المطرب الشعبي عبد الباسط حمودة أشهر سكان الدويقة المنكوبة

صاحب ألبوم «ضربة معلم» الذي يعبر عن حالة يأس وضياع

TT

تعج التركيبة السكانية للدويقة بمتناقضات المنطقة العشوائية، فهناك عشوائية في كل شيء بدءاً من تخطيط الشوارع واتساعها والمباني ونظامها. أما سكانها فهم عبارة عن فسيفساء متنوعة من البشر الذين جاءوا من كل حدب وصوب طمعاً في الحصول على مكان تحت الشمس في القاهرة، أتوا من الأقاليم من أجل التمتع بفرص أفضل في العمل والوضع الاجتماعي والاقتصادي، لكنهم يصطدمون بحاجز التهميش والانزواء الذي تعيشه عشوائيات القاهرة. هذا الخليط البشري تنتعش فيه الجريمة حيث لغة القوة والمال هي المسيطرة على مجريات الحياة هناك، فضلاً عن مستوى تعليمي وصحي متدنٍّ، إضافة إلى قصور خدماتي واضح. كل ذلك، يفرز في النهاية صورة قاتمة لمشكلة باتت تؤرق الحكومة صباحاً ومساء. لم تحظ الدويقة بأن يخرج منها رجل مثل أحمد زويل أو نجيب محفوظ أو محمود عباس العقاد أو عبد الوهاب المسيري، أو واحد من كوكبة المبدعين المصريين الذين أثروا الثقافة المصرية في العصر الحديث، لكن في المقابل، حظيت الدويقة بمطربها الشعبي المعروف عبد الباسط حمودة صاحب الألبوم الأكثر مبيعاً هذا الصيف، وهو البوم «ضربة معلم» الذي بيع منه عشرات آلاف من النسخ منذ صدوره، وضمنه الأغنية الأشهر «أنا مش عارفني» التي تصدرت الألبوم وتقول كلمتها «أنا مش عارفني.. أنا تهت مني.. أنا مش أنا... لا دي ملامحي.. ولا شكل شكلي.. ولا ده أنا.. أبص لروحي فجأة.. لقتني كبرت فجأة.. تعبت من المفاجأة.. ونزلت دمعتي.. تكونش دي نهايتي.. وآخر قصتي»، والتي صارت أغنية سائقي «ميكروباص» القاهرة الأشهر أخيراً، إذ تعبر عن حالة يأس وضياع لا مثيل لها في بكائية شعبية حزينة، تواكب صعوبات معيشية تتعلق بارتفاع أسعار الوقود والغذاء، فضلاً عن تفضيل المزاج الشعبي لأغاني العذاب والمعاناة، أو كما يقول حمودة نفسه «أنا لا أرغب في «عكننة» الناس، لكن هذا ما يريدونه لأنه يدوس على جروحهم». ويعترف حمودة بأنه يغني «حزايني» على طول الخط عبر ألبوماته المتعددة التي بدأها بداية التسعينات» لأن الناس «موجوعة وتعبانة»، انظر لأي شخص في الشارع، نادراً ما تجد واحداً يضحك من قلبه، لكن يمكن أن ترى واحداً لا يجد رغيف خبز لأولاده، وواحدا «طالعة عينه في الشغل لكن أجره لا يكفي»، غير الذي لا يجد عملاً في الأساس، وهناك من استيقظ ليجد شعره أصبح ابيضَ فجأة، وهو لا يزال في مقتبل العمر. يجب أن اغني لكل هؤلاء الناس.. أولاد منطقتي التي لا تغيب عنها الكوارث والمآسي طوال الوقت». ورغم ركوب حمودة سيارة مرسيدس فارهة تضيق بها شوارع الدويقة، إلا أنه لم يرغب في الانتقال لأي مكان آخر في القاهرة مفضلاً «دويقة» الكوارث على أن يعيش في منطقة راقية لا يعرف الناس فيها بعضهم بعضا على حد قوله «أنا رجل شعبي.. أحب الناس وأحب أن أكون بينهم.. هنا أختار أغانيَّ.. ولا أحب أن ارتدي ملابس غيري.. أنا لو خرجت بره الدويقة أموت».

تقول الدكتور سهير لطفي، أستاذة الاجتماع إن «العشوائيات مشكلة نحن من قرر إنشاءها وقام بتنفيذها. سكان العشوائيات أنفسهم أرادوا حل المشكلة لكن بطريقة عشوائية، فقاموا ببناء عشش تحت سفح جبل». وتضيف لطفي أن المشكلة الواحدة في العشوائيات تفرز بعد ذلك عدة مشاكل، والجميع سواء كانت الدولة أو سكان العشوائيات أو المجتمع ينظر لهذه المشاكل نظرة أحادية تختلف كلياً عن نظرة الطرف الآخر.

وتشير لطفي إلى أن مجتمع الدويقة نموذجاً هو مجتمع خارج نطاق الحياة البشرية السوية بمعناها الاجتماعي والاقتصادي والصحي حيث لم تعد هناك سوى قيمة المال على رأس القيم الاجتماعية وليس قيمة العمل، وبالتالي ما الذي يمكن أن ينتظره المجتمع من هؤلاء سوى المشاكل. لكن لطفي تعود وتقول إن أزمة الإسكان دفعت بعضاً من الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة إلى السكنى هناك، ففي العشوائيات هناك موظفون وعمال مهنيون على مستوى عالٍ. وتقول لطفي إن العشوائيات يمكن أن يخرج منها رجل مثل زويل والعقاد وغيرهما بشرط معرفة قدرات سكانها ومهاراتهم واحتياجاتهم وإعطائهم الاهتمامَ اللائق، وبذلك يمكن حل مشكلة هذه العشوائيات التي تهدد منظومة القيم الاجتماعية.