بوش أسس قنوات خلفية مع بترايوس لمواصلة الاستراتيجية في العراق.. بعيداً عن البنتاغون

كيف تمكن جنرال متقاعد من كسب النفوذ داخل البيت الأبيض وفي بغداد

صورة ارشيفية لنائب الرئيس الاميركي ديك تشيني والجنرال جون كين قبل تقاعده من الجيش اثناء احتفال في واشنطن بالذكرى الـ228 لتأسيس الجيش الاميركي في يونيو 2003 (أ ب)
TT

في الحلقة الثالثة من كتابه، يسرد الصحافي والكاتب الاميركي بوب وودورد كيف استطاع الرئيس الاميركي جورج بوش ان يواصل استراتيجيته في العراق رغم معارضة قيادات عسكرية في واشنطن لابقاء اعداد كبيرة من القوات الاميركية في العراق. ويكشف وودورد في كتاب «الحرب الداخلية: التاريخ السري للبيت الابيض 2006ـ2008» العلاقة غير المباشرة وغير التقليدية التي قامت بين بوش وقائد القوات الاميركية في العراق ديفيد بترايوس من خلال علاقة قائد متقاعد من الجيش، جاك كين. وتظهر تحريات وودورد تفاقم الخلافات بين البيت الابيض ووزارة الدفاع الاميركية الى درجة ان الرئيس الاميركي بعث برسالة تأييد لبترايوس لم يكن وزير الدفاع روبرت غايتس ولا مستشار الامن الوطني ستيفن هادلي على علم بها. ومع تفاقم الخلاف حول الاستراتيجية في العراق ودور كين، يتواجه الجنرال المتقاعد مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال ماكيل مولن في لقاء خاص بينهما. وبعد طلب مولن من كين أن يخرج خارج اتخاذ قرارات بشأن الحرب في العراق ويوقف زيارته اليها، تصله رسالتان من الرئيس الأميركي ونائبه ديك تشيني تخول كين زيارة العراق واستشارة بترايوس في الوقت الذي يشاءان. وكانت هاتان الرسالتان دليلاً على مدى تخلي بوش عن النظم التقليدية في خوض الحرب والاعتماد على طرقه الخاصة لـ«لنصر». ويكشف وودوارد أيضاً أن قرار تولي بترايوس قيادة القيادة الوسطى بعد انتهاء مهامه في العراق جاء بناء على توصية كين، رغم قرار سابق لوزارة الدفاع بتوليه قيادة قوات حلف الشمال الأطلسي (الناتو). وبعد توصية كين بتولي بترايوس قيادة القيادة الوسطى أثناء لقاء مع وزير الدفاع غيتس، تم الإعلان عن ذلك رسمياً في 23 ابريل (نيسان) 2008.

في يوم الثلاثاء الموافق 13 سبتمبر (أيلول) 2007، توجه جنرال الجيش المتقاعد جاك كين إلى البيت الأبيض لنقل رسالة قوية ومتزنة. أخبر كين ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي، بأن أعضاء سلسلة القيادة العسكرية لا يتفقون في وجهات نظرهم مع القائد الأميركي في العراق الجنرال دافيد بترايوس، وأن التوترات بين الجانبين تهدد بتقويض فرص بترايوس في استمرار عمله بنجاح. وفي ذلك الوقت، كان كين يبلغ من العمر 63 عاماً، وطوله 6 اقدام ووزنه 240 باوندا وله وجه صارم أشبه بوجوه الملاكمين. ومن وجهة نظر تشيني، فقد كان كين يتمتع بمكانة متميزة، حيث رأى فيه جندياً متمرساً يحظى بصلات جيدة داخل البنتاغون، لم يكن لديه حقد ضد احد، إضافة إلى أنه يعتبر بمثابة مرشد خاص لبترايوس. لم يبالغ كين بالتوقعات ولم يضيع وقت تشيني.

بحلول أواخر صيف عام 2007، كان كين قد تمكن من إقامة علاقة شكلت قناة خلفية غير معتادة مع كل من الرئيس ونائبه، وأصبح بمثابة مستشار ظل لهما فيما يتعلق بحرب العراق. ويذكر أن زيارة سبتمبر (أيلول) تلك، كانت الخامسة من نوعها من جانب كين لنائب الرئيس خلال ذلك العام. وبينما كان كين يعرض وجهة نظره، دخل الرئيس (الاميركي جورج) بوش. وقال بوش لكين: «أعلم أنك تتحدث إلى ديف، وأعلم أن قادة هيئة الأركان والبنتاغون يساورهم بعض القلق». ويذكر أن هيئة الأركان المشتركة لم تؤيد قرار بوش بإرسال 30 الف جندي إضافي إلى العراق، وهو الإجراء الذي اعتبره بوش ضرورياً لكبح جماح أعمال العنف المتفاقمة في العراق. من جهتهم، شعر قادة الأركان بقلق بالغ من أن الدفع بهذه الأعداد لن يترك لدى واشنطن قوات احتياط استراتيجية لمجابهة أية أزمات غير متوقعة قد تندلع بمناطق أخرى من العالم. وكرر كين ما أخبر به تشيني للتو: هيئة الأركان المشتركة والأدميرال ويليام فالون رئيس بترايوس داخل القيادة المركزية، يصران على الاطلاع على دراسات وتقارير لتبرير حتى أقل الطلبات لزيادة الموارد المخصصة للعراق. وكان ضغطهم المستمر، والضغط على بترايوس للاستعجال بسحب قوات اسرع، يؤثر على الاوضاع.

وقال كين: «ليس لدى أي شخص ترعرع داخل ثقافة عسكرية الاستعداد الكافي للعمل بنجاح في ظل سلسلة قيادة تعلوه غير داعمة له، فعادة ما يتم فصله في النهاية». وعليه، رأى كين أن بترايوس قد «بدأ في البحث لإيجاد سبل للتخلص من هذه الضغوط، وهو ما يعني التوصل إلى صورة من صور التكيف». وقال بوش إنه يرغب من كين في نقل رسالة شخصية من القائد العام للقوات المسلحة إلى بترايوس. وبعد أن استفاض بوش في شرح أفكاره، قام كين بتدوينها على الورق. ثم اتصل بترايوس وطلب لقاءه. وفي يوم السبت الموافق 15 سبتمبر (أيلول)، توجه كين إلى المنزل الذي خصصه الجيش لبترايوس وزوجته هولي، في أرلينغتون. ومنذ تولي بترايوس قيادة القوات الأميركية في العراق، أجرى كين زيارات منتظمة لبغداد للقائه. ولدى عودته إلى واشنطن، اعتاد كين التوجه إلى البيت الأبيض أو مقر إقامة نائب الرئيس، ليقيم بذلك خط اتصالات ـ بترايوس الى كين الى تشيني وبوش ـ بعيداً عن السلسلة الرسمية للقيادة. وفي وقت سابق من ذلك الأسبوع، أدلى بترايوس بشهادته أمام الكونغرس. وبعد يومين من تسليط الأضواء عليه على الصعيد الوطني، شرح بحذر مستوى التقدم الذي يجري إحرازه في العراق مع التحذير من أن الأوضاع «هشة ويمكن أن تنقلب إلى العكس»، بدأ بترايوس في الاستعداد للعودة إلى بغداد. والتقى بترايوس بكين بمفردهما، حيث سلمه الأخير رسالة الرئيس شفوياً. وجاء نص الرسالة على النحو التالي: «أنا أكن الاحترام لسلسلة القيادة. وأعلم أن قادة هيئة الأركان المشتركة والبنتاغون لديهما بعض المخاوف، تتمثل إحداها في الجيش ومشاة البحرية (المارينز) وتأثير الحرب عليها. وترتبط بعض المخاوف الأخرى بالأزمات الطارئة التي قد تظهر وعدم توافر قوات استراتيجية للاستجابة لهذه المواقف. وأود أن يعلم ديف أنني أرغب في أن يحقق النصر، وتلك هي المهمة التي عليه الاضطلاع بها. وستتوافر له القوات بالأعداد التي يطلبها للفترة التي يحددها. وعندما يشعر بالرغبة في خفض أعداد القوات، عليه أن يتخذ مثل هذه القرارات بناءً على الظروف القائمة بالعراق والتي يرى أنها تبرر هذه الخطوة. أما هاتان النقطتان المثيرتان للقلق، واللتان نعكف على مناقشتهما هنا في واشنطن ـ وهما عمليات الطوارئ واحتياجات الجيش وقوات المارينز ـ فلا تخصك أنت، وإنما تخصني انا. لا أرغب في تغيير الاستراتيجية حتى تنجح تلك الاستراتيجية. وقد انتظرت طوال ثلاث سنوات من أجل الحصول على استراتيجية ناجحة، ولن أتخلى عنها قبل الوقت المناسب. ولن أقر المزيد من إجراءات خفض الجنود حتى تكون أنت مقتنعا بأنه ينبغي علينا القيام بذلك».

كانت رسالة دعم كامل، ولا يحلم أي قائد بدعم أكبر من ذلك. وتسلط مسألة اختيار بوش لأن يبعث بهذه الرسالة عبر قناة خلفية، او حتى ارسالها بحد ذاته، الضوء على عمق الخلافات بين الرئيس والمؤسسة العسكرية في واشنطن. وبعد استماعه لرسالة الرئيس، قال بترايوس لكين: «أود لو يبلغ (بوش) القيادة المركزية والبنتاغون ذلك». فهم الأشخاص الذين كان على بترايوس التعامل معهم كل يوم، ويختلفون معه كلياً في الرأي. لم يكن أي من ستيفين هادلي مستشار الأمن القومي، وروبرت غيتس وزير الدفاع، على علم بهذه القناة الخلفية للاتصال مع بترايوس. وفي رده على سؤال له بشأن هذه الرسالة في مايو (أيار) 2008، عمد بوش إلى شرح السبب وراء شعوره بالحاجة إلى إرسالها. وقال: «رغبت في أن يعلم ديف (بتراريوس) أنني أود أن انتصر. وأياً كان ما يحتاج إليه، في حدود القدرات المتوافرة لدينا، سيحصل عليه. ولا أرغب في أن يشعر قائدي بأنه يتعامل مع رئيس يشعر بقلق بالغ تجاه آخر استطلاعات الرأي أو بشأن الأوضاع السياسية الى درجة تجعله متخوف من اتخاذ قرار ما أو تقديم توصية لا أستسيغها».

وعلى الرغم من عدم معرفتها بمدى الدور الذي يقوم به كين، شعرت القيادات العسكرية الكبرى داخل واشنطن، بعدم الارتياح إزاء زياراته المتكررة إلى العراق والنفوذ الذي يتمتع به داخل البيت الأبيض. من بين هذه القيادات الجنرال جورج دبليو كاسي، الذي بعد عمله في العراق لمدة عامين، سلم المهمة لبترايوس في مطلع عام 2007. والآن، يتولى كاسي رئاسة هيئة أركان الجيش، وهو عضو كذلك بقيادة هيئة الأركان المشتركة. وجاء انتقاله إلى هذا المنصب بمثابة ترقية له، لكنه غادر العراق يخالجه شعور بأنه قد فقد ثقة الرئيس بوش. وفي صيف عام 2007، كان كاسي داخل مركز والتر ريد للرعاية الصحية التابع للجيش في نورث ويست واشنطن، في انتظار إجراء فحص طبي روتيني له، عندما لمح كين يقف في الطابور الخاص بكشف الأشعة. وتبادل الاثنان النظرات للحظة، ثم أشاح كين بوجهه بعيداً، كما لو كان لم يتعرف على هوية كاسي. ومد كاسي يده إلى كين قائلاً: «أهلا جاك، كيف حالك؟ ألم يتصل بك القائد بعد؟». وأجاب كين: «لا، لماذا؟». فرد كاسي: «لأننا نشعر ـ أي القادة يشعرون ـ أنك تظهر كثيراً في مقدمة الصفوف داعياً إلى تأييد سياسة لست مسؤولاً عنها، بينما نحن مسؤولون. أنت لست مسؤولا يا جاك، وتلك هي المشكلة». قال كين إنه عمل باعتباره عضوا في مجلس شؤون السياسات المعاون لوزير الدفاع الذي يتولى أعضاؤه مهمة تقديم نصائحهم المستقلة. وأكد أن كل ما كان يحاول فعله هو مساعدة بترايوس. وقال: «لقد أيدت هذه الاستراتيجية لمدة ثلاث سنوات، في وقت لم يفعل فيه الكثيرون ذلك»، وذلك في إشارة إلى استراتيجية كاسي لبناء قوات الأمن العراقية على أمل الإسراع في سحب القوات الأميركية. وواصل حديثه قائلاً: «وعند نقطة معينة، لم يعد بمقدوري تأييدها». ورد كاسي بقوله: «من غير المناسب أن يناصر جنرال متقاعد بمثل هذه الصورة الواضحة سياسة ليس مسؤولا عنها، ولن تتم محاسبته بشأنها». وأجاب كين: «سوف أضع نصيحتك في الاعتبار»، لكنه لم يشر إلى أنه سوف يتصرف بشكل مختلف. في الشهر التالي، نما إلى علم كين من خلال مصدر سري داخل البنتاغون، أن الأدميرال ماكيل مولن ـ الذي حل محل الجنرال بيتر بيس كرئيس لهيئة الأركان المشتركة ـ أخبر زملاء له بأن واحدة من أولى خططه: «إعادة كين إلى الصندوق».

وعليه، رتب كين لقاء مع مولن. وقال مولن: «إن هذه فترة عصيبة بالنسبة لي، لكن لا أرغب في أن تذهب إلى العراق وأن تساعد بترايوس بعد الآن». وهنا تساءل كين: «ما هذا؟ ما الذي تتحدث عنه؟» أجاب مولن: «لقد قللت من أهمية منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة»، وأضاف بقوله إنه ليس من الواضح أمام الشعب الأميركي من المسؤول تحديداً عن المؤسسة العسكرية.

قال كين: «مهلاً، توقف عن ذلك. إن الشعب الأميركي لا يعلم من أكون من الأساس، تلك هي الحال في واشنطن. من المستحيل أن تكون جاداً فيما تقول». فأجاب مولن: «بلى أنا جاد». وحاول كين إخبار مولن كيف بدأت اتصالاته بالبيت الأبيض، وكيف ذهب إلى بيس ووزير الدفاع دونالد إتش رامسفيلد في نهاية عام 2006 ليعرض شكواه بشأن استراتيجية الحرب في العراق، وأنه حضر اجتماعا مع الرئيس لأن بيس ونائب الرئيس أوصيا بأن ينصت إليه بوش مباشرة. يذكر أن مولن، الذي سبق له تولي منصب رئيس العمليات البحرية، لم يكن مؤيداً لفكرة زيادة أعداد القوات، بينما أعلن كين صراحة وبقوة عن تأييده لهذه الخطوة. وأخبر مولن كين بأنه بات مدركاً بصورة بالغة للضغوط المفروضة على كاهل الجيش وقوات المارينز، مشيراً إلى أن عائلات الأفراد العسكريين تتحمل هذه الضغوط، بينما تفقد المؤسسة العسكرية ضباطا على مستوى عال من الكفاءة. وقال كين: «مايك، كل هذا صحيح، لكنه ينطبق على كل مرة نخوض فيها حرباً». واستطرد قائلا بأن الحروب تحطم الجيوش، وأن هذا هو ثمن الحرب، لكن الحرب تستحق أن تتكبد البلاد من أجلها هذا الثمن. وأضاف كين: «مايك، أنت لم تتحدث لمرة واحد هنا عن النصر. أنت لم تذكر ولو لمرة واحدة عبارة: «أود إحراز النصر في العراق»، أقصد هل تود ذلك فعلا؟». ولا شك أنه كان من المهين إلقاء مثل هذا السؤال على زميل في المؤسسة العسكرية. وأجاب مولن: «بالطبع أرغب في إحراز النصر». أجاب كين: «أفترض أنك ترغب في ذلك، لكن عندما تقوم بممارسة هذا القدر من الضغوط على بترايوس لخفض القوات، فأنت تخوض مخاطرة بالغة وهذه المخاطرة ترتبط بالهزيمة وليس النصر». رد مولن بقوله: «حسناً، نحن سنختلف هنا في وجهات النظر». وسأله كين: «ألا ترغب حقاً في أن أقوم بمساعدة بترايوس؟ إن ديف بترايوس ـ بغض النظر عمن يرغب في الحديث إليه، وبغض النظر عن حجمه وشكله ووجهات نظره ـ يتحمل مسؤولية الاضطلاع بأصعب مهمة يمكن لعسكري تحملها. لماذا إذاً لا ترغب في حصوله على هذه الفرصة؟»، أجاب مولن: «لا. لا أود خوض احتمالات. ولا أود أن تقوم أنت بذلك»، عندئذ انتهى الاجتماع. بعد ذلك، عندما عجز كين عن الحصول على تصريح بالتوجه إلى العراق، طلب لقاء جون حنا، مستشار تشيني لشؤون الأمن القومي، لتقديم تقرير حول ما حدث. وفي أعقاب ذلك بفترة قصيرة، تلقى كين اتصالاً هاتفياً من الفريق سكيب شارب حول ما دار بينه وبين مولن. وقال شارب: «لقد تلقينا طلباً غير اعتيادي، حيث وصلنا طلب من البيت الأبيض لتوفير الضمانات اللازمة لكي يتمكن الجنرال كين من زيارة العراق ومساعدة الجنرال بترايوس مثلما كان يفعل في السابق. وهذا أمر غريب فعلاً. هل لديك أدنى فكرة عما يدور؟»، أجاب كين: «نعم بالطبع. لقد تم إخباري بأنه ليس بإمكاني السفر»، وسأل شارب: «من أخبرك بذلك؟» أجاب كين: «القائد». ثم مرت فترة صمت طويلة، وأخيراً تساءل كين: «سكيب، هل ما زلت معي؟» أجاب تشارب: «أنا أحاول تفهم ماذا يجري»، وفي وقت لاحق، تحدث كين إلى الفريق بيتر تشيرالي، وهو المساعد العسكري البارز لوزير الدفاع غيتس. وقال تشيرالي: «لقد تلقى الوزير بعض الملاحظات. الجنرال كين، مثلما كان الحال في الماضي، ومثلما سيكون في المستقبل، بمقدوره السفر إلى العراق لمساعدة الجنرال بترايوس في أوقت شاء. وليست لدينا أي مشكلة بهذا الخصوص على الإطلاق». وأوضح تشيرالي أنه بالنسبة للملاحظات، فإنها كانت اثنتين تحديداً، إحداهما من نائب الرئيس والأخرى من الرئيس. وفي مطلع شهر مارس (آذار) من عام 2008، نشرت مجلة «إسكواير» مقالا مطولا لتوماس بي إم برانيت، وهو أستاذ سابق في الكلية الحربية البحرية، والذي سافر مع فالون إلى الشرق الأوسط. وكان المقال الذي نشر تحت عنوان: «رجل بين الحرب والسلام» ويحتوي على 7,500 كلمة في معظمها مديح، ولكنه صور فالون على أنه «يواجه بشكل فيه تحدٍ» كلا من بوش وتشيني فيما يتعلق بالسياسة تجاه إيران.

لاحظ فالون، الذي كان في بغداد، الصخب الذي سيثيره على الفور. فاتصل بغيتس.

قال فالون: «أعتقد أنني أحتاج إلى الرحيل».

قال غيتس: «حسنا».

وفي وقت لاحق بعد الظهيرة، ظهر غيتس أمام كاميرات التلفزيون معلنا: «لقد قبلت طلب الأدميرال فالون للتقاعد بكل أسف وعلى مضض. لقد توصل الأدميرال فالون إلى هذا القرار الصعب بمفرده تماما. وأعتقد أن هذا كان أفضل شيء يمكن فعله، على الرغم من أنني لا أعتقد أن هناك في الحقيقة خلافات كبرى بين آرائه وسياسة الإدارة».

*** وجد كين ـ الذي ذهب إلى بغداد في زيارة أخرى ـ مخرجا. ففي الساعة 3:27 بعد ظهر اليوم التالي، الموافق 12 مارس (آذار)، أرسل رسالة بريد إلكتروني إلى تشيرالي.

«عنوان الرسالة: غذاء الفكر «بيت، بعد فوكس فالون: أعلن اختيار بترايوس خلفا له، ولكن لا تعينه حتى الخريف أو مطلع الشتاء.. عين أوديرنو، الذي سيحصل على ستة أشهر يعود فيها إلى أميركا ليحل محل بترايوس. «لقد كان الجنرال رايموند تي أوديرنو، وهو ضابط بارز في الجيش، قائدا للقوات في بغداد. «أعتقد أن هذا يمنحنا أقوى فريق يحتل المناصب المهمة. وذلك في سبيل تحقيق ما يستحقه الأمر. تحياتي، جاي كاي».

فأرسل إليه تشيرالي ردا على رسالة البريد الإلكتروني بعد 20 دقيقة.

«سيدي، هل تريدني أن أمرر هذه الرسالة إلى وزير الدفاع؟».

أجاب كين: «بالطبع».

*** أثناء وجوده في العراق، تحدث كين مع بترايوس حول مستقبله. ويبدو أن تكليف بترايوس الجديد قد تحدد، وهو قيادة قوات الناتو.

قال كين إن الناتو موقع مهم، ولكن لقد مر الوقت. لقد تحولت بؤرة الاهتمام إلى الشرق الأوسط. وقال كين: «سنظل هنا لمدة 50 عاما على الأقل، وسنكون معظم الوقت، كما أرجو، نمنع نشوب الحروب، وفي حالة اضطرارنا لخوض الحرب، فسنتعامل مع الإسلام الأصولي، ومصالحنا الاقتصادية في المنطقة وسنحاول أن نحقق الاستقرار».

قد يتضمن هذا التحول إشارة إلى كيفية تعليم وتدريب الجيش الأميركي. قال كين: «سنفعل هذا على أية حال لأنه ليس لدينا خيار آخر. لذا القضية هي: تغلب على الأمر. علينا أن نسيطر عليه، ولكن الجيش لا يريد هذا الأمر. إنه يريد أن ينهي حربا وأن يعود إلى الديار، ولكن هذا لن يحدث».

بدا أن بترايوس يتفق مع هذا الرأي. ثم رن جرس الهاتف وكان المتحدث تشيرالي. وأجاب بترايوس عليه بالقول: «حسناً، الساعة الثالثة»، ووضع سماعة الهاتف، وتحول بنظره إلى كين وقال له: «وزير الدفاع يرغب في التحدث إليّ في الساعة الثالثة». وسأل كين: «أنت تعلم لماذا يريد التحدث إليك، أليس كذلك؟»، فقال بترايوس: «أشك أني أعلم السبب. أتمنى أن يعطيني الجواب المناسب». وفي يوم 7 أبريل (نيسان) 2008، دعا غيتس كين للحديث إليه داخل البنتاغون. وخلال اللقاء حثه كين على تعيين «بترايوس في القيادة المركزية، وتعيين أوديرنو قائداً جديداً بالعراق، مؤكداً أن أوديرنو يتميز بفكر رفيع المستوى وشجاعة أخلاقية كبيرة. وأخبر كين غيتس: «دعنا نتحدث بصراحة عما يدور هنا. إننا على وشك التعامل مع إدارة جديدة، فهل نرغب في الاستمرار في هذه السياسات أم لا؟ هل نرغب في تعيين أفضل العناصر الممكنة هناك ممن شاركوا في وضع هذه السياسات وأيدوها؟ دعنا نفترض أن إدارة ديمقراطية تولت السلطة ورغبت في إنهاء هذا الأمر بسرعة، وبات عليها التعامل مع الجنرال بترايوس والجنرال أوديرنو. سوف نتكبد ثمناً للتغلب عليهم». من جانبه، علم غيتس أن بترايوس شكل الاختيار الطبيعي كي يحل محل فالون. وبعد أسبوعين، وتحديداً في يوم 23 أبريل (نيسان)، دعا غيتس لعقد مؤتمر صحافي. وأعلن غيتس: «بالاتفاق مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، أصدرت توصية وافق الرئيس عليها بترشيح الجنرال دافيد بترايوس قائداً جديداً للقيادة المركزية»، كما تقرر ترشيح أوديرنو للعودة إلى بغداد لتولي منصب قائد القوات الجديد هناك، ليحل بذلك محل بترايوس خلال الفترة ما بين أواخر الصيف أو الخريف. وفي رده على سؤال وجهه إليه أحد المراسلين بشأن ما إذا كانت هذه الإجراءات، تشكل مؤشراً على الاستمرا في السياسة الراهنة، أجاب غيتس: «أعتقد أن التوجه الذي حدده الجنرال بترايوس توجه ناجح. لذا بصراحة، أعتقد أن الاستمرار فيه ليس فكرة سيئة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)