البشرية التي يجب ان يقوم عليها العدل عندما ننظر اليه بشكل متكامل. أما العنصر الثالث، فهو ما ستصل بمقتضيات الحقوق الانسانية التي يجب الا تغيب عن بال الحاكم منها ضرورة تسريع القضاء وتطوير القوانين وتحديثها والاهتمام بالسجون والمساجين الذين هم بشر لهم حقوق كما عليهم واجبات. وكذلك ما يتعلّق بحسن التعامل مع الجمهور الواسع الذي يتألف من المتقاضين الذين يبحثون عن سبل واضحة لاحقاقهم في حقوقهم دون مراعاة ودون التملّق لدى الحاكم او القاضي ودون التنازل عن حقوقهم الاساسية. باختصار اقول ان العدل يرسي بظلاله على كمية كبيرة تكاد لا تحصى من المقتضيات الضميرية والوجدانية تنطلق من الاستقلال في الرأي والحياد في الموقع والشجاعة في العمل والصلابة في الايمان دون تمييز بين صديق أو خصم، او بين طائفة وأخرى او بين محازب وآخر. هذا بعض من الانا التي لم أفصح عنها.

* تحدثت عن الحياد، كيف سيتجلّى ذلك رغم كونك تمثّل طرفا سياسيا معينا؟

ـ الحياد يعني مثلا انه قبل ان تطلقي الاتهامات في هذا الاتجاه او ذاك، عليك تقصي الحقائق بكل موضوعية لان الحقيقة وحدها حين تثبت تؤدي الى اجماع والى نظرة مسؤولة وغالبا ما انقسم الناس حول مواضيع مختلفة لا لسبب الا لان الحقيقة لم تنجل. ان السعي إلى إرساء العدل والعدالة لا يمكن ان يكون غريبا عن الدخول دوما في منطقة البحث عن الحقيقة. هذه هي اول درجات الحياد والاستقلال، فالحقيقة تعلّمنا ان نكون شجعانا ومستقلين وملتزمين نظرة واقعية حتى وان كان ذلك مع ضرورة تفهّم الآخر.

* كيف لكتائبي سابق ان يصبح وزيرا حاليا ممثلا للقوات؟

ـ قلت مرارا ان القوات هي ابنة الكتائب.

* هل ترى في هذه الحكومة عودة للتوازن والشراكة الوطنية؟ وما هي مهمتها الاساسية في الفترة الفاصلة عن الانتخابات؟ ـ هذه حكومة تحضّر للانتخابات. انها حكومة وحدة وطنية وارادة جامعة. واجد فيها فعلا كل النيات الطيبة واتصرّف مع كل الوزراء من دون اي محاباة أو روح تصادمية وبالتالي فإنني اقدّر لهم مزاياهم وأعمل جاهدا على ابراز ما يجمع عوضا عن الركون الى ما يمكن تسميته المتراس السياسي. أنا رجل منفتح مع اصراري على ولائي الكامل والصافي لما اراه من مصلحة لبنان بكل مقتضيات الاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية بما في ذلك وجوب السعي دوما الى اظهار الحقيقة... الى جانب الانتخابات قررنا ان نؤسس في هذه الحكومة لعمل مستقبلي بعد عودة الجمهورية الى تقاليدها وبعد عودة الحكم الى مقاليده. فبعد سنوات من المنازعات وفراغ الجمهورية من مؤسساتها، نحن متعطشون للعودة بلبنان الى بريقه.

* هل ترى وقوع ازمة في اعداد القانون الانتخابي؟

ـ كلا، لقد أقررنا القانون. ونعمل على قدم وساق بالنسبة الى الاعلام والاعلان الانتخابيين. وسننجز القانون كما وعدنا المجلس النيابي أي ضمن المهل ودون تلكؤ.

* ماذا تقرأ في الطلب الذي تقدّم به عدد من نواب 14 آذار، الى رئيس الجمهورية يطالبونه بالمبادرة لتعديل الدستور بما يشترط إجماع اعضاء مجلس النواب لقبول التوطين؟

ـ انها خطوة سياسية أكثر منها قانونية. وتدل على ان التوطين مستبعد كيفما نظرنا اليه. انها بمثابة تصريح عن نيات دائمة لا يمكن الرجوع عنها. انها مجرّد تأكيد لالتزام تاريخي.

* ما الذي تخشاه في طرابلس؟ ـ نصيحتي الى القيمين على الوضع في طرابلس، اقول لهم انتم تلعبون بالنار. وعلى الدولة اللبنانية ان تقوم بما في وسعها للملمة السلاح فورا وذلك انطلاقا من اجماع وطني ومن اعلان احتفالي يصدر عن الحكومة ومجلس النواب يعطي بموجبه المسلّحون فترة مدروسة لنزع سلاحهم وتسليمه الى الجهات الرسمية حتى تستطيع الدولة عند انقضاء هذه المهلة القيام بدورها وواجبها، وهما فرض الامن على الجميع لما فيه قطع دابر الفوضى والتصدي للمضاعفات. كل ذلك يتم في موازاة المعالجة الانمائية.