بسام مسالمة المحتجز 20 عاما في حظيرة أغنام بالخليل.. يرفض التأقلم مع الناس

الإسرائيليون طلبوا رعايته مع شقيقته نوال التي تعيش معه.. والسلطة ترفض

TT

لم يستطع الشاب بسام مسالمة، الذي احتجز مع شقيقته نوال لمدة 20 عاما، في حظيرة للأغنام، بدعوى إصابتهما بتخلف عقلي، ان يتقبل العيش في مكان آخر جديد. وظل بسام «هائجا»، حتى تمت اعادته الى حيث وجد عاريا، اول مرة، في مكان مظلم، وصف بانه لا يصلح للحياة الآدمية ولا حتى للحيوانات.

وقصة بسام ونوال، (في اواخر العشرينيات من العمر)، بدأت باقتحام الشرطة الفلسطينية، كهوفا وحظائر، في منطقة بيت عوا، جنوب الخليل، بحثا عن السلاح والمخدرات، فاذا بها تفاجأ بشابين عاريين، كما قال آنذاك، رمضان عوض، مدير شرطة الخليل، لـ«الشرق الاوسط»: «الشاب يقفز كأنه حيوان، كان شعره كثيفا جدا وكذلك شعر ذقنه، والفتاة تتحرك ببطء، وكانت مليئة ببثور جلدية، ورأيت الدود (النمل) يخرج من جسدها.. شيء لا يمكن تخيله، فقد تسّمرت في مكاني من هول ما رأيت.. دخلت ابحث عن مخدرات فوجدت بني ادمين، في حظيرة تحت الارض يبدو انها تستخدم ايضا في تربية الاغنام، كانت مظلمة ومقفلة بالسلاسل الحديدة، ويملأ ارضيتها الشعير».

اعتقلت الشرطة والد الشابين، ابراهيم مسالمة، وهو «امام مسجد»، ومن ثم اطلقت سراحه ليومين، كي يتسنى له تسليم ابنائه الى مؤسسات انسانية، على ان يعود للتحقيق. وبعد يوم تم إحضار الشابين فعلا الى جمعية الاحسان الخيرية في الخليل، التي تعنى بالمعاقين، اما الوالد فلم يسلم نفسه ثانية. وظل يدافع عن نفسه بقوله ان ابناءه لا يستطيعون التعامل مع الناس.

وتخطط شرطة الخليل لاعتقال ابراهيم مرة اخرى، كما قال عوض، الا ان الطبيعة الوعرة للمنطقة التي يسكنها الاب، وتسلح كثير من اهلها والذين يصفهم عوض بالمجرمين، وكونها تخضع فوق كل ذلك للسيطرة الاسرائيلية، يؤجل إقدام الشرطة على اعتقاله ثانية. وقال عوض، «انها منطقة مجرمين خارجين عن القانون وتخضع للسيطرة الاسرائيلية، عندما ذهبنا في المرة الاولى اصيب 3 من الشرطة، لقد اطلقوا علينا النار والحجارة وكل شيء». وتابع «ساعتقله مرة ومرتين كي يكون عبرة للآخرين».

ويبرر عوض الافراج عن والد الشابين بقوله «انه اعطي فرصة بعد ان كتب تعهدا على نفسه بتوفير مؤسسة صحية ترعى ولديه ومن ثم يعود، إلا انه لم يعد.. هرب». اما الشابان، فان احدهما، وهي نوال، تلاقي اهتماما ورعاية صحية، في جمعية الاحسان الخيرية بعد ان تقبلت البقاء هناك. بخلاف اخيها بسام، الذي رفض التأقلم وشكل خطورة على النزلاء كما اكد محمد مسك، امين سر الجمعية، الذي وصف لحظة وصول بسام بقوله «كان هائجا، لم يعجبه المكان، ويريد العودة الى غرفته التي تركها».

وبحسب مسك فان بسام «لا يستطيع الذهاب لقضاء حاجته، وعدواني، فشعرنا بالخطر على النزلاء الاخرين». ولذا قررت الجمعية ان تعيده من حيث اتى، واحتفظت بشقيقته. وقال مسك ان الوالد تعهد برعايته، ووضعه في سكن ملائم.

ولا يشعر قائد شرطة الخليل بالرضى لاعادة بسام الى والده. وقال «الاسرائيليون عرضوا علينا رعايتهما وانا رفضت بشدة». وردا على سؤال حول الجهة التي طلبت استلامهم من السلطة، قال عوض «الجيش الاسرائيلي طلب ذلك عبر التنسيق وكذلك بعض الوسطاء الذين يعملون في مؤسسات انسانية». ويؤكد عوض انه ابلغهم بأن السلطة قادرة على رعاية ابنائها اكثر من الاسرائيليين وان لديها المؤسسات التي تعنى بذلك.

وتعيش نوال مع 100 آخرين من اصحاب الإعاقات الذين يحتاجون الى رعاية على مدار الساعة. وقال مسك «هي لا تأتي على اي حركة خلال النهار لكننا نضطر لربطها في الليل اذ تتحول الى عدوانية، وهي مثل اخيها لا تذهب لقضاء حاجتها». ومن بين النزلاء 60 من الاطفال، بعضهم يعاني من حالات اعاقة شديدة. ويتوزع الاطفال والشباب على عدة طوابق وبعضهم تجده مقيدا طوال اليوم، فيما آخرون نائمون باستمرار. وتقدم لهم الجمعية التي تأسست عام 1983 ويصنفها الاسرائيليون على انها ارهابية، حسب مسك، الطعام والرعاية الصحية والعلاج الطبيعي والوظيفي. ويشكو مسك من ضعف الموارد المالية في العامين الاخيرين. ويقول «انه بسبب تصنيف اسرائيل للجمعية بانها تدعم الارهاب، توقف الدعم المالي الخارجي واصبحت المؤسسات العالمية والعربية، غير قادرة على تحويل الاموال للجمعية». ويحذر مسك من ان الجمعية ستقفل ابوابها مع نهاية رمضان، اذ ان السلطة الفلسطينية كذلك لم تدفع مبلغ 800 الف دولار، ترتب عليها منذ العام 2004، مقابل رعاية الجمعية لـ 60 نزيلا، ارسلتهم وزارة الشؤون الاجتماعية كحالات اجتماعية مسؤولة من السلطة. وتعتمد الجمعية الان على بعض مدخولاتها من العلاج الطبيعي، وبعض تبرعات اهل الخير في مدينة الخليل، إلا أن مسك قال انها لا تغطي 10% من مصاريف الجمعية البالغة حوالي 150 الف شيكل (41.5 الف دولار اميركي). وقال مسك «الوضع هنا مؤلم، ومعظم اهالي النزلاء هم فقراء، والموظفون لم يتلقوا رواتبهم منذ 3 شهور».