قادة «القاعدة» في العراق يتحولون من «مقاتلين شرسين» إلى مطاردين في أزقة فقيرة

التنظيم فقد 10 من أبرز قادته منذ يونيو.. من بينهم خاطف صحافية أميركية

TT

عندما ألقي القبض على الرجل، الذي كان يعرف بين العناصر المسلحة العراقية باسم «النمر»، خلال الشهر الماضي، فقد هذا الرجل الكثير من قوته. فأبو عثمان الذي أكسبته هجماته الشرسة ضد قوات الولايات المتحدة والمواطنين العراقيين في الفلوجة، شهرة واسعة وجعلته على رأس قائمة المطلوبين، قد أصبح يتنقل بين المخابئ في أحياء بغداد الفقيرة ويختبئ في النهار خوفا من التعرف عليه.

وفي نهاية المطاف، أبلغ عنه زميل سابق، أرشد السلطات المحلية إلى المنزل الذي كان ينام فيه عثمان. وفي 11 أغسطس (آب) ألقت القوات الأميركية القبض عليه. وبهدوء، انتهت مسيرة رجل كان يصفه مسؤولو البنتاغون بأنه خاطف الصحافية الأميركية جيل كارول، وهو أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق.

وعثمان الذي يعرف باسم عبد الله عاشور الشجيري، هو أحد أكبر المطلوبين الذين وقعوا في الأسر خلال العمليات التي تهدف للقبض على العناصر المسلحة التي تنشط في ليل بغداد وأنحاء متفرقة من العراق. وقد أثنى المسؤولون في المخابرات ووزارة الدفاع الأميركية على هذه العمليات، حيث ضمت فرقا مؤلفة من القوات الخاصة وضباط المخابرات تسمى الخلايا المشتركة، التي ألقت القبض على المئات من المشتبه فيهم ومعاونيهم في الأشهر القليلة الماضية.

وقد عبر مسؤولون في وزارة الدفاع عن أن عمليات قوات الخلايا المشتركة كانت فعالة ضد «القاعدة» في العراق، حيث فقدت 10 من القادة الكبار منذ يونيو (حزيران) في بغداد وحدها، بمن فيهم عثمان.

وقد أفاد المسؤولون بأن من شأن مساعدة جهود الولايات المتحدة أن تزيد من كراهية «القاعدة» بين العراقيين، الذين يبلغون عن الملاذات الآمنة لعناصرها بمجرد ظهورها ومعرفتها. ويتم نقل المعلومات الأخيرة لفرق التدخل السريع التي تتحرك بسرعة تجاه الأهداف المطلوبة، والتي تكون متعددة في الليلة الواحدة. ويقول أحد مسؤولي الدفاع في الولايات المتحدة، ممن على اطلاع بعمليات مكافحة الإرهاب: «لا يستطيعون الاختفاء طوال الوقت. ولم تعد لهم ملاذات آمنة».

ويتم تنسيق الغارات السريعة بمعرفة قوات المهام المشتركة، وهي فريق عسكري يتضمن محترفين من المخابرات والقضاء ومحللين سياسيين وخبراء في الخرائط ومتخصصين في الكومبيوتر يقومون بقيادة الطائرات بدون طيار وقوات العمليات الخاصة. وبعد عقود من المنافسة بين الوكالات، التي كانت تعوق جهود مكافحة الإرهاب، فإن قوات المهام تحرز نجاحات جديدة في العراق، حيث مزجت بين الجهود العسكرية والاستخباراتية لتسريع مهام مكافحة الإرهاب. وقد أفاد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايكل مولين، في مقابلة أخيرة أن هذه القوات تقدم معلومات استخباراتية تسهم في القبض على نحو 10 إلى 20 من المسلحين في الليلة الواحدة في العراق.

ويقول مولين: «إننا نعيش في عالم تتلاشى فيه الأهداف سريعا. ولا آبه إن كانت على الأرض أم في السماء أم في البحر، وعلينا أن نتحرك سريعا».

وقد ساعدت هذه القوات على جمع وتحليل المعلومات ليس عن «القاعدة» والجماعات السنية فقط، بل عن العناصر الشيعية والمقاتلين الأجانب، حسبما أفاد المسؤولون في الجيش الأميركي. ويوجد مقر قوات المهام المشتركة في قاعدة بلد الجوية، التي كانت تستخدم لطائرات صدام حسين وتقع على بعد 45 ميلا إلى الشمال من بغداد. ويوجد بها خبراء الكومبيوتر ذوو الشعر الطويل، الذين يعملون مع وكالات المخابرات وضباط الجيش، حسبما يفيد المسؤولون الذين زاروا المقر أو عملوا فيه. وتوجد شاشات كومبيوتر ضخمة تتدلى من السقف وتعرض صور المسح الجوي من طائرات بريداتور وغيرها من طائرات التجسس. وتتضمن ميزانية إدارة بوش لعام 2009 نحو 1.3 مليار دولار لتمويل 28 طائرة بدون طيار، حسبما يفيد المسؤولون وسوف تذهب كلها إلى فرق الوكالات في العراق وأفغانستان وليس إلى القوات الجوية.

وبالنسبة لقوة المهام المشتركة، فإن وكالة المخابرات المركزية تقدم محللي المخابرات وطائرات التجسس بالمؤشرات والكاميرات التي يمكنها تتبع الأهداف والعربات والمعدات على مدار 14 ساعة متواصلة. ويتتبع مسؤولو وزارة المالية المبالغ المالية التي يتم تداولها بين المتشددين ويقوم الموظفون في وكالة الأمن القومي بتتبع المحادثات أو بيانات أجهزة الكومبيوتر، كما يقوم أعضاء في وكالة المخابرات الجغرافية القومية باستخدام معدات ذات تقنية عالية لتحديد أماكن استخدام المتشددين لأجهزة الهاتف أو الكومبيوتر الخاصة بهم. وتبقى قوات الخلايا المشتركة أحد الجوانب غير المعروفة تماما في عمليات الولايات المتحدة في العراق، حسبما يفيد المسؤولون الأميركيون، لكنها قامت بالعديد من عمليات الأسر. وفي شهر مارس (آذار) قام فريق تابع لقوات الخلايا المشتركة بالقبض على حاجي محمد شبل، وهو الذي تربط السلطات الأميركية بينه وبين سلسلة من الهجمات على القوات الأميركية والعراقية. ولجماعته الشيعية صلات بحرس الثورة الإيراني وحزب الله اللبناني. ويقول ديفيد كيكولن وهو خبير إرهاب ومستشار لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس: «إن قدرات عمليات القوات الخاصة التي توجد الآن لم توجد في غير هوليوود عام 2001».

وقد أفاد المسؤولون الأميركيون بأن البيانات التي يتم جمعها في غارات منتصف الليل، من خلال كاميرات يتم وضعها على الخوذات وتعمل على مسح الغرف والأفراد والوثائق ومدخلات الهواتف الجوالة وترسلها إلى مقرات القيادة ـ غالبا ما تقود إلى غارة ثالثة قبل الفجر. ويقول مولين: «بالنسبة لي، فإنها ليست حرب اليوم ولكنها حرب المستقبل. إنه التنسيق والتكامل هما اللذان كان لهما ذلك الأثر».

وقد أفاد مسؤولو وزارة الدفاع أن القبض على عثمان يعكس نجاح البرنامج كما يرسل رسالة قوية إلى أعضاء «القاعدة» الباقين الذين يحاصرهم الأعداء في كل مكان، حتى تلك الأماكن التي كانت تبدي تعاطفا معهم. وبينما يبقى تنظيم القاعدة في العراق قادرا على شن هجمات انتحارية إلا أن الشعب العراقي يسب قادته حسبما يفيد مسؤولون في وزارة الدفاع والاستخبارات الأميركية.

وقد أدى التقدم إلى تبديد القلق بين المحللين العسكريين حول إعادة جمع قوات «القاعدة» في العراق بعد خروج القوات الأميركية، حسبما أفادت مصادر البنتاغون والمخابرات. وقد بدا ذلك التحول في قيادة «القاعدة» في الحدود بين أفغانستان وباكستان، حيث بدأ أسامة بن لادن في إعادة توجيه حملاته الإعلامية لتركز على الصراع في أفغانستان بدلا من الفشل في العراق، حسبما أفاد المسؤولون. وبينما لا توجد غير أدلة محدودة على أن «القاعدة» تحاول نقل المقاتلين والموارد من العراق إلى أفغانستان، إلا أن الصراع في العراق لم يعد يجذب المتطوعين والتبرعات لـ«القاعدة»، كما كان يحدث منذ تسعة أشهر، حسبما أفاد المسؤولون. وقد انخفض معدل الهجمات إلى نحو 28 هجوما ومقتل 125 مدنيا في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، مقارنة بنحو 300 هجوم وأكثر من 1500 قتيل في عام 2007. ويقول أحد المحللين في مجال مكافحة الإرهاب، رفض الإفصاح عن هويته: «سوف يكون العراق هدفا دائما للقاعدة لكننا نعتقد أنه لن يكون الجبهة الأمامية مرة أخرى. فقدرتها على إحداث تغيير في العراق قد انهارت».

ويقول المسؤولون إن تدهور قوة تنظيم القاعدة في العراق يرجع إلى أسباب عدة. فقد ساعدت الزيادة في عدد القوات العام الماضي على استقرار بغداد وغيرها من المدن الرئيسة، مما سمح للقوات بتعقب عناصر «القاعدة» في أرجاء البلاد. وحتى قبل زيادة القوات، فقد كانت قوات الصحوة في الأنبار تحدث انقساما بين قادة العشائر ذوي الأقلية السنية وتنظيم القاعدة في العراق. ومنذ عام 2006 أفاد المسؤولون في وزارة الدفاع بأن هناك غضبا كبيرا يعتري السنة بسبب الهجمات الشرسة التي يشنها تنظيم القاعدة على المدنيين وإرغامهم على تطبيق الشريعة. وقد عارض القادة السنة استيلاء «القاعدة» على طرق التهريب والسوق السوداء التي كان يسيطر عليها القادة المحليون. ويقول المسؤول في وزارة الدفاع: «إننا لا نرى أن المجتمع السني سوف يرجع إلى القاعدة تحت أي ظرف».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»