أهالي باب التبانة غاضبون من «وثيقة طرابلس» للمصالحة ويتخوفون أن تنتهي «حرب داحس والغبراء» بتبويس اللحى

رفعت عيد: إذا لم تدفع التعويضات قبل العيد سيشعر السكان بالتغرير بهم

TT

غاضبون، ساخطون هم مقاتلو باب التبانة الذين وجدنا بعضهم يجلس في أماكنه المعتادة أمس على خط التماس في شارع سورية، بعد أن فتحوا محلاتهم وبدأت الحياة تدب في المنطقة. نقول لهم: «مبروك المصالحة» التي يفترض أن توقف المعارك بينهم وبين «جبل محسن»، يجيبون جماعة: «أي مصالحة. ممنوع على أحد أن ينزل من جبل محسن إلى هنا». يستشيط أحدهم ويقول: «الذين وقعوا وثيقة طرابلس بالأمس يمثلون أنفسهم ولا يمثلوننا، كل شخص مسؤول عن نفسه، ولا نسمح لأحد بأن يتحدث باسمنا. يوقعون صلحاً دون أن يستشيروا الشعب الذي دفع دمه ثمناً. هم أنفسهم الذين فتحوا المعركة قرروا أن ينهوها، ونحن كبش المحرقة».

يبدأ الشخص الذي يتحدث الينا بشتم السياسيين جملة، في ما يحاول الآخرون تهدئته. يقول أحدهم: «كل الذين ذهبوا إلى الاجتماعات هم من خارج التبانة. وكل زعيم اشتغل من رأسه. نحن كان لنا زعيم اسمه أبو عربي، اليوم يوجد الرقيب ملص والشيخ محمود الأسود، لماذا لا يستشارون؟ نحن لسنا جماعة الحريري ولا نريد أن نحسب على أحد. هذه منطقة مختلطة وفيها من كل الاتجاهات ويجب أن يؤخذ برأيها. ثم هل كانوا بحاجة ليجمعوا أربعين سنياً ليصالحوا علويين اثنين فقط، يا عيب على الرجال». على مبعدة أمتار تقف مجموعة أخرى مستشيطة هي الأخرى، يقول أحدهم: «كله مصالح. أدخلونا في معركة من أجل مصالحهم، وأخرجونا منها حين عقدوا صفقة بين بعضهم البعض. كنا ضحية السياسيين وما نزال. الشعب يموت وهم يفطرون على مائدة واحدة، نحن لا نعترف بأي واحد منهم... لن يدفعوا تعويضاتنا». وماذا عن سلاحكم الآن؟ يجب أن يختفي بحسب اتفاقية المصالحة. يهز براسه ويقول: «إنه اختفى! كما خبأناه في الثمانينات خبأناه الآن، وعند اللزوم نعرف كيف نخرجه. هذه أسلحتنا ونحن أحرار بها، ليست ملكهم أو ملك أبوهم. هم يتاجرون بنا ويبيعون ويشترون على ظهرنا. نحن حتى نائبنا مصطفى علوش لا نعترف به». بعد أن نسمع عتبا كبيراً على النائب سعد الحريري الذي كان على رأس المصالحة، نسأل عن طرف من «تيار المستقبل» في التبانة، فينصحوننا بالتوجه إلى «سوبر ماركت خلف». هناك يجلس محمد خلف وراء الصندوق وحوله أناس يطالبون بمساعدات توزع من مؤسسة الحريري. نحدثه عما سمعناه من غضب، فيقول غير معقول، هؤلاء ليسوا من منطقتنا ربما انك تحدثت مع ناس من جبل محسن، ثم يعلق: «دعا الشيخ سعد أهالي التبانة ليسألهم عن رأيهم فذهب 20 شخصاً وتحدثوا بعشرين رأيا. كل شارع هنا يتبع 3 جهات، وكل عشرة لهم مسؤول، فمن يستشير. هذه منطقة كلها مسؤولون. وأؤكد لك انه بمجرد دخول هيئة الإغاثة إلى هنا ودفعها للتعويضات، ستنتهي كل القصة. الناس هنا لهم تجربة مريرة مع التعويضات، ولم يف أي أحد بوعد قطعه لهم سابقاً، لذلك هم لا يصدقون. معركة باب التبانة هي امتداد لمجزرة ارتكبها السوريون حين كانوا هنا ومعهم العلويون. ما حصل أول امس، ليست مصالحة وإنما تمهيد لها وخطوات مقبلة ستكمل ما تم البدء به» ويكمل خلف: «لجنة مسجد حربا في المنطقة كان لها رأي سديد وهو ان يتم دفع التعويضات قبل ان تتم المصالحة، وهذا أمر كان سيمنع ما سمعته اليوم»، فيوافق الموجودون في الدكان على مقولات خلف.

على بعد خطوات من «السوبر ماركت» يجلس فادي الذي يتحفظ عن ذكر اسمه كاملاً كما باقي الذين تحدثنا معهم من الرافضين للمصالحة. يحمل فادي بيده سكيناً ويقول «اقسم بالله انني لو رأيت علوياً سأذبحه بها. لن يبرد قلبي قبل ان أقتل أحدهم. انظري نحن نعلق صور الحريري لكن المصالحة نحن غير موافقين عليها». وينادي رجل يمر بقربه ويقول اسأليه هذا مسؤول مجموعة مقاتلة ليقل لك رأيه. يرفع الرجل المسؤول بنطلونه ويرينا إصابة في رجله، يده ايضاً فيها إعاقة بسبب إصابة ثانية. «سجلي اسمي : مصطفى الزعبي. من يريد ان يصالح فلينزل إلى باب التبانة ويستمع للأهالي. نحن تهجرنا وقتلنا وخطفنا وتبهدلنا ولم يعوضنا احد. اجتمعنا قبل المصالحة بعشرين يوماً هنا في التبانة ثلاث مرات، وتقدمنا بمطالبنا للشيخ سعد، ولم يؤخذ بها. بالأمس قال لنا بطريقة غير مباشرة، وهو يوقع على المصالحة، اسكتوا انا أتحدث عنكم. هو تصالح مع الجماعة في جبل محسن لكن نحن لم نفعل. واضح من الكلام ان التعويضات غير موجودة. بعض الناس يدفع لهم 200 دولار، هل هذا مبلغ يكفي لمن خرب بيته. ما اتفقنا عليه وضعناه بين يدي الشيخ مازن إمام مسجد حربا، ولم يؤخذ به، لذلك نحن غاضبون».

نبحث عن إمام مسجد حربا لنفهم سبب هذا الغضب العارم، وبينما يصل نتحدث مع مجموعة تجلس في المكان، عزيز علوش يسخر من المصالحة على طريقته: «تصالحوا مع رئيس بلدية القلمون والسلفيين وافواج طرابلس والحزب العلوي. ما هذه المصالحة؟ هل تنتهي حرب داحس والغبراء بتبويس اللحى؟ أنظري كل المناطق هنا مدمرة منذ الحرب الأهلية، ولم يسأل عنها أحد. السوري ذبحنا واغتالنا ووضعنا في السجون، ولم يستطع أن يعمل معنا مصالحة». يستدرك علوش: «انتبهي نحن لسنا ضد المصالحات لكننا لن نقبل بمصالحة فوقية. صلح على ظهر شهدائنا ودمائنا لن نقبل، فليعوضوا على الناس ثم يتصالحوا». يصل الشيخ مازن حربا إمام المسجد وهو يتكلم على جواله ويقول: «ما هذا الذي نراه، كل واحد من الزعماء يدقّ على صدره ويقول المسألة عندي... ما هكذا تحلّ مشكلة عمرها ثلاثون سنة. هذا أمر لا نقبل به». ثم نسال الشيخ مازن إن كانوا سيقومون بحركة احتجاجية فيجيب: «ليس عندنا أي نية للتعطيل، لكن عندنا موقف احتجاجي. حين يعامل أهالي باب التبانة بخفة لا بد ان نزعل. قدمنا توصية باسم الأهالي فيها ثمانية بنود وصلت إلى الشيخ سعد وكل المسؤولين وقلنا ان المصالحة تسبقها عودة النازحين، ودفع التعويضات للمتضررين وأهالي الشهداء وإنشاء ورش لإعادة بناء ما تهدم، ودفع المستحقات للمهجرين، ثم تأتي المصالحة بعد تطبيق كل البنود. هذه أمور هناك إجماع عليها من الأهالي، وحصل شبيه لها في كل المناطق اللبنانية التي تمت فيها مصالحات، لماذا يضحكون علينا نحن؟».

رفعت علي عيد الذي وقّع مع والده المصالحة عن جبل محسن ذي الغالبية العلوية، يعلق على ما سمعناه في باب التبانة (غالبية سنية) بالقول: «إذا لم تدفع التعويضات قبل حلول العيد، سيشعر الناس بالفعل بأنه قد تم التغرير بهم. مؤسسات الصفدي وميقاتي والحريري قالت انها ستدفع، وليست الدولة وحدها من تكفل بالأمر. الناس عندنا يريدون تعويضاتهم ايضاً، ونحن ضد ان تتم مصالحات على ظهر مصالح الناس». وعن رأيه في قدرة المصالحة على الصمود يقول عيد: «نحن سعداء بما حصل ونتمنى للمصالحة ان تصمد، ولا يناسبنا كأقلية الاقتتال». وعن المندسين الذين يشعلون المعارك يقول: «الدولة اللبنانية أعطيت الغطاء الكامل الآن. وجهاز مخابرات الجيش يعرف حين تدبّ النملة، ويفترض ان من يرتكب خطأ ان يحاسب عليه، وهذا ما نتمنى ان يحصل».