الدويقة.. المنطقة العشوائية الأبرز على خط حزام الفقر بالقاهرة

نصف مليون نسمة يعيشون في 850 فدانا

TT

تتصدر منطقة جبل الدويقة جنوب شرقي القاهرة صفحات الحوادث في الصحف المصرية بوصفها إحدى أكبر المناطق العشوائية في القاهرة. ومن وقت لآخر تستيقظ القاهرة على أخبار الانهيارات الصخرية التي تدمر عشش ومساكن البسطاء هناك، أو انهيار منزل على سكانه كما حدث قبل ثلاثة أيام، وتحديداً في الثالث من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، إذ انهار منزل في المنطقة خلف قتيلا وخمسة مصابين.

يحيط القاهرة الكبرى حزام من المناطق العشوائية يبلغ عددها حوالي 76 منطقة يسكنها أكثر من مليوني نسمة، وتظل الدويقة المنطقة الأبرز فيه. ففي الشمال تحتل العشوائيات عدة مناطق في شبرا الخيمة وعين شمس، وجنوباً تنتشر في منطقة دار السلام والبساتين وحلوان، بينما تتركز شرقاً في منشأة ناصر والدويقة، أما في وسط العاصمة فتمتد إلى منطقة الفسطاط وأسطبل عنتر وحكر أبو دومه.

أغلب سكان منطقة الدويقة (نحو نصف مليون نسمة) يعملون في جمع القمامة وتربية الخنازير، ويعيشون على مساحة 850 فداناً بكثافة سكانية تصل إلى 500 شخص في الفدان الواحد.. أبناء المنطقة أعربوا في مناسبات عديدة عن قلقهم من تصدعات الجبل الرابض فوقهم، وقدموا عشرات الشكاوى إلى المؤسسات الحكومية وعلى رأسها مكتب النائب العام والجمعيات الحقوقية إثر حدوث انشقاقات وتصدعات مستمرة لجدران منازلهم، لكن يبدو أن يد القدر كانت أسرع من الاستجابة لمطالبهم، رغم السعي الحكومي البطيء إلى تطوير المنطقة كلياًً، حيث قامت السيدة سوزان مبارك بتوزيع وحدات سكنية بلغت ستة آلاف وحدة على سكان المنطقة منذ عام 1990 وحتى الآن ضمن «مشروع مساكن سوزان مبارك» الذي تبنته حرم الرئيس بمعونة إماراتية، في محاولة حكومية جادة لاقتحام واحدة من أكبر العشوائيات في القاهرة، حيث تدهور الظروف البيئية وقصور الخدمات وشبكات البنية التحتية. وفي الدويقة يمكن لأسرة مكونة من خمسة عشر شخصاً أن تعيش في شقة مساحتها 25 مترا تحت سفح الجبل. وبسبب إزالة عشرات المساكن في سبيل تطوير المنطقة التي توليها الحكومة عناية خاصة، فضلا عن عدم صلاحية الشقق للعيش فيها بسبب التصدعات والتشققات الأرضية، يعيش البعض هناك في شقق مشتركة تجمع عدة أسر في شقة واحدة.

تعد الدويقة إحدى مناطق الجذب التي يقبل على السكنى فيها المهاجرون من ريف مصر وصعيدها إلى العاصمة، بحثاً عن فرصة عمل مناسبة، أو هروبا من ظروف لا تقل صعوبة وتعاسة هناك. رحلة الانتقال للقاهرة لا بد أن تمر عبر السكن في منطقة عشوائية حيث السكن الرخيص وبدء رحلة كفاح قد تنتهي بالصعود إلى عوالم الوجود الحقيقي في القاهرة، كما يظن مغامرو تلك الرحلة، عبر الانتقال إلى منطقة «لا عشوائية» مستخدمين ذلك التعبير القاهري المدهش «نقب فوق وش الأرض»، أو الموت بدلا من ذلك تحت أنقاض منزل مهدم أو صخرة هاربة من حضن الجبل، أو حتى بلدغة عقرب تسللت من صخور الجبل القاسي.

يحيا سكان الدويقة تحت الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة رغم السعي لتطوير المنطقة، حيث يعيش ما يقرب من 77% من سكانها بدخل شهري يتراوح ما بين الـ20 إلى مائة دولار. وهناك 53% من سكانها أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، و17% يقرأ ويكتب، و2% بالتعليم الأساسي والثانوي، و4% جامعيون. وعن توزيع السكان بحسب المهنة تشير الإحصاءات إلى أن 21%‏ يعملون بالأعمال الحرة، و‏31%‏ أعمال إدارية وخدمات، و‏34%‏ حرفيون، و‏8%‏ منهم سائقون و‏6%‏ جامعو قمامة.

ومنذ بداية مشروع الإسكان تكيف سكان الدويقة مع اهتزازات الجبل الجاثم فوق أسقف عششهم وغرفهم الصغيرة، والتي تحدث نتيجة عمليات الحفر والبناء في المنطقة، لكن يبدو أن هذه المرة لم يف الجبل بوعده في التوقف عند حد الاهتزاز فقط، وإنما تعداه ليلقي بصخوره الضخمة على ضحايا كان كل ما يأملونه من هذه الدنيا، مسكنا مناسبا ربما يدفعهم للاستمرار في الحياة، والتشبث بغريزة البقاء للحصول على أشياء أخرى كثيرة كانوا أيضا في حاجة إليها.