الخرطوم تسعى للتوصل إلى اتفاقية مع واشنطن في عهد بوش.. وتخشى من الصقور الجدد

مسؤولون سودانيون توقعوا ألا تتحسن علاقات بلادهم بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية

TT

تدفع الانتخابات الرئاسية الأميركية، والتحقيق الذي تعتزم المحكمة الجنائية الدولية إجراءه للنظر في جرائم إبادة جماعية في السودان، المسؤولين السودانيين لتجديد محاولاتهم للوصول إلى اتفاقية مع الولايات المتحدة، لتطبيع العلاقات بين البلدين وتعزيز الاستقرار في منطقة دارفور. ويخشى الكثيرون في السودان من تدهور العلاقات الباردة بالفعل بين السودان والولايات المتحدة، بعد انتخاب رئيس جديد لها. وكان السيناتور جوزيف بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، قد دعا إلى التدخل العسكري الأميركي في دارفور، وهناك أعضاء آخرون في فريق السياسة الخارجية للمرشح الديمقراطي للرئاسة السيناتور باراك أوباما كانوا من الصقور في إدارة الرئيس بيل كلينتون، التي استهدفت الخرطوم بصواريخ كروز في عام 1998 بعد أن وصف نظام الحكم السوداني بأنه نظام يرعى الإرهاب. ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية علي الصادق: «نريد أن نتوصل إلى شيء مع إدارة الرئيس بوش قبل أن ترحل، تجاربنا مع الديمقراطيين كانت موجعة».

ويقول مسؤولون سودانيون إن التوقعات في حال فوز السيناتور جون ماكين، المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس، لا تبدو أفضل، فمستشار ماكين الرئيسي لشؤون القارة الأفريقية كان قد وصف القادة هناك بأنهم «قطّاع طرق»، وقال ماكين نفسه عن الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير إنه «كاذب». ومن المقرر أن يستأنف ريتشارد وليامسون، وهو المبعوث الأميركي للسودان، الذي أعاد فتح المحادثات الشهر الماضي، المفاوضات المباشرة في منتصف سبتمبر (أيلول)، حسبما قاله مسؤولون سودانيون. ويقول مسؤولون إنه يجرى النقاش في اتفاقية مقترحة من قبل الولايات المتحدة بعدم معارضة محاولة السودان تأجيل مذكرة توقيف ضد الرئيس البشير من المحكمة الجنائية الدولية. وفي المقابل، توافق الخرطوم على تنازلات، من بينها التسريع بتعبئة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ورفع مستوى التعاون في مجال محاربة الإرهاب، ورفع مستوى المساعدات الإنسانية لمنطقة دارفور. وكانت المفاوضات قد تعطلت خلال الصيف الحالي، بعد تجدد الاعتداءات في منطقة دارفور، وغضب المنظمات المناصرة لتلك المنطقة والديمقراطيين بسبب مقترحات إدارة بوش للتعامل مع السودان. قال المرشح الديمقراطي باراك أوباما في إبريل (نيسان): «تلك المبادرة الطائشة والمعيبة سوف تكون بمثابة مكافأة لنظام الحكم في الخرطوم، هذا النظام الذي له تاريخ في عدم الوفاء بالتزاماته».

بدأت التحركات لإجراء محادثات مجددا بين الطرفين في يوليو (تموز)، بعد أن أعلن المدعي بالمحكمة الجنائية الدولية أنه سوف يعمل على إصدار مذكرة توقيف ضد البشير، بسبب تهم بضلوعه في جرائم إبادة جماعية. ومن المتوقع أن يصدر القضاة بالمحكمة الجنائية حكما في ذلك الطلب خلال الأشهر المقبلة، ولكن بدأت الحكومة السودانية حملة قوية للضغط على مجلس الأمن، كي يستخدم سلطاته لتأجيل القضية، وتقول الحكومة السودانية إن مذكرة التوقيف ستعيق جهود السلام وستتسبب في زعزعة الاستقرار في السودان. ويرى جون برندرجاست، وهو مؤسس مجموعة «إنف بروجكت»، التي تدعو لاتخاذ موقف حيال جرائم الإبادة الجماعية، إن قضية المحكمة الجنائية الدولية عززت من وضع الولايات المتحدة في المفاوضات. وأضاف: «يعطي ذلك الولايات المتحدة نفوذا غير مسبوق، فالولايات المتحدة لديها الفرصة كي تقوم بشيء بناء في الأيام الأخيرة من الإدارة الحالية».

ولكن يتحرك المسؤولون في إدارة بوش في هذا الاتجاه بحذر شديد، خشية وقوع ضرر على حملة ماكين إذا ما كانت هناك معارضة لتحركاتها، ويقومون بدفع المسؤولين السودانيين كي يبدوا نوايا جريئة ويبرهنوا على التزامهم بالإصلاح حتى يمكن أن تحظى أية اتفاقية بقبول المواطن الأميركي والكونغرس. وهناك إيماءات متفاوتة من السودان، فخلال زيارته إلى منطقة دارفور في يوليو، أعلن البشير عن تشكيل لجنة رئاسية للتعامل مع مشاكل المنطقة، وقام بتعيين مدعٍ سوداني للتحقيق في مزاعم المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، ما زال من غير الواضح ما إذا كانت تلك الإجراءات سوف تثمر قبل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية قرارها بشأن مذكرة التوقيف أو قبل أن تحال القضية إلى الأمم المتحدة، وكلاهما من الممكن أن يكون في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، ومن البين أن كلا الطرفين لا يشعر بالثقة في الطرف الآخر. ويقول أندرو ناتسيوس، وهو مبعوث أميركي سابق للسودان، إن أي اتفاقية مع الخرطوم سوف تقابلها معارضة قوية داخل الولايات المتحدة، وليس من المتوقع الوصول إلى اتفاقية قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني). كما تتهم السودان أيضا الولايات المتحدة بالنكوص عن وعودها برفع العقوبات عنها، حتى بعدما وفت الخرطوم بما اُتفق عليه. ويقول نافع علي نافع، وهو مستشار بارز للرئيس السوداني يقود فريق التفاوض: «نحن مهتمون جدا بتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكن إذا كان الناس يعتقدون أننا مجبرون، فلن نقوم بذلك». من ناحية اخرى، كشفت مفوضية شمال السودان لنزع السلاح والتسريح وإعادة الادماج وهي ضمن مفوضيات كثيرة اقرها اتفاق السلام بين الشمال والجنوب الذي انهي الحرب في جنوب البلاد، أن السودان يضطلع الان بمهمة تسريح 350 ألف محارب من القوات المسلحة والجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان.

ووصف عبدالحفيظ محمد أحمد مدير إدارة السلام وأمن المجتمع بالمفوضية العملية بانها «أكبر عملية تسريح في أفريقيا»، وقال في تصريحات صحافية إن الحكومة السودانية تقوم بتوفيق أوضاع هؤلاء المسرحين في إطار برامج التسريح واعادة الادماج التي تهتم بفترة ما بعد الحرب وبناء السلام عبر نشر ثقافة السلام وبناء المصالحات ونزع الألغام. وقال إن أكبر نسبة المسرحين في أفريقيا كانت حوالي 135 ألف مسرح تمت في إثيوبيا. وأكد أن ادارته مهمتها تنزيل السلام السياسي في نيفاشا وأبوجا والقاهرة لأرض الواقع، وتنفيذ مشروعات صحة ومياه وتعليم للحيلولة دون وقوع النزاعات في المستقبل. وحذر المسؤول في المفوضية من تأثير الفاقة والحرمان والبطالة على السلام في السودان، داعيا الى توفيق أوضاع المحاربين بالتركيز على الأداء الاقتصادي للمسرحين وتقديم خدمات للمجتمع المضيف. وذكر أن المفوضية في سبيل استدامة السلام قامت بدعم عدد من الجمعيات الزراعية للمسرحين في القضارف وجنوب كردفان حيث أسهم المسرحون بزراعة 540 الف فدان.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»