الجفري لـ «الشرق الأوسط»: اللعب على التوازنات باسم الدين في اليمن يحرق الجميع

زعيم رابطة أبناء اليمن: التكفير أخطر من التفجير.. ولا بد من التعامل بجدية مع قضايا الجنوب

TT

حذر زعيم رابطة أبناء اليمن، عبد الرحمن علي الجفري، من خطورة التهوين مما يجري في جنوب اليمن، داعيا السلطات إلى التعاطي مع هذا الأمر بجدية بإزالة المظالم والاستجابة للمطالب المشروعة.

وقال في حوار أجرته «الشرق الاوسط» معه في منزله بصنعاء إن الحراك الجنوبي أمر مشروع لرفع الظلم أو استعادة حقوق أو لتحقيق رؤى سياسية. ونصح الحكومة بعدم استخدام السلاح ضد الحراك السلمي لأن هذا سيجعل الناس يحملون السلاح، مؤكدا أن حزب الرابطة ليس مع حمل السلاح في وجه الدولة، وقال إن مفهوم المعارضة لدى حزبه بأنها حكومة الظل التي تنتقد بلا حدة ولا شخصنة وتشجع وتثني على كل عمل أيجابي. كما تناول الحوار العديد من القضايا والملفات الساخنة من تداعيات الحرب في صعدة إلى المحيط الى ظاهرة التطرف، والى نص الحوار: > ما هي قراءة عبد الرحمن الجفري للمشهد السياسي اليمني ؟ ـ المشهد السياسي اليمني يسير في خطين متوازيين ونأمل أن يكون الخط اليمين هو الذي يسود. فإن أحسنا، فهناك خط على اليمين وهو الاتجاه نحو إصلاحات حقيقية عميقة وشاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتعالج قضايا التطرف وقضايا الثأر وقضايا المرأة..الخ، في هذه الحالة سيكون المشهد السياسي مشهدا مبشرا بمستقبل زاهر لا شك في ذلك لأن اليمن كبلد وكشعب وكتاريخ وكموقع يملك المؤهلات ويملك العوامل الايجابية للتطور والنماء، ويبقى دورنا كسياسيين، سواء كنا في منظومة الحكم أو في منظومة المعارضة أو بالأصح منظومة رصيف المعارضة، لأنه في الحقيقة لا توجد معارضة حتى الآن فكلنا على الرصيف مثلما الدولة على رصيف الدولة أيضا، فعندما تدخل الدولة مبنى الدولة سندخل مبنى المعارضة. إن أحسنا التصرف وابتعدنا عن «المكايدات» و«المماحكات» واتجهنا بطريقة عقلانية لنقيم الإصلاحات الشاملة المحققة للمواطنة السوية التي تؤهل اليمن للتعامل محليا وإقليميا ودوليا، فهذا مستقبل لا شك سيكون مستقبلا لم يشهد اليمن مثيلا له في تاريخه الحديث والمعاصر. أما الخط الثاني وهو خط الشِّمال والعياذ بالله من هذا الخط، خط المشأمة.. وهو أن نستمر في المماحكات والمكايدات وفي لعبة التوازنات وفي لعبة الاستغراق في علاج القضايا الفرعية وافتعال خلافات حول اقتسام أدوات المسرح السياسي، مثل لجان الانتخابات والقضايا الإجرائية الفرعية لقانون الانتخابات، بينما تظل كل أسس بناء المسرح السياسي والاقتصادي والاجتماعي..الخ وآليات تنفيذ البناء، مثل نظام الانتخابات ونظام الحكم ونظام الدولة واستقلال القضاء والإعلام والخدمة المدنية، تظل كلها بعيدا عن التناول الجاد وبالتالي ننتهي إلى حملة انتخابية يملؤها الصراخ وأصوات المطاحن ولا طحين!! فيُعاد إنتاج أسوأ ما في المشهد بتقاسم جديد للدوائر الانتخابية وخلاف ذلك.. وتبقى كل القضايا الرئيسية والأزمات الملتهبة، سياسية واقتصادية ومعيشية واجتماعية وتطرف..الخ، فكل ما أستطيع أن أقوله في هذه الحالة إني أسأل الله رب العالمين أن يستر على بلادنا اليمن وأهلنا أهل اليمن.

لقد آن الأوان لأن نكف جميعاً، نحن أهل المنظومة السياسية، في رصيفي السلطة والمعارضة، عن تحويل الوقت إلى أداة للمساومات في مرحلة غاية في الدقة وتقتضي منا جميعاً أن نستغل كل لحظة من وقتنا لمنع انزلاق بلادنا إلى ما انزلقت إليه بلدان أخرى ولنأخذ العبرة منها فهي ماثلة للعيان. > يقال إن حزب الرابطة إزاء علاقته بالسلطة يقع في منزلة بين المنزلتين فليس في السلطة ولا هو في المعارضة، ما ردكم ؟ ـ الذي مثلنا لا يقبل على نفسه أن يكون في منزلة بين المنزلتين.. منزلة لا الجنة ولا النار.. نريد أن نعرف بداية من الجنة، ومن النار ؟ نحن في الجنة أيا كانت، سواء كانت الجنة المعارضة أو السلطة، الجنة بمعناها الصحيح وليس الجنة بمعناها المصلحة وإنما بمعنى العمل الصادق لبلادنا ولمصالح شعبنا اليمني، وإن كانت المسألة مسألة مساومة فهي أسهل شيء، وأي سلطة في العالم وليس السلطة في اليمن وحدها بل حتى في أعمق الديمقراطيات وأعرقها ستفرح بمن يساومها أكثر من فرحها بمن يطرح قضايا بشكل موضوعي وبالتالي.. فهل يستطيع أي إنسان أن يشهد أننا نحن الذين نساوم!!؟ رغم أن المساومة أحيانا مطلوبة إن كان المقصود بها أن نتفق على حل وسط مع المحاور الذي أمامنا بما يحقق المصالح العليا العامة للوطن، وأيضا هذا لا يمنع أي حزب سياسي أن يبحث عن مصالحه الحزبية إن كانت تأتي من خلال المصالح العامة للوطن بلا تفريط، ويعلم كل من عرفنا أننا، في تاريخنا، لم نبحث عن مصالح حزبية خارج المصالح العامة للوطن أو متعارضة معها.

> يقال إنكم أقرب إلى الرئيس علي عبد الله صالح وإلى حزبه الحاكم، لماذا لم ينضم حزب الرابطة إلى التحالف الوطني الذي أعلن عنه مؤخرا ؟

ـ نحن في حزب الرابطة عندنا عقدة من «الضم»، فنخشى أن نختنق، فقد يعتبروننا مولودا.. والأم تمسك بهذا المولود وتضمه بقوة الحنان والخوف عليه إلى أن تخنقه.. ولا نريد أن نختنق، نحن فعلاً لا نضمر غلا ولا نضمر سوءاً إزاء الرئيس علي عبد الله صالح بل نحمل صادق المودة والتقدير له ولمن عرفنا من الزملاء الأفاضل في قيادة المؤتمر الشعبي، ولا أنكر أننا قلنا بوضوح إن خيارنا في الانتخابات الرئاسية السابقة هو انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح، والجميع يعلم وقد تأكد ذلك أن موقفنا هذا ليس لمصلحة ذاتية ولا لمصلحة حزبية ولكن نبع من اعتقاد أعلناه في ذلك الوقت وما زلنا معتقدين بهذا الاعتقاد، رغم اننا قد نختلف أحيانا والأخ الرئيس في بعض القضايا وهذا مشروع وهو نفسه يختلف بداخل المؤتمر الشعبي العام وهو حزبه وهذا شيئ طبيعي لكن ما زلنا نعتقد أنه إذا اتجه لقيادة البلاد في قضية الإصلاحات الشاملة فإنه الأسلم والأأمن ولا شك في هذا لكن في كل الأحوال لا بد أن ندرك جميعاً أن الإصلاحات أمر حتمي لسلامة بلادنا ونهضتها وليست أمراً اختيارياً، وقد ذكر الأخ الرئيس منذ فترة في لقاء عام عن «حتمية التغيير».. وأن «من لم يحلق لنفسه فسيحلقون له» لذلك نكرر أن الأسلم والأأمن أن نحلق «بموسانا» بدلاً من موسى أخرى قد تجرح وتدمي.

> أنتم صوتم على البرنامج الانتخابي للرئيس علي عبد الله صالح كيف تقيمون أداء حكومة الحزب الحاكم في ذلك وانتخاب المحافظين في المحافظات؟

ـ أولا نحن لم نصوت على برنامج معين إنما أيدنا أن يعاد انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح كرئيس لبلادنا ليقود عملية إصلاحات شاملة وكان هذا معروفا والرئيس قد رد التحية بمثلها في أول مهرجان انتخابي نحضره في عدن عندما أعلن بوضوح قائلاً : سنتجه إلى عملية إصلاحات شاملة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية وسنعالج جميع الاختلالات التي رافقت بناء دولة الوحدة منذ تأسيسها إلى اليوم.. هذا اعتبرناه رد تحية، البعض قال هذا كلام انتخابات وتمت الانتخابات وفي رمضان 1427هـ ـ التالي للانتخابات ـ أعلن عن انتخاب المحافظين من غير أن يتحدث عن كيف ستتم عملية الانتخابات إنما اكتفى بوضع المبدأ فأحدث شبه ضجة مضادة هنا في صنعاء من الموالين لحزب الرئيس بفهم مغلوط وهو أن انتخاب المحافظين سيجعل بعض المناطق تتقاتل على منصب المحافظ وهذا الكلام لم يكن صحيحا، قلت لهم يا إخوان حددوا لنا ما هي المناطق التي ستتقاتل من أجل ان نحيدها ويعين الرئيس لها محافظين وباقي المحافظات تزاول حقها في انتخاب محافظيها. وفي 12 ديسمبر (كانون الأول) من العام 2006 دعا الرئيس لاجتماع للمجالس المحلية لمحافظات الضالع وعدن ولحج وأبين واعتبر هذا تدشيناً لأعمال المجالس المحلية المنتخبة في الجمهورية.. وقال كلاما أدهشني وهو أنه «سيأتي عام 2010، وقد تحولت المجالس المحلية إلى حكومات محلية وستحال إليها جميع الصلاحيات من المركز ولن يبق في المركز سوى الصلاحيات السيادية».. اعتبرت هذا الأمر ثورة وأصدر حزبنا بيانا يؤيد هذا التوجه ثم اتصلت بالرئيس وقلت له: لقد قدت ثورة جديدة وهو أهم ما قلته في حياتك السياسية حول بناء الدولة.. ثم قال لي بمرارة : الإشكالية في بلادنا أن لا احد يلتقط شيئاً.. هل الموضوع موضوع توجه وليس للدعاية الانتخابية خاصة أن هذا قيل بعد الانتخابات بحوالي 3 أشهر؟؟ ثم الإشكالية التي واجهها الرئيس في حزبه هي أن هناك بعض الإخوان لهم حسابات أخرى قد تكون أحسن لهم من حساباتنا، لكن بهذا شكلوا صفاً من المخالفين لهذه التوجهات والمعارضين لها. ثم جاءت قضية صعدة وتصاعدت، وجاء الحراك في الجنوب وتصاعدت حركته.

أنا كسياسي عندما أحسب مثل هذه الأحداث قد أجد أنه سيصعب على رئيس دولة أن يعلن أو ينفذ قضايا يوجد مخالفون له فيها في حزبه بالمركز وفي ظل تصعيد في صعدة لقتال، وهناك في الجنوب حراك لم يعد أصحابه يقبلون بالأوضاع القائمة.. ومعنى هذا يجرد نفسه من كل الأسلحة.. هذا عذري له ورجائي أن يكون هذا هو السبب. الآن الفرصة سانحة، وصعدة هدأت ومن يخالفوه في المركز قد خفت حدة مخالفتهم.. وهو قادر الآن على إقناعهم.. إلخ، والحراك في الجنوب قد يكون الأكثر دعماً لإصلاحات جادة وعميقة.. والوقت قصير أمامنا كلنا.. وأن يترفع الأخ الرئيس عن أي خلافات مع أي حزب ولا يلتفت لها أو يصرف ما تبقى من وقت فيها.. بل يتجه إلى تنفيذ ما قاله وما اتفقنا عليه في رمضان الماضي اتفاقا نهائيا وان ينفذ إقرار قانون للحكم المحلي يشمل استيعاب كل ما قاله من أن لا يكون عام 2010 إلا وقد انتخبت الحكومات المحلية ثم يتجه إلى الأخذ بقانون القائمة النسبية للانتخابات وترك النظام الانتخابي القائم على تقاسم اللجان والدوائر الفردية.. فنظام القائمة النسبية للانتخابات هو الأسلم للبلد وأصلح للأخ الرئيس كرئيس للبلاد، وهو الأصلح على المدى البعيد لحزب المؤتمر الشعبي العام.. ولجميع الأحزاب.. والأصلح للوحدة لأنها ستجعل الإنسان في صعدة أو في المهرة أو في غيرهما ينتخب مرشحين من محافظات مختلفة لا يعرفهم وسيخلق بين الناس بدلا من التنافر نوعا من الخيط الوجداني.. فأنا عندما انتخب مرشحا من مناطق أخرى من غير منطقتي يترتب على هذا عامل وجداني يربطني بهذه المناطق ويعمق الوحدة.. كذلك سيتعود الناخب أن ينحاز لبرامج انتخابية أكثر من انحيازه لأشخاص.. ولن يذهب صوت أي ناخب هدراً بل جميع الأصوات سيكون لها ممثلون. كما ان الحكم المحلي كامل الصلاحيات يمنع أي غبن أو ظلم في أي منطقة وسيسمح للناس بالمشاركة في إدارة شؤونهم.. ثم أننا لن نحتاج إلى أن ندافع عن كلمة وحدة.. لان الناس سيجدون مصلحتهم في الوحدة من خلال الحكومات المحلية كإحدى آليات المواطنة السوية.. وتحدث ردود الفعل العكسية عندما يؤمل الناس في شيء ولا يتحقق ما كانوا يؤملون فيه. > ألا يعني ذلك أن الرابطة لم تكن مع انتخاب المحافظين بالطريقة التي تمت في مايو الماضي ؟

ـ قلت للإخوة في المؤتمر الشعبي العام إن كانت هذه خطوة أولى لتحقيق ما قاله الرئيس بأن يتحقق الحكم المحلي الكامل الصلاحيات في العام 2010 فتتحول المجالس المحلية إلى حكومات محلية بانتخاب مباشر من الناس بصلاحيات كاملة وبانتقال الصلاحيات كلها وتبقى في المركز الصلاحيات السيادية، فنحن مع هذا التوجه ونعتبر انتخاب المحافظين بهذه الطريقة المبتسرة خطوة أولى على الطريق الصحيح.. أما إذا كانت خطوة نهائية فنتحفَّظ عليها فهي مؤشر على تراجع غير محمود. والإشكالية أننا قد بُلِينا ليس كما يقال «بشيطان في التفاصيل» فهذا مقدور عليه.. لكن «شياطين التفصيل!!» للدساتير والقوانين والأنظمة نسأل الله أن يهديهم، فهم أكثر من يُضل أصحاب القرار ويزين لهم ما يصورونه مخارج وفي حقيقتها مآزق لهم وللبلد.

> كيف تنظرون إلى الحراك في المحافظات الجنوبية ؟ ـ أخشى ما أخشاه أن نستمر بالتهوين مما يجري في الجنوب ونفاجأ بأنفسنا في أزمة أخطر وأخطر، ولذلك يجب التعاطي مع هذا الأمر بجدية بإزالة المظالم واستجابة للمطالب المشروعة، ونعتقد بدراسة معمقة أن ما طرحناه في رؤيتنا ومشروعنا للإصلاحات الشاملة يمكن أن يحل جميع الإشكاليات في بلادنا فالمواطنة السوية، القائمة على: العدالة في توزيع الثروة والديمقراطية المحققة للتوازن في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين فئات الوطن ومناطقه والتنمية المتوازنة والمتوازية، يمكنها أن تستوعب كل الصراعات أكانت صراعات سياسية أو قبلية أو مذهبية أو من أي نوع .. إن الهروب من هذا هو الوقوع في فخ دوائر الأزمات.. فنخرج من أزمة ثم ندخل في أزمة أكبر. وأظن أن خبرة الأخ الرئيس الطويلة تمكنه من إدراك عميق لهذا الأمر.

> يجري التركيز على المحافظات الجنوبية وكأن المحافظات الشمالية تعيش في الفردوس، ماذا يعني هذا ؟

ـ أنا قلت إنه يجب استيعاب جميع أزمات اليمن سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو مذهبية، اليمن كله يعاني ولم يقل أحد الجنوب يعاني وحده، أنا أكرر منذ سنين إن هناك جروحا في الجنوب حديثة والجرح الحديث يكون طريا يؤلم ويسيل الدم منه أكثر، أما الجرح القديم يكون فيه المجروح قد تعود على الألم ولا يعني هذا أنه قد قبل بهذا الجرح أو أنه لا يشعر بالألم .. وفي هذا يجب أن نحذر مما قد يعتقده الناس من أن بعض المناطق بتحملها للجروح تقبل بهذا الألم، وبالتالي فإن ما نطرحه هو حل للوطن كله وليس لمنطقة بعينها.. وليس عيبا القول بوجود قضية جنوبية.. هناك قضية جنوبية وقضية في صنعاء وقضية صعدة وهي قضية موجودة وقضية في تعز واب وذمار والبيضاء ومأرب.. وفي إطار الجنوب هناك قضايا فرعية، إما على أساس فئوي أو جغرافي.. إذن هناك وجود لقضايا في إطار قضية جامعة.. ويجب أن نبتعد عن هذه العقدة من أن هذه القضية في الشمال وأخرى في الجنوب.

> ماذا عن مشروعية هذا الحراك؟

ـ المشروعية نسبية.. لكن مبدأ أن يتحرك إنسان سلميا، لرفع مظالم أو استعادة حق أو لتحقيق رؤى سياسية، فهذا حق مشروع، أما ما هي الرؤى فهنا قد نختلف، نحن في حزب الرابطة واضحون، نحن مع أي حراك سلمي لتحقيق مطالب مشروعة، نحن مع أي حراك سلمي في إطار الوحدة، نحن لا نقر انفصالاً وهذه أمور واضحة، ولذلك نحن قد لا يكون مرضيا عنا من بعض زملائنا وأهلنا في الجنوب ومن بعض المواقع التي يديرها بعض الإخوان الذين لا يتفقون معنا في استيعاب المرحلة الراهنة ونفضل من جانبنا أن نُهاجم على أن نُمدح باستغلالنا لعواطف الناس، الإنسان عندما يكون ثائراً عاطفيا لا شك انه يفرح أن تؤيده في هذا الظرف سواء كان صحيحا أم غير صحيح، وهو يتوقع منك أن تكون معه في هذا الموقف، لكن نقول لكم يا إخوان نحن نرفض أن نستغل عواطفكم ومعاناتكم ونرفض أن ندفع بكم في اتجاه لا نرى صوابه، وحتى لو افترضنا جدلاً أن الجنوب انفصل فهو إشكالية للجنوب وإشكالية للشمال، ولن يبقى الشمال شمالاً ولا الجنوب جنوباً وستسيل أنهار من الدماء. ولكن طالما يوجد حل لدينا لنزيل هذه الشكاوى والمظالم وتبقى بلادنا موحدة وتوجد لنا قيمة في العالم وفي المنطقة فذلك هو منطق الأمور. ونخشى، كالمعتاد، أن لا ندرك صحة المواقف الواعية ونضجها إلا بعد فوات الأوان. > شاركتم في حرب صيف 94 وأعلن الانفصال، كيف كنتم ستحكمون الجنوب ؟ ـ إقرأ تصريحاتي آنذاك.. وفي كل المرحلة كنت أقول لا انفصال عن الوطن، نحن ننفصل عن منظومة الحكم التي كانت موجودة في ذلك الوقت لنعيد الأمر على أسس صحيحة ويتم حوار لنصل إلى هذه الأسس . > هذا يعني أن الوحدة لم تتم كما يجب من وجهة نظركم؟

ـ ما أقوله اليوم قلته في 22 من مايو (أيار) من العام 90 نؤيد الوحدة كوحدة ونرحب بها ونحن معها، ولكن كان يجب أن تتم الوحدة بعد إقامة مصالحة ووحدة وطنية على مستوى الجنوب كما تم ذلك من خلال المؤتمر الشعبي على مستوى الشمال.. أمَّا وحدة حزبية.. أي «تحزيب» الوحدة فقد جانبه الصواب كإجراء.. فمن الذي وقع عليها غير الحزبين، المؤتمر الشعبي في الشمال، الذي ضم كل التيارات تقريباً، وفي الجنوب الحزب الاشتراكي ولم يُدْخِل أي مواطن جنوبي في الموضوع.. ذهبنا إلى عدن في 13 مارس (اذار) 1990 لنحاورالإخوة في نظام الجنوب لنقيم قبيل الوحدة مصالحة وطنية على مستوى الجنوب ونتجه جميعا للوحدة ولم نجد من يقبل بمصالحة وطنية أو حوار وكنا قد أعلنا هذا الكلام قبل ذلك في بيان في 1ديسمبر (كانون الاول) 89 بعد ساعات من إعلان عدن في الـ 30 من نوفمبر (تشرين الثاني) ثم أرسلنا برسالة للإخوان في عدن نؤيد تلك الخطوة وقلنا كما أقيم في الشمال المؤتمر الشعبي العام من كل الاتجاهات لماذا لا نقيم شيئا مماثلا يمثل الوحدة الوطنية ومصالحة وطنية على أسس ديمقراطية في الجنوب لا تستثني أحداً ثم نتوجه جميعا نحو الوحدة، ولكن كان للأخوة رأي مغاير.. ومع ذلك باركنا. > هل لكم دور في هذا الحراك ؟ ـ نحن نؤيد كل حراك سلمي بطرق مشروعة لتحقيق مطالب مشروعة أو لرفع مظالم.. كما اننا مع الحراك المشروع وفي إطار الوحدة وضد الانفصال وندين أي قتل من السلطة للناس خاصة ان الناس لم يكن معهم سلاح لأنه بهذه الطريقة سيندفع الناس إلى حمل السلاح فيكبر الشرخ.. وحتى لو ضربتهم السلطة وانتصرت عليهم فإن الشرخ سيكبر وقد لا يقوى أحد على علاجه. يجب على السلطة ألا تدفع الناس لأن يضطروا إلى حمل السلاح، نحن بشكل واضح ضد أي جهة ترفع السلاح في وجه السلطة كذلك لا يجوز للسلطة أن تستخدم القتل ضد المواطنين، فعند السلطة رصاص مطاطي وقنابل مسيلة للدموع، عندها رشاشات مياه لتفريق المتظاهرين، إذا كان هناك لزوم مشروع لتفريق أي مظاهرة وان لم يوجد لزوم فتترك المظاهرة تعبر عن نفسها. > يلاحظ أن حزب الرابطة محصور في نشاطه في المحافظات الجنوبية ؟

ـ أي متابع لا بد أن يلمس أننا لسنا محصورين في إطار المحافظات الجنوبية أو الشمالية فلو كانت سياستنا ان نكون في إطار المحافظات الجنوبية كان أسهل لنا ركوب الموجة، يمكن نكون أقدر من غيرنا، لكن نرى أن هذا عبث وهذا لعب بعواطف الناس واستغلال جهود آخرين وهذا قد يدفع بالبلد إلى هاوية. وللعلم فقد يكون عدد المنتسبين لنا في المحافظات الشمالية أكبر.

> حدث تطور جديد في صدام السلطة بـ«القاعدة» كيف تنظرون إلى هذا الأمر ؟ ـ هذا موضوع في غاية الخطورة يضاف إلى المخاطر الأخرى، ولكن خطورته من نوع آخر، قد تكون خطورته أعم وأعمق وأطول.. وابن خلدون في تحليله الاجتماعي في «المقدمة» يرى أن الإنسان العربي أكثر ما يندفع مضحيا في سبيله هو العقيدة.. وعندما تطغى مفاهيم التطرف تصبح مصيبة وكارثة مركبة، الإشكالية الكبرى اننا نلعب على التوازنات باسم الدين، ويجب أن نوقف هذا الأمر، جميعنا، فاللعب بالتوازنات باسم الدين يحرق الجميع. إن نهج السماحة والاعتدال الذي اشتهرت به بلادنا هو رأس مال اليمن اليوم للتعامل مع العالم دينيا. إن أي تهاون في التعامل مع التطرف باسم الدين، وهو غريب عن بلادنا وتاريخها وثقافتها، سيؤدي إلى كارثة لن يسلم منها أحد داخل اليمن من أقصاه إلى أقصاه، ولذلك أرجو، وفي اعتقادي إن هذا هو التوجه لدى الدولة، أن يكون هناك حسم في هذه الأمور والحسم ليس أمنياً فقط لكن الأهم الجانب الفكري للعلاج.. فأمراض التطرف لا يكفيها الحسم الأمني، فالمصدة الوحيدة التي تمنع تمويل الموجود بخلايا جديدة هو المصدة الفكرية من خلال الطرح السليم.. إذن لا بد أن نقيم هذا الأمر لمنع التمويل بالذخيرة البشرية، وأن نضع حدا لعملية فتح المجال للمعاهد أو للمدارس أو للدعاة في التكفير والتبديع.. فالتكفير كما قال شيخنا عمر بن حفيظ هو أخطر من التفجير.. فالتفجير يقتل عددا من الناس لكن التكفير هو الأداة والمبرر والآمر للسلاح وللتفجير، وهو الذي يحفز التفجير، هذا الشاب المسكين الذي فجر نفسه في سيئون وكانت ستحصل كارثة في حضرموت، كانت دار المصطفى ستنتهي في تريم وكانت اليمن ستفقد جماعة من خيرة علمائها في شِعب نبي الله هود.. فلمصلحة من هؤلاء الشباب المساكين الذين كانوا سيعملونها.. وبعضهم قتلوا معتقدين أنهم ذاهبون إلى الجنة.. من أوهمهم بهذا الوهم؟؟!! علينا أن نقفل هذا «الصنبور»، أن نمنع تدريس التعبئة بالتطرف والتكفير في بلادنا، وليس غريباً أن علماء السماحة والاعتدال الذين استهدفهم التطرف المضاد للدين في مراحل سابقة هم أنفسهم الذين يستهدفهم التطرف باسم الدين.. بل فعدد من الذين كانوا متطرفين ضد الدين تحولوا إلى متطرفين باسم الدين، وخصومهم هم نفس علماء الاعتدال والسماحة، فالتطرف في أي اتجاه هو عدو للاعتدال والسماحة. اليمن عاش في إطار المذهب الزيدي الهادوي والشافعي والاسماعيلي في حراز وقلة من الاحناف في تهامة واليهود في صنعاء وخمر وصعدة ومناطق أخرى.. ولم يعرف اليمن حروباً دينية أو مذهبية داخلية منذ دخول الإسلام اليمن.. بل حتى الحروب التي كانوا يسمونها في الجنوب حروبا زيدية هي حروب الحكام.. فكانت توسعا لسلطة الحكام وليس للمذهب الزيدي ـ كما كان شأن الحكام قبل الإسلام ـ فالمذهب الزيدي اختلافه مع الشوافع واختلاف المذهب الشافعي مع الزيدي كان اختلافا علميا راقيا مع بقاء المودة والاحترام ويتزاورون ويأخذون عن بعضهم العلم كل يأخذ عن الآخر العلم والإجازة، بدليل أن مناطق شافعية حكمها أئمة زيود لكنهم لم «يزيِّدوا» أحدا.. ما أريد أن ادلل عليه أن ذلك لم يوجد صراعا مذهبيا.. اليوم صراع ديني جديد وافد على اليمن فالتكفير وافد على اليمن.

> بماذا تعللون التطرف في محافظة حضرموت رغم أن أهلها يتسمون بالطابع المدني ؟ ـ لم يبدأ التطرف من حضرموت، فقد بدأت عملية التكفير من صعدة في معهد دماج، ويمكن انها التي استنفرت الزيدية بصعدة ثم انتقلت إلى صنعاء وتعز وعدن حيث نبشوا القبور وفي جعار وأبين وحطاط وجبل المراقشة وشبوة.. من أين جاء هؤلاء ؟ لكن الغريب ان أشخاصا من حضرموت من بيوت حضرمية لم تعرف إلا بالخير قبض عليهم أو قتلوا في حضرموت في الأحداث الأخيرة. > الآن وقفت الحرب في صعدة، كيف تنظرون إلى معالجة التداعيات وآثار تلك الحرب ؟ ـ أولا قرار الرئيس علي عبد الله صالح كان قرارا رائعا فعلا أثار إعجابي بجراءته وحسمه، وهذا ليس سهلا على أي رئيس دولة في مرحلة كهذه التي يمر بها اليمن. البعض يقول إن الجيش انهزم في الحرب ولو اتخذ الرئيس هذا القرار في ظل انهزام الجيش ـ المزعوم ـ لكان القرار أكثر وأعظم في الجرأة والحسم .. الرئيس لم يسلك المكابرة والعناد وانطلق من مصلحة الوطن.. لكن الحقيقة أنه من الصعب على مجموعة أن تهزم دولة.. قد تهزمها في معركة معينة ومحدودة، ولكنها في النهاية لا يمكن أن تنتصر . الإشكالية في صعدة يبدو أنها حُـلَّت بقرار الرئيس في ما يختص بالصراع بين الحوثي والدولة، لكن كما نعلم أن كثيرين انضموا إلى الحوثي وكثيرين قاموا مع الدولة وبعض هذه الفروع حول الطرفين كان لها مصلحة ونخشى أن مصالحها تتغلب عليها وتثير أو تستمر في هذه المشاكل.. ورغم اعتقادي أن الرئيس أكثر علماً وإدراكاً مني في هذه المسائل لكني انصح بأن يسارع في حل الإشكاليات الداخلية في صعدة ولا يسمح بتهييج الفتنة القبلية بين الناس وبتحويل هذه الحرب إلى ثارات في إطار أهل صعدة.. ويمكن حسمها بقرار واحد من رئيس الدولة بأن من قُـتِل هنا أو هناك فإن قتله ليس قتلا قبليا وإنما في قتال دولة مع مقاتلين ضد الدولة، أو سمهم ما شئت، ولم يقتلوا على أساس قبلي، وبالتالي فليمنع الثأر القبلي في هذه المسألة وبسرعة فإنه لو انفجرت المعارك في صعدة على أساس قبلي فلا تعتقد السلطة أنها ستكون بين الحوثي وغير الحوثي لكن قد تمتد وتكبر، فرأيي أنه لا بد من حسم هذه المسألة بسرعة داخل صعدة.. الناس مجروحة في صعدة، قرى مدمرة، وضحايا من النساء والأطفال من الطرفين، ولذلك فقرار الرئيس هو الحاسم ويستطيع أن يستعين ببعض العلماء من الزيدية والشافعية المعتدلين العقلاء البعيدين عن السياسة والمؤثرين ليقوموا بتوعية الناس بخطورة استمرار الفتن دينيا.. وأهل صعدة هم أهل دين فإذا نُـبِّهوا من ناحية دينية وأن هذا ذنب كبير لا يجوز الاستمرار فيه فسيكون لذلك أثر كبير. ما لم يتم ذلك فإنني أخشى أن لا تستعيد الدولة سيطرتها على مديريات صعدة ويدخل أهل صعدة دوامة الثأر.. وبعد أن يبلغ بهم الجهد والتعب مبلغهما ويصبحون مهيأين لقبول أي ساعٍ ٍ للصلح، فيأتي غير الدولة، في مرحلة لاحقة، فيصلح بينهم ويصبح المتنفذ فيها. > حدثنا عن التنسيق الأمني بين السعودية واليمن في الحرب على الارهاب. ـ التنسيق الأمني بين البلدين الشقيقين قائم.. ويبدو أنه يمر بأقوى مراحله، فما يجمعهما من مصالح وما يُنتظر أن يجمعهما من مصالح وتطوير للعلاقات على كل المستويات يستلزم متانة التنسيق الأمني. وما أعتقده أنه من الأهمية بمكان تطوير العلاقات الاقتصادية سواء بين المؤسسات الرسمية في البلدين أو بين المؤسسات الخاصة بغرض إقامة شبكة من المصالح المشتركة على المستوى الرسمي والقطاع الخاص.

1