فرنسا: مشروع لإنشاء «قاعدة بيانات» موسعة يثير جدلا.. ويحمل ساركوزي على التدخل

يعطي المخابرات حق جمع معلومات شخصية عن السياسيين والنقابيين ورجال الدين وحتى المراهقين من سن 13 عاما

TT

تعيش فرنسا هذه الأيام جدلا حاميا يطال الطبقة السياسية وجمعيات المجتمع المدني والناشطين في حقول الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان والمثقفين والقانونيين والنقابات بما فيها نقابات الشرطة، بسبب مرسوم صدر في يوليو (تموز) الماضي يقضي بإنشاء ما يسمى نظام «أدفيج» أي قاعدة معلومات وبيانات عامة وشاملة يديرها جهاز المخابرات (الداخلية) العامة، يتم بموجبه جمع المعلومات حول كل من يلعب دورا في الحياة السياسية والاقتصادية والدينية والنقابية وفي الجمعيات والاتحادات وخلافها، يضاف اليهم المراهقون ما بين سن الثالثة عشرة والسادسة عشرة، وكل من يعتبر عمله تهديدا للأمن والاستقرار. ووجد رئيس الجمهورية نفسه مضطرا الى خوض غمار المعمعة بعد ان فهم أن الحكومة اقتربت من منزلق خطر وأنه آن الأوان ليتدخل قبل أن يفلت الزمام وتنفجر الأزمة.

وصدر المرسوم المذكور في اليوم الأول من يوليو الماضي، غير أن الشكوك والاتهامات حوله لم تصدر إلا في الأيام الماضية حيث بدأت ضعيفة وخجولة ثم اتسعت في كل اتجاه. وانطلقت الحركة الاحتجاجية بداية من صفوف الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني قبل أن تركب المعارضة، ممثلة بحزب الحركة الديمقراطية (الوسط) وبالأحزاب اليسارية (الاشتراكيون والشيوعيون والأحزاب اليسارية الأخرى) موجتها، ولتكتمل الصورة لتصل الى صفوف الحكومة نفسها حيث لم يتردد وزير الدفاع هيرفيه موران، السبت الماضي، من انتقاد المولود الجديد علانية، متجاهلا التضامن الحكومي.

ولم ينفع اللوم الذي وجهه إليه رئيس الحكومة فرنسوا فيون في ردع وزراء آخرين عن الاحتذاء به. وجاء النقد هذه المرة من وزيرة الدولة لحقوق الإنسان رحمه ياد المعروفة بقربها من الرئيس ساركوزي، لكن ذلك لا يمنعها من التعبير الحر عن آرائها بدون قيود، لقوة شخصيتها. وما زالت انتقاداتها التي وجهتها لزيارة الزعيم الليبي معمر القذافي لباريس أواخر العام الماضي ماثلة في الأذهان، علما بأن القذافي جاء الى العاصمة الفرنسية تلبية لدعوة من ساركوزي نفسه. رحمة ياد نددت بما اعتبرته «خلطا للأمور» وشددت على «القلق» الذي يدفع اليه النظام البوليسي المعلوماتي الجديد، داعية الى «توفير الإيضاحات الضرورية». أما انتقادات الوسط واليسار فكانت أكثر جذرية إذ ركزت على أن المشروع الجديد «ينتهك الحريات الفردية» ويقيم «نظاما بوليسيا» ويجعل من كل مواطن «متهما» ويتدخل في «الحياة الشخصية» للمواطنين.

وبعد الكاميرات المنصوبة في الشوارع والأماكن العامة والمحطات وأماكن التجمع، وبعد الرقابة الإلكترونية للمخابرات الهاتفية والحسابات المصرفية والنشاطات الأخرى، فإن النظام الجديد يخطو خطوات إضافية في «تقييد» حركة الفرد ـ كما يقول مناهضوه.

ومن بين ما تركزت عليه الانتقادات أن النظام الجديد يتيح للمخابرات وأجهزة الشرطة جمع معلومات تتناول الحياة الجنسية والحالة الصحية والممتلكات والثروة للذين يشملهم نظام الرقابة الجديد، الذين يمكن أن يصل عديدهم الى عدة مئات من الآلاف.

ولو تم العمل بهذا النظام الذي يتوجب إقراره في البرلمان، فإنه يعني أن أي مواطن يحتل مركزا أو يسعى الى منصب انتخابي او نقابي يمكن أن يصبح هدفا للمخابرات والشرطة وأن المعلومات التي تجمع حوله، بما فيها المعلومات ذات الطابع الخاص جدا، ستجمع في إضبارت وتستطيع الأجهزة المعنية الإطلاع عليها عندما تريد.

وفي الأيام الماضية بدأ التوقيع على عريضة أطلقتها رابطة حقوق الإنسان للتخلي عن هذا المشروع. وأيدت العريضة 8000 جمعية وجمعت تواقيع 120 ألف مواطن. وتحضر الجمعيات والنقابات والأحزاب لتحرك احتجاجي يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بمناسبة عيد القديسة «أدفيج» للمطالبة بدفن نظام «أدويج» جاعلة من ذلك شرطا للتفاوض مع الحكومة.

إزاء هذه الحركة المتصاعدة اضطر الرئيس ساركوزي للتدخل بعد أن ترك إدارة هذا الملف الحساس الى وزيرة الداخلية ميشال أليو ماري. غير أنه دعا الى اجتماع عاجل ليل الثلاثاء ـ الأربعاء بعد أن ظهرت معالم التفسخ داخل الحكومة والأكثرية النيابية التي تدعم الحكومة. وطلب ساركوزي من وزيرة الداخلية التشاور مع المعنيين بالأمر وتعديل المرسوم لضمان أن يحترم الحريات العامة. وسارعت وزيرة الداخلية الى الاستجابة، معربة عن استعدادها للعودة أمام البرلمان بمشروع معدل، غير ان سكرتير عام الحزب الاشتراكي فرنسوا هولند، والمرشح الرئاسي السابق فرنسوا بايرو، طالبا بسحب المشروع نهائيا.