ليبيا وواشنطن حققتا تقدما في علاقاتهما لكن الخلافات مازالت بادية

جدل حول سبب عدم مصافحة القذافي لوزيرة الخارجية الأميركية

TT

قال وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم إن اجتماع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الليلة قبل الماضية في طرابلس ناقش العلاقات الثنائية بين البلدين، مضيفا أن الطرفين عبرا عن الارتياح لما وصلت إليه هذه العلاقات في المجالات السياسية خاصة أن البلدين في حوار مستمر الآن حول كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك المتعلقة بالاستقرار والتنمية والمصالحة في أفريقيا وجهود القذافي الخاصة بالعلاقة بين تشاد والسودان وترسيخ السلام في تجمع دول الساحل والصحراء.

وأوضح شلقم أن الاجتماع تناول أيضاً التطور في التعاون الاقتصادي بين البلدين في كافة المجالات خاصة النفطية منها، وكذلك التطور الكبير في التعاون في مجال التعليم بوجود آلاف الطلبة الليبيين الآن للدراسة في الولايات المتحدة. وأوضح شلقم أنه بحث مع رايس عدداً من القضايا الدولية المهمة منها موضوع العراق وفلسطين والعلاقات الأميركية ـ السورية والوضع في لبنان والتطورات الإقليمية والتوتر في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية وأهمية وجود مخرج للأزمة الحالية بين طهران وواشنطن.

ومن جانبها، أعربت وزيرة الخارجية الأميركية رايس عن سعادتها لزيارة ليبيا أول من أمس، وقالت إنها كانت تتمنى أن تقوم بهذه الزيارة منذ سنوات لما تمثله ليبيا من قيم تاريخية وإسهام في التاريخ والحضارة الإنسانية. ودافعت رايس عن دوافع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش للتقارب مع نظام القذافي في ليبيا، معتبرة أن تقارب واشنطن مع ليبيا، التي تتمتع بعضوية منظمة «أوبك»، له دوافع أكثر من مجرد حاجة بلادها للنفط. ووصفت زيارتها لطرابلس التي تعد الأولى من نوعها منذ 55 عاما بقولها: «إنها (الزيارة) مُفيدة، وتنطوي على احتمالات أوسع بكثير من مجرد الطاقة».

ويشار إلى أن اجتماع القذافي مع رايس لم يعقد كما كان متوقعا في الخيمة البدوية الشهيرة للزعيم الليبي، وإنما عقد في مجمع إداري تابع لثكنة باب العزيزية في طرابلس، التي تعتبر المقر الرئيسي للعقيد القذافي. ولم تعط المصادر الليبية أي تفسير لتجاهل رايس دخول الخيمة التي عادة ما يفضلها الزعيم الليبي لعقد محادثاته مع ضيوفه من المسؤولين العرب والأجانب.

وكان لافتاً أن القذافي لم يصافح رايس واكتفى بوضع يده على صدره قبل أن يرشدها إلى مقعدها ويسألها عن أحوالها فترد «شكرا أنا بخير»، قبل أن يعود ليسأل عن أخبار الأعاصير في الولايات المتحدة فترد رايس مطمئنة بان الإعصار الأول جاء أخف وطأة مما كان يعتقد، فيما البلاد تحبس أنفاسها لإعصارين قادمين.

وفي التفسير الليبي لعدم المصافحة، تقول مصادر ليبية وأميركية إنه تم مسبقا الاتفاق بين من تولوا التحضير للقاء على تجنب المصافحة والتلامس بالأيدي على اعتبار أن القذافي المسلم صائم في نهار رمضان. لكن هذا التفسير يتعارض مع حقيقة أن رايس التقت القذافي ليلا بعدما تناولت طعامها مع نظيرها الليبي عبد الرحمن شلقم على مائدة إفطار في مقر وزارة الخارجية. وخلافا لما أشيع بأن رايس كانت ضيفة القذافي على إفطار رمضان فان مصادر أميركية مرافقة لرايس قالت لـ«الشرق الأوسط»: «هي تناولت الطعام على مائدة الإفطار الرمضانية مع شلقم وليس مع القذافي باعتبار أن هذا هو أيضا وقت غدائها».

كذلك قال مسؤول أميركي غير رسمي إن رايس تجنبت مصافحة القذافي عن عمد وإن الأخير كان يعلم مسبقا عبر رجال البروتوكول أنها لن تمد يدها لمصافحته على اعتبار أن رايس لا تريد أن تمنح المنتقدين لتطبيع العلاقات الليبية ـ الأميركية ولزيارتها إلى ليبيا الفرصة لتوجيه مزيد من الانتقادات إليها. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم تعريفه: «هناك مثل أميركي يقول عليك أن تبقيه على مقربة من ذراعك، أي لا تحتضنه، وهذا بالضبط ما فعلته رايس، يعتقد بعض الأميركيين أن يد القذافي مازالت ملطخة بدماء بعض الرعايا الأميركيين في حادثة لوكربي وغيرها وهذه مسألة لا يمكن غفرانها في الضمير الأميركي».

ورغم الطابع البالغ الرمزية للزيارة التاريخية لرايس، فان الخلافات بين طرابلس وواشنطن كانت ظاهرة. فقد جدد القذافي معارضته للقيادة العسكرية الاميركية في أفريقيا (أفريكوم) التي تسعى واشنطن لاقامتها في القارة الافريقية بهدف تكثيف مكافحة الارهاب، كما يقول الاميركيون.

وقالت وكالة الانباء الليبية ان القذافي «حذر من اي وجود عسكري اميركي مباشر في القارة»، واكد «ان الأفارقة سينظرون إلى هذا الوجود العسكري الأميركي، بأنه استعمار وسيرفضونه».

وحين تم التطرق الى ملف حقوق الانسان الحساس خلال مؤتمر صحافي مع رايس، قال وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم: «نرفض أن يمارس علينا اي احد ضغوطا أو يعطينا درسا في ما يتعلق بحقوق مواطنينا». واضاف لدى سؤاله عن المعارض الليبي فتحي الجهمي، 66 عاما، الذي يعيش اخوه منفيا في الولايات المتحدة: «اننا في ليبيا أحرص على مواطنينا ولدينا الشجاعة والشفافية في أن نقيم أنفسنا ونمارس النقد الذاتي أمام شعبنا، ولكننا نرفض أن يمارس علينا أي أحد ضغوطا أو يعطينا درسا في ما يتعلق بحقوق مواطنينا».

من جهته، توقع محمد الجهمي شقيق الناشط الليبي فتحي الجهمي المعتقل منذ سنوات فى ليبيا بسبب انتقاداته لنظام القذافي، أن تكون رايس قد ناقشت ملف شقيقه مع السلطات الليبية. وقال الجهمي من مقر إقامته في مدينة بوسطن الأميركية، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «حسب التقارير الصحافية فان رايس عبرت عن رغبتها في قيام العقيد القذافي بإطلاق سراح فتحي الجهمي ووقف الاضطهاد الذي يتعرض له».

وسعت رايس من خلال زيارتها لليبيا الى تكريس نجاح دبلوماسي لادارة الرئيس الاميركي جورج بوش في حين رأت فيها ليبيا تكريسا نهائيا لعودتها الى الساحة الدولية. وعلق مراقب غربي: «ليبيا لا تريد ان تعطي الانطباع بانها ترتمي في احضان واشنطن»، مضيفا انها «من خلال التلويح بعقود النفط تدفع الولايات المتحدة الى القدوم اليها».

واكد شكري غانم رئيس الشركة الوطنية للنفط في ليبيا ان النفط سيكون في صلب الاتصالات الليبية ـ الاميركية واعدا بزيادة الصادرات الى الولايات المتحدة بالتوازي مع زيادة الانتاج. وقال «ان دور النفط كان هاما منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي حيث كان السوق الاهم والاول للنفط الليبي هو السوق الاميركي لان النفط الليبي من النوع الخفيف والان بعد رفع الحظر بدأت كميات متزايدة تأخذ طريقها الى اميركا وسوف تزداد هذه الكميات».

واكد احمد الفيتوري امين شؤون الاميركيتين في الخارجية الليبية ان البلدين يبدآن صفحة جديدة شرط ان تقوم العلاقات على اساس الاحترام المتبادل وان تتيح التحاور ندا للند. وردا على سؤال بشأن الغاء حفل توقيع اتفاق ثنائي حول التعليم، في آخر لحظة، اشار الفيتوري الى ان ذلك نجم عن «ضيق الوقت».