احتدام الصراع بين رفاق «الثورة البرتقالية» يهدد بإطاحة نظام الرئيس الأوكراني

موسكو تراقب الاستعدادات للانتخابات الرئاسية في أوكرانيا

TT

تتسارع وتيرة الصراعات بين رفاق الامس من انصار «الثورة البرتقالية»، بما ينذر عمليا الرئيس الحالي فيكتور يوشينكو باحتمالات مواجهة مصير صديقه الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، بعد انشقاق «اميرة الثورة» يوليا تيموشينكو رئيسة الحكومة، وتهديد الرئيس الاوكراني بحل البرلمان. ويشير المراقبون في العاصمة الروسية الى ان انهيار الائتلاف الحاكم في اوكرانيا بعد انشقاق تيموشينكو وعلى ضوء تداعيات خلافها مع «رفيق الثورة» يهدد بتحول اوكرانيا الى السيناريو الذي ظهرت ملامحه في اعقاب اشتعال الحرب في القوقاز، وعلى نحو ينذر بامكان الاطاحة بنظام يوشينكو. وكان حزب «اوكرانيا وطننا» قد فشل في انتزاع قرار من مجلس الرادا (البرلمان الاوكراني) تأييدا لصديقه ميخائيل ساكاشفيلي، في نزاعه مع روسيا في القوقاز، بعد ان فشل نواب المجلس في اقرار اي من المشاريع الستة، التي تقدمت بها الكتل البرلمانية المختلفة حول تقديرها لابعاد النزاع. وقد تباينت هذه المشروعات في جوهرها، من التأييد لجورجيا والوقوف الى جوار حقها في وحدة اراضيها، وحتى ضرورة الاعتراف باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية، وادانة نظام ساكاشفيلي وتحميله مسؤولية اشعال الحرب في القوقاز. ومضى الصراع بين الكتل البرلمانية الى ما هو ابعد، ليشمل تحالف انصار «الثورة البرتقالية» الذي يمثله حزب «اوكرانيا وطننا» بزعامة الرئيس يوشينكو وتحالف يوليا تيموشينكو رئيسة الحكومة التي اتهمتها سكرتارية الرئيس الاوكراني بمغازلة موسكو، سعيا وراء تأييدها في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في اوكرانيا. كما كشفت المناقشات التي دارت حول اقرار مشروع قرار قانون سحب الثقة من الرئيس عن انفراط عقد تحالف انصار الثورة البرتقالية، حيث انضمت كتلة تيموشينكو الى ممثلي حزب الاقاليم بزعامة فيكتور يانوكوفيتش والحزب الشيوعي. ولم تتوقف تيموشينكو عند هذا الحد، بل انتزعت من البرلمان الاوكراني باغلبية ساحقة حق توسيع صلاحياتها كرئيسة للحكومة، بما في ذلك توقيع الاتفاقيات الدولية بدون موافقة مسبقة من جانب الرئيس. وكان رئيس مجلس الرادا ارسيني ياتسينيوك ممثل التحالف الموالي للرئيس يوشينكو، قد اضطر الى اعلان تخليه عن رئاسة الجلسة التي قال انها تبدو مكرسة لشق وحدة التحالف الحاكم، وهو ما لا يستطيع تحمل مسؤوليته ليعلن تخليه عن ادارة الجلسة التى استكمل رئاستها النائب الاول لرئيس البرلمان الاوكراني الكسندر لافرينوفيتش. وفي الوقت الذي اعلنت فيه حركة «اوكرانيا وطننا» عن الخروج من تحالفها مع تيموشينكو، اعلن يانوكوفيتش زعيم حزب الاقاليم عن استعداده للتحالف مع تيموشينكو، التي تظل تواجه الاتهامات بالخيانة العظمى من جانب انصار الرئيس يوشينكو. ولذا لم يكن غريبا ان يمتنع اعضاء الحكومة من حركة «اوكرانيا وطننا» عن حضور جلسة الحكومة الاوكرانية، التي عقدتها تيموشينكو في اعقاب الجلسة البرلمانية، ومنهم وزراء الخارجية والدفاع والتعليم والصحة والطوارئ. واصدر حزب «اوكرانيا وطننا» بيانا اشار فيه الى تشكيل ما وصفه بـ«الاغلبية الموالية للكرملين» في البرلمان، وان هذه الاغلبية التي تتكون من انصار تحالف يوليا تيموشينكو وحزب الاقاليم والشيوعيين «صوتت مع عدد من القوانين التي تستهدف الاطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، ونقل السلطة الى الاوليغارشيا البرلمانية المعادية لاوكرانيا»، على حد مفردات البيان. وجاء في نفس البيان «ان الاغلبية الجديدة بدأت في تنفيذ سيناريو خطير يستهدف زعزعة الاوضاع في البلاد بعد ان رفضت ادانة العدوان الروسي ضد جورجيا وتأييد وحدة اراضيها، فيما يبدو التحالف الجديد بين انصار تيموشينكو وحزب الاقاليم والشيوعيين، ليس فقط محاولة لدق اسفين بين اوكرانيا والعالم المتحضر، بل ايضا توفير المقدمات اللازمة للتطاول على وحدة الاراضي الاوكرانية»، في اشارة غير مباشرة الى ما يقال حول احقية روسيا التاريخية في شبه جزيرة القرم التي اهداها الزعيم السوفياتي الاسبق نيكيتا خروتشوف الى اوكرانيا في عام 1954. وردا على ما اشار اليه البيان حول ظهور «دكتاتورية رئيسة الحكومة المعادية لاوكرانيا»، قالت يوليا تيموشينكو ان البلاد تقف حقيقة امام دكتاتورية، لكنها وصفت هذه الدكتاتورية بـ«دكتاتورية الغباء». وهكذا اضحى الرئيس الاوكراني في عزلة داخلية في الوقت الذي يتسابق فيه الكثيرون من نجوم الساحة السياسية الاوكرانية الى اظهار موالاتهم لموسكو، التي ارغمت سياستها الخارجية الجميع في الساحتين الاقليمية والدولية على اعادة النظر ليس فقط في التكتيك، بل ايضا في الاستراتيجية، على حد قول صحيفة «ار بي كي» الروسية. واشارت الصحيفة الى ان الكرملين يبدو مدعوا الى الاستفادة من الموقف الراهن، ليس من خلال الاعتماد على قوة سياسية بعينها، بل من خلال انتزاع الالتزامات التي يصعب لاحقا التراجع عنها. ونقلت عن الكسي موخين رئيس مركز الاعلام السياسي في موسكو قوله، ان ما يجري اليوم في اوكرانيا يعيد الى الاذهان، والى حد كبير، ما جرى في جورجيا، في الوقت الذي تبدو فيه تيموشينكو اشبه برئيسة البرلمان الجورجي السابق نينو بورجانيدزه، التي انفصلت عن ساكاشفيلي على امل الفوز لاحقا بمنصب الرئيس في جورجيا.

وكانت تيموشينكو قد اتهمت يوشينكو بانه بدأ مبكرا حملته الانتخابية الرئاسية، مشيرة الى ان فرصه في الفوز بالغة الضآلة، وانها على استعداد لعدم الترشح لهذه الانتخابات. وعادت لتعلن رفضها لسياسة الرئيس الاوكراني، التي قالت انها تفضي الى جر اوكرانيا الى طريق الحرب، في اشارة الى امداد اوكرانيا لجورجيا بالمعدات والاسلحة ومنظومات الدفاع الجوي بأطقم اوكرانية، وتهديد يوشينكو بعدم السماح بعودة سفن الاسطول الروسي الى قواعدها في سيفاستوبول، وهو ما ترفضه تيموشينكو، في نفس الوقت الذي اكدت فيه تأييدها لموقف الاتحاد الاوروبي من هذه القضية. وتشير الشواهد الى تزايد احتمالات الاعلان عن انتخابات مبكرة في اوكرانيا، وهو ما يمكن تفاديه حسب تقدير الكثير من المراقبين، في حال تشكيل ائتلاف برلماني جديد تقدم فيه تيموشينكو على التحالف مع خصوم الامس من انصار «حزب الاقاليم» والشيوعيين وهو يعني ضمنا في حال تحقيقه الاطاحة بنظام يوشينكو، ما يصب عمليا في مصلحة الكرملين.