القوة الجوية تحلق في سماء العراق مجددا.. لكن بعمليات محدودة

قوامها 1600 فرد و70 طائرة.. أنيطت بها مهام الاستطلاع ونقل الجنود

TT

كان أبو محمد يمشي مشية الخيلاء، وهو في مربض طائرات خارج مدينة كركوك شمال العراق، وسارع لمصافحته مهندسون شباب، أصغر من أن يتذكروا المعارك التي كانت تحدث بين المقاتلات العراقية والمقاتلات الإيرانية. ظل هذا الطيار لعدة أعوام مختبئا كسائق تاكسي، ويقول إنه شعور جيد بأن تعود إلى قيادة الطائرة مرة أخرى. ولكن لا يبدو أن تلك الطائرة التي تحتوي على محرك واحد، والتي يحلق بها، تمت بصلة إلى المقاتلات التي كان يقودها خلال الثمانينات من القرن الماضي، إبان الحرب مع إيران. تنهد الطيار وهو يقول: «كما لو كنت تركت سيارة سباق وركبت دراجة». بدأت القوات الجوية العراقية، التي سُوَّت بالتراب في عام 2003 عندما بدأ الغزو، الذي تقوده الولايات المتحدة، تظهر في سماء العراق مرة أخرى. وتقوم حاليا طائرات ومروحيات عراقية بعمليات استطلاع جوي وعمليات نقل للجنود والإمدادات، وأخيرا أتمت أول عملية إخلاء طبي. ولكن ما زال العراق يحتاج إلى أعوام قبل أن يكون لديه العدد الكافي من الطائرات والأفراد والبنية التحتية التي يحتاج إليها، كي يسيطر على مجاله الجوي بدلا من القوات التي تقودها الولايات المتحدة، حسبما يقوله ضباط أميركيون وعراقيون. وحتى يتم ذلك، فستكون في حاجة إلى العون الأميركي لضمان أمن العراق. عندما بدأ الغزو في شهر مارس (آذار) عام 2003، دُفنت الطائرات العسكرية العراقية في الرمال، وشُرد أفراد القوات الجوية، بعد أن قامت السلطات الأميركية في العراق بحل الجيش العراقي، ولم تتم إعادة تأهيل تلك الطائرات مرة أخرى. وفي الوقت الذي يواجه فيه العراق تمردا مستمرا، فبمجرد أن يدخل المرء موقعا للقيادة الأميركية يرى كيف أصبحت القوة الجوية أمرا مهما بالنسبة للعراق، حيث تقوم المروحيات والطائرات الأميركية بنقل الجنود والإمدادات والمصابين عبر مسافات كبيرة، لتجنب الطرق التي تنتشر فيها المتفجرات. وتقوم طائرات من دون طيار بتعقب تحركات المتمردين، وتستخدم الطائرات المقاتلة لمهاجمة المجموعات المسلحة التي تطلق قذائف الهاون ولإسقاط القذائف على المنازل المملوءة بالمتفجرات، من دون تعريض حياة الجنود للخطر. ويعد إكساب العراق قدرات مماثلة أمرا مكلفا للغاية، حسبما يقول العميد بالقوات الجوية الأميركية بروكس داش، وهو المسؤول عن تقديم الاستشارات للقوات الجوية العراقية الناشئة. كما سيتطلب ذلك وقتا طويلا، فعلى الرغم من أنه من الممكن تدريب الجندي خلال أربعة إلى خمسة أشهر، فإنه قد يحتاج من ثلاثة إلى خمسة أعوام كي يصبح طيارا متمرسا، وسبعة أعوام كي يتعلم كيف يقوم بصيانة طائرة على أعلى مستوى. كما يحتاج أفراد القوات الجوية إلى إجادة الإنجليزية، التي تعتمد الموجّهات الجوية في كافة أنحاء العالم. وتعد القوة الحالية شيئا بسيطا للغاية مقارنة بالقوة السابقة، حيث يبلغ قوامها أكثر قليلا من 1600 فرد و70 طائرة. ويقول الضابط بالقوات الجوية كمال بارزانجي، إنه كان مسؤولا عن جنود وطائرات تبلغ الضعف، عندما كان قائدا لإحدى القواعد إبان حكم صدام حسين. وقد صاغ ضباط أميركيون وعراقيون خطة لبناء قوات جوية تنعم بالاكتفاء الذاتي وتضم 350 طائرة و20000 فرد بحلول 2020، ولكن يتطلب ذلك من الحكومة العراقية أن تنفق نحو ملياري دولار سنويا. ويقول باش: «إنهم ينفقون نحو ربع هذا الرقم في الوقت الحالي». ولم تبلغ الجهود الأميركية من أجل إعادة بناء القوات الجوية العراقية، التي تعد الأقدم في منطقة الشرق الأوسط، نفس مستوى تلك التي تبذلها لدعم قوات الجيش والشرطة العراقية، فلم تكن الولايات المتحدة قد بدأت تدريب الطيارين العراقيين حتى سبتمبر (أيلول). ويتوقع الآن أن يرفع المدربون الأميركيون عدد أفراد القوات الجوية بمقدار الضعف بنهاية العام الحالي، وأن يرتفع بمقدار الضعف مرة أخرى خلال عام 2009. تبرعت الولايات المتحدة بنصف الطائرات والمروحيات التي تستخدم في الوقت الحالي، فيما قام العراق بشراء الباقي أو حصل عليه في صورة منح من جيرانه. ويتضمن الأسطول طائرات النقل «سي 130» ومروحيات «يو أتش ـ 1 هوي» و«مي ـ 17» وطائرات خفيفة مثبتة عليها كاميرات وأجهزة رادار للقيام بعمليات الاستطلاع. ولا تحتوي أي من تلك الطائرات على أسلحة، وتبدو الطائرات التي تكفي لاثنين، والتي تستخدم لتدريب الطيارين في كركوك كما لو كانت تتبع نادي طيران في إحدى الضواحي وليس قاعدة عسكرية. كان القادة الأميركيون يخشون من أن الميليشيات التي تسللت إلى الجيش يمكن أن تستخدم الطائرات المقاتلة ضد العراقيين، في الوقت الذي سقط فيه العراق فريسة للصراعات الأهلية خلال عام 2006. ومع تراجع نزيف الدم الطائفي في العراق، ستكون هناك بعض طائرات الاستطلاع العراقية مجهزة بصواريخ «هيل فاير» بداية العام المقبل. كما وعد رئيس الوزراء نوري المالكي بشراء 50 مروحية هجوم على الأقل، ولكن يشتكي قادة قواته الجوية من أن تحركات الحكومة بطيئة للغاية، ويريدون طائرات مقاتلة. ويقول مسؤولون بالبنتاغون إن المسؤولين العراقيين أعربوا عن رغبتهم في شراء 36 طائرة «إف 16». وفي نهاية أغسطس (آب)، طلب مسؤولون عراقيون من البنتاغون معلومات عن طائرات نفاثة مقاتلة، وينظر حاليا في هذا الطلب من قبل البنتاغون ووزارة الخارجية، حسبما يقول باتريك ريدر، وهو متحدث باسم القوات الجوية. وتعد الطائرات المقاتلة النفاثة الأغلى ثمنا والأكثر تعقيديا في الصيانة والأكثر صعوبة في الطيران. ويرى داش أن الحال سيكون أفضل إذا ما اشترى العراق طائرات من نوع متوسط يمكن استخدامها في بعض الألعاب الأكروباتية للمساعدة في إعداد جيل جديد من الطيارين، حيث أن معظم الطيارين المتمرسين في العراق في الأربعينات أو الخمسينات مما يعني أنهم سيكونون أكبر من أن يقودوا طائرات مقاتلة نفاثة. ولتحقيق سيادة على الأجواء، فإن العراق يحتاج إلى ما هو أكثر من الطائرات والطيارين، حيث يجب أن يكون قادرا على مراقبة مجاله الجوي وأن يحدد طريقة لإدارته، وسيتطلب ذلك تثبيت أجهزة رادار ونظم دفاع أرض ـ جو، وبناء أبراج مراقبة وتدريب مراقبين جويين. ويقول داش: «لدينا خطة يمكن من خلالها تنفيذ ذلك خلال 12 عاما قادمة، ولكن مرة أخرى، يجب عليهم أن يوفروا التمويل اللازم لتلك الخطة». وسيكون أيضا على العراق تحسين نظم اتصالاته، حيث يشير داش إلى أن ضباط القوات الجوية يعتمدون في الوقت الحالي على تسع أجهزة لاسلكية و150 هاتفا جوالا. وعلى الرغم من محدوديتها، تقوم القوات الجوية العراقية كل يوم تقريبا بمهمات، وبعد نحو خمسة أعوام ألِف فيها العراقيون المروحيات والطائرات النفاثة الأميركية في سماء بلادهم، تجدهم حاليا يشعرون بالإثارة ويلوحون للطائرات التي يرون على جانبها العلم العراقي. ويقول أبو محمد أنه كان عليه أن يتعلم كيفية التعامل مع جيل جديد من التقنية عندما التحق بسرب الطائرات بمدينة كركوك. بدأ أبو محمد يقود الطائرات خلال الحرب التي خاضها العراق ضد إيران في الثمانينات من القرن الماضي، تلك الحرب التي دمرت مهنته. وعندما وقع أخوه، الذي كان أيضا في جيش صدام حسين، في يد الإيرانيين، عُرض على أبو محمد زيارة أخيه في السجن، وعندما عثرت القوات العراقية على هذا العرض أودعته السجن. ولما بدأ الجيش الأميركي في تجنيد أفراد في القوات الجديدة، كان أبو محمد من أوائل من تقدموا للالتحاق بها، في الوقت الذي تردد فيه الكثير من الطيارين والفنيين ذوي الخبرة الآخرين، حيث يستهدف المسلحون العرب السنّة الطيارين العراقيين لتعاونهم مع الولايات المتحدة، ويستهدفهم المسلحون الشيعة لأن هؤلاء الطيارين شاركوا في الحرب ضد إيران الشيعية. ومع تحسن الوضع الأمني، بدأت القوات الجوية تجذب شبابا أصغر في السن، ومن بينهم علي، الذي يبلغ من العمر 27 عاما وهو خريج من كلية الهندسة تدرب كي يصبح طيارا في كركوك. يقول علي، الذي طلب أن يذكر اسمه الأول فقط: «بلدنا تنزف دما وإذا كان هناك الكثيرون، أعني الكثير من الأشرار، فإن هناك الكثيرين أيضا الذين يريدون أن يعيدوا بناء العراق، ولن ندعه يسقط مرة أخرى».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»