مصر: الجيش يزيل 8 منازل.. وتضارب في أعداد الضحايا واشتباكات بين الشرطة والأهالي

«الشرق الأوسط» تزور مكان حادث الدويقة وتتحدث مع عدد من المتضررين

رجال أمن ومواطنون يحاولون سحب جثة من تحت الأنقاض أمس (رويترز)
TT

بدأ المشهد مفزعا في موقع الانهيار الصخري في منطقة الدويقة الشعبية (شرق القاهرة).. رائحة الموت تزكم الأنوف، صرخات الأمهات الثكلى والزوجات الأرامل تملأ المكان، ما بين حين وآخر تسمع من يقول «الله أكبر» فتعرف أن رجال الإنقاذ نجحوا في إخراج شخص حي من تحت الأنقاض، أو تسمع من يردد «لا إله إلا الله» فتعرف أن جثة جديدة في طريقها للمشرحة لترقد بجوار مثيلاتها.

آلاف البشر موجودون في مكان الحادث بعضهم من رجال الإنقاذ والدفاع المدني الذين يصارعون الوقت والصعوبات البالغة التي تحيط بعملهم لاستخراج الضحايا، أحياء كانوا أم أمواتا، وأغلبهم من الأهالي المكلومين الذين ينتظرون أي إشارة تطمئنهم على ذويهم.

جهود الإنقاذ تسارعت وتيرتها منذ الليلة قبل الماضية .. وأجهزة القوات المسلحة تسيدت الموقف، حيث أزالت وحدات المهندسين العسكريين خطا للسكك الحديدية وثمانية منازل تقطنها 13 أسرة، كانت تعوق طريق المعدات الثقيلة التي ستساعد في رفع الصخور.

واستخدمت وحدات القوات المسلحة كل ما لديها من معدات ثقيلة لإزالة آثار الحادث.

وحتى عصر أمس سادت حالة من التضارب حول أعداد ضحايا الحادث، فبينما قدرت النيابة العامة العدد بـ31 قتيلا و79 مصابا، قدر المتحدث باسم مجلس الوزراء الدكتور مجدي راضي عدد القتلى بـ 31 قتيلا والمصابين بـ 48.

وحول هذا التضارب، علق راضي في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» قائلا «هذا التضارب سببه وجود حالات مصابين تم علاجهم وخرجوا من المستشفيات، والرقم الذي قلته في تصريحي (48 مصابا) هو العدد الفعلي الموجود حاليا في المستشفيات».

واما تقديرات أهالي المنطقة فتشير إلى وجود نحو 400 ـ 500 شخص تحت الأنقاض، وكان بعضهم يتصل بهاتفه الجوال من تحتها بأقاربه يستغيث بهم.

أجهزة الأمن فرضت طوقا أمنيا على موقع الحادث في يومه الثاني، ومنعت دخول الصحافيين والإعلاميين إلى المنطقة، بعد أن سمحت لهم بذلك في اليوم الأول، وبرر مصدر أمني هذا الإجراء بـ«إتاحة الفرصة لرجال الإنقاذ بالتركيز في عملهم».

ولم تمنع الظروف الصعبة التي تحيط بموقع الحادث من وقوع اشتباكات بين الشرطة وأهالي الضحايا الذين رفضوا محاولات الشرطة إبعادهم، وقذفوا الشرطة بالطوب والحجارة، وفي النهاية رضخت الشرطة لمطالبهم وتركتهم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

من جانبهم، أعرب عدد كبير من أهالي منطقة الدويقة عن غضبهم من بطء عمليات الإنقاذ، وقال أحمد فرغلي (عامل) «جهود الإنقاذ لم تنجح سوى في إخراج 32 جثة و46 مصابا من بين 500 من سكان المنطقة دفنوا تحت الحجارة، وذلك خلال يومين، وهذا يضعف فرص العثور على أحياء».

وأضاف «رجال الإنقاذ يستخدمون وسائل بدائية للغاية، وكلها يدوية، مثل المعاول والفؤوس، إضافة إلى الكلاب البوليسية المدربة على اقتفاء الآثار، بهذه الطريقة سنحتاج لعدة أعوام حتى نزيل الصخور».

ولم تكف «أم إبراهيم» سيدة بسيطة في الخمسينات من عمرها، ترتدي ثوبا اختفى لونه الأسود بسبب التراب المتناثر عليه، عن البكاء والنداء على ابنها وزوجته وحفيدها الذين لم تعلم عنهم شيئا حتى الآن، وكل ما تعرفه أن ابنها أخرجها من المنزل عندما سمع صوت الانهيار وعاد لإخراج زوجته وابنه، إلا أن الصخور وقعت فوق المنزل ليختفي المنزل بمن فيه.

ولعل من المفارقات التي تثير الدهشة أن وزير الاسكان السابق محمد إبراهيم سليمان هو النائب عن الدائرة التي تقع في نطاقها منطقة الدويقة. وشغل هذا المنصب 13 عاما الى ان اقيل في تغيير وزاري في عام 2005.

وأشارت تحقيقات أولية أجرتها فرق النيابة التي انتقلت لموقع الانهيار منذ أول من أمس إلى أن سبب الحادث يعود إلى تسريبات المياه من خطوط الصرف الصحي والعمل المتواصل لتشييد مبان جديدة فوق منحدرات صخرية غير صالحة للبناء عليها. وأمر المستشار عمرو قنديل المحامى العام لنيابات غرب القاهرة بالاستعلام من حي منشأة ناصر عما إذا كانت العقارات التي انهارت عليها الصخور قد صدرت بشأنها قرارات بالترخيص بالبناء من عدمه، وطلبت التحري عن ملاك تلك العقارات وعما إذا كانت قد صدرت قرارات إزالة إدارية للمساكن وإعداد تقرير بذلك.

كما طلبت النيابة من سلطات الأمن بسرعة إجراء تحرياتها حول الواقعة وكذلك التقارير الطبية الخاصة بالمصابين، الذين استجوبت النيابة أمس بعضا ممن سمحت حالتهم بذلك.

وعلى صعيد التعويضات، قرر الدكتور علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي صرف مبلغ خمسة آلاف جنيه لأسرة كل متوفي ومبلغ ألف جنيه لكل مصاب في الحادث، كما شكلت الوزارة لجنة لتقديم يد العون وإعداد الأبحاث الاجتماعية اللازمة وتقديم الاحتياجات لضحايا الحادث والتنسيق مع الجهات المعنية لتوحيد الجهود وتلبية كافة احتياجات الضحايا.

من جانبه، قال اللواء مختار الحملاوى نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من موقع الحادث إن جهود الإغاثة تطلبت إزالة خط للسكك الحديدية وأربعة منازل كانت تسد طريق الأوناش الثقيلة التي ستستخدم في رفع الصخور. وأشار إلى أنه تم اسكان 110 أسر من المتضررين في معسكر الفسطاط للإيواء العاجل، كما تم نصب خيام في مركز شباب منشية ناصر المجاور لموقع الحادث لإيواء الأسر المنكوبة.

وأوضح أن عدد المنازل المنهارة بفعل سقوط الصخور عليها يتراوح بين 30 ـ 40 منزلا، مشيرا إلى أن جهود الإنقاذ ورفع الأنقاض تتم ببطء حتى الآن حفاظا على أرواح الأحياء المحتمل وجودهم تحت الأنقاض.

وقال «من الصعب حصر عدد الأشخاص الذين مازالوا تحت الأنقاض، لأن المنطقة عشوائية ويقطنها عدد غير معروف من السكان، إلا أنه حتى الآن مازلنا ننجح في إنقاذ أحياء من تحت الأنقاض».

وعلى الصعيد الإنساني حاولت الجمعيات الخيرية لعب دور مؤثر في مساعدة الأهالي ورجال الإنقاذ حيث قدم مندوبو تلك الجمعيات وجبات الإفطار، وزجاجات المياه والعصائر للصائمين، لكن لا طعم لشيء ولا الحياة ذاتها لدى الذين فقدوا أحباءهم.