بعد تعرضها لسلسلة من الهجمات.. بلدة مسيحية تشكل ميليشيا لحماية سكانها

قائدها : إذا لم نحم أنفسنا فلا أحد سيدافع عنا

مسيحية تدخل كنيسة فيما يجلس اثنان من أعضاء القوة المسلحة المسيحية خارجها لحماية الكنيسة في بلدة تلسقف شمال العراق (أ.ف.ب)
TT

ينتشر على مداخل بلدة تلسقف ذات الغالبية المسيحية في شمال العراق رجال يحملون اسلحة رشاشة يفتشون السيارات في حين يؤكد قائدهم ابو ناطق ان «احدا لا يستطيع الدخول اليها» إلا اذا كان من ابنائها.

وشكل سكان تلسقف، التي تقطنها اقلية من العرب السنة ايضا، قوة لحمايتها اثر استهدافها بسيارتين مفخختين في مارس (اذار) وسبتمبر (ايلول) العام الماضي، وتخوفا من سيطرة المتطرفين الاسلاميين على الموصل المجاورة خلال السنوات الاخيرة.

وقد حفر اهاليها خندقا حولها لمنع دخول سيارات مفخخة تستهدف البلدة الواقعة على مسافة عشرين كلم شمال الموصل، كبرى مدن محافظة نينوى، حيث تعرض المسيحيون الى اعمال عنف مارستها جماعات متطرفة مسلحة.

ويقول ابو ناطق ان «الارهابيين يريدون قتلنا لاننا مسيحيون، فاذا لم نقم بحماية انفسنا فلا احد سيدافع عنا».

وتمخضت فكرة تشكيل قوات محلية للدفاع عن البلدات وحمايتها في مختلف مناطق العراق بعد تأسيس قوات «الصحوة» في محافظة الانبار (غرب) على يد ابناء العشائر العربية السنية لمحاربة تنظيم القاعدة منتصف العام 2006.

لكن المسيحيين الذين تسكن اعداد كبيرة منهم في شمال الموصل، وخصوصا سهل نينوى، لم يعتبروا ان هذا الامر ضروري قبل استهدافهم. وتعرض المسيحيون لهجمات عدة مطلع العام الحالي، فقد انفجرت سيارة مفخخة امام كنيسة القديس بولس للكلدان في شمال الموصل واخرى امام كنيسة السيدة العذراء للآشوريين في شرق المدينة ما ادى الى اصابة اربعة من المارة بجروح.

كما انفجرت قنبلة امام دير في الموصل الجديدة وقنبلتان قرب كنيسة «مسكنتا» للكلدان الكاثوليك في وسط المدينة من دون اصابات. وخطف مسلحون مطران الكلدان في الموصل بولس فرج رحو اواخر فبراير (شباط) في الموصل وعثر منتصف مارس (آذار) على جثته في منطقة نائية.

ويؤكد ابو ناطق ان «المتشددين طالبونا بدفع الجزية ليدعونا نعيش بامان». وقد اتبع عناصر «القاعدة» في العراق في الاعوام الماضية، اسلوب فرض الجزية على المسيحيين في مناطق معينة مقابل ضمان سلامتهم.

وبحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية فقد دفعت اعمال العنف عددا كبيرا من المسيحيين الى الانتقال الى اقليم كردستان العراق، بعيدا عن نينوى حيث فرضت التنظيمات السنية المتشددة سيطرتها خلال الاعوام الماضية.

ويقول ابو ناطق «نفضل التعاون مع اقليم كردستان وقوات البيشمركة» في اشارة الى القوات المسلحة الكردية. وتتولى قوات البيشمركة السيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية الى تلسقف والقسم الاكبر من المنطقة، وقدمت الدعم واسلحة الكلاشنيكوف للقوة التي تحمي البلدة.

وتتسلم هذه القوة، ويبلغ عديدها نحو مئتي رجل، راتبا شهريا قدره 200 دولار مقابل الدفاع عن البلدة التي يسكنها حوالي ثمانية الاف نسمة. ويؤكد ابو ناطق ان عناصر القوة لم يستخدموا سلاحهم حتى الان لان «البيشمركة تتولى مسؤولية الخطوط الامنية الاولى».

ويتولى المسلحون حماية اربعة مداخل عبر حواجز امنية ثابتة، وتسيير درويات داخلها خصوصا حول كنيسة القديس جورجيوس المرتبطة بتاريخ الكلدان. ودفع مقتل المطران رحو الى البحث عن مستقبل آمن للمسيحيين العراقيين الذين باتوا ضحية اعمال خطف وقتل وتفجيرات ضد كنائسهم. وكان المطران يدفع «الجزية» مثل آلاف المسيحيين الاخرين لكنه توقف عن ذلك قبل اختطافه.

ويقول هاني بطرس انه تخلى عن عمله في محطة وقود وسط الموصل منتقلا الى تلسقف، على غرار مسيحيين اخرين وصلوا من البصرة وبغداد وسامراء هربا من اعمال العنف. ويروي بطرس ان «الارهابيين أرغموني على دفع 200 او 300 دولار في كل مرة، كنت خائفا جدا على مصير ابنتي (12 عاما) عندما تذهب الى المدرسة» في تلك الفترة. بدوره، قال سليم جبو (46 عاما) الذي كان يدير متجرا لبيع المشروبات الروحية في البصرة ان «جيش المهدي الميليشيا الشيعية في البصرة اجبروني على غلق متجري العام 2006». وأكد جبو بينما كان يحرس مدخل كنيسة القديس جورجيوس «لا احب عملي هذا ولا احب السلاح لكني مرغم (...) يجب ان اعيش».

ووفقا لمصادر كنسية، يعيش في محافظة نينوى حوالى 750 الف مسيحي يمثل الكلدان سبعين بالمائة منهم، فيما يشكل السريان الارثودكس والكاثوليك والاشوريون الباقي.

لكن تقديرات اخرى تشير الى ان عدد المسيحيين الاجمالي في العراق كان اكثر من 800 الف نسمة قبل الاجتياح الاميركي في مارس (آذار) 2003، وانه تضاءل بشكل كبير بسبب الهجرة فيما نزح قسم كبير الى كردستان بعد ان تعرضوا لعمليات قتل وخطف وتهجير من جانب متطرفين اسلاميين شيعة وسنة.