رئيس الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية: فوز حرب الأفكار يعتمد على التعاون الدولي

غلاسمان قال لـ«الشرق الأوسط» إن التصور بأن الغرب يريد تدمير الإسلام أكبر تصور خاطئ عن بلاده

طالبات مدارس بولاية امريستار بالهند يشعلن الشموع في الذكرى السابعة لهجمات سبتمبر (رويترز) وفي الاطار جيمس غلاسمان («الشرق الأوسط»)
TT

مع إحياء الولايات المتحدة الذكرى السابعة لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، يراجع مسؤولون في الولايات المتحدة وضع بلادهم الداخلي بعد الهجوم الذي غير البلاد بأكثر من طريقة، وفي الوقت نفسه يراجعون وضع بلادهم في العالم، وعلى رأس هذه المراجعة نظرة العالم الخارجي تجاه الولايات المتحدة خاصة بعد خوضها حربين في افغانستان والعراق. وفي مقدمة المسؤولين عن معالجة هذه النظرة وكيل وزارة الخارجية الاميركية لشؤون الدبلوماسية العامة والشؤون العامة جيمز غلاسمان. وقال غلاسمان امس اثناء حديث أجرته «الشرق الاوسط» معه في لندن حيث جاء للحديث عن تجربة بلاده منذ هجمات 11 سبتمبر إن التركيز على الدبلوماسية العامة لا ينحصر في وزارة الخارجية الاميركية فقط، بل اصبحت اساسية في عمل وزارة الدفاع والجيش ايضاً. وكان الرئيس الاميركي قد عين غلاسمان ومكتبه مسؤولاً عن تنسيق الدبلوماسية العامة بين الدوائر الحكومية المختلفة منذ سنتين. وقال غلاسمان: «ادرك الجيش بان الدبلوماسية العامة بنفس اهمية اطلاق النار، وقد قال وزير الدفاع (روبرت) غيتس سابقاً بأننا سنخلص طلقاتنا قبل ان نربح هذه الحرب اذا لم نخض معركة الافكار». وشرح غلاسمان: «مهمتنا هي خلق بيئة معادية للتطرف العنيف، وهذا لا يعني فقط التطرف المتعلق بفكر مبني على تفسير خاطئ للدين الاسلامي بل هناك انواع تطرف اخرى مثل افكار متمردي الفارك في كولومبيا». واضاف: «نعرف ان الناس ستكون لديها اختلافات مع سياساتنا ولكن علينا الا نسمح لهذه الخلافات ان تكون عنيفة وعدوانية»، موضحاً: «نرى انفسنا مسهلين لتشجيع شبكات التواصل والمنظمات غير الرسمية من دون ان نسيطر عليها لأننا نتوقع بأنها في الاخير ستكون في صالحنا وهذا ما يقلق القاعدة». وبدا من حديث غلاسمان إيمانه بان الولايات المتحدة تتبع الطريق الصائب، ما يعني ان دعم الرافضين للعنف من المؤكد سيعني دعم الولايات المتحدة على المدى البعيد.

ولفت غلاسمان الى ان الدبلوماسية العامة، التي تشمل البعثات الدراسية للاجانب الى الولايات المتحدة، تساعد بلاده في مجالات لا يمكن للسياسيين دخولها. وعلى رأس هذه المجالات العلاقات الايرانية ـ الاميركية، التي وصفها بـ«المثيرة». اذ منذ ان اصدر الرئيس الاميركي جورج بوش امراً بتوثيق العلاقات بين الشعبين، تم 200 نوع من التبادل الثقافي بين البلدين، غالبيتها زيارات من ايرانيين الى الولايات المتحدة. وقال غلاسمان: «هناك امور يمكن للدبلوماسية العامة ان تنجزها، لا تقدر عليها السياسة الرسمية».

وكان غلاسمان حريصاً على التركيز على العوامل المشتركة بين بلاده وغيرها من الدول التي تعرضت للهجمات، قائلاً: «11 سبتمبر كان حدثاً مأساويا في الولايات المتحدة ولكن في الاعوام التي تلت (الحادثة) كانت هناك احداث مشابهة مثل تفجيرات 7 يوليو (تموز) (2005) في لندن وتفجيرات مدريد وتونس والاردن، فالقاعدة تقوم بهذه الاعمال الاجرامية حول العالم واعتقد ان اخرين اصبحوا يعرفون الارهاب الذي تعرضنا له». وعن المشوار الذي قطعته الولايات المتحدة خلال السنوات السبع، قال غلاسمان: «لقد تقدمنا كثيراً في الولايات المتحدة كثيراً (منذ 11 سبتمبر)، فكانت هذه صدمة لم نتعرض لمثلها في كل تاريخنا والتأقلم معها لم يكن سهلاً، فكيف نحارب حربا مثل هذه؟ فالآن هناك قبول بشكل واسع في كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) وفي كل اجزاء الحكومة بأننا لسنا فقط في حرب عسكرية أو قتالية أو امنية بل معركة افكار، وهذه معركة تقوم في غالب الامر في مجتمعات مسلمة ولكن الكثير من العالم، بما فيه الولايات المتحدة، طرف فيها». ومن بين الدروس التي تعلمها المسؤولون الاميركيون عبر السنوات الماضية الابتعاد عن استخدام ألفاظ مثل «الارهاب الاسلامي» او «التطرف الاسلامي». وحرص غلاسمان اثناء الحديث على الالتزام بمصطلح «التطرف العنيف». وعند سؤاله عن ذلك، قال غلاسمان: «من الجيد استخدام مصطلحات محددة مثل القاعدة أو ما نعتبره التهديد وهو العنف المتعلق بفكر متطرف، والتطرف العنيف ليس مختصراً على القاعدة وهذا هو التهديد.. وبالتأكيد الناس اكثر دقة الان في كلامهم».

وبدا غلاسمان مستاءً من النظرة الى علاقة الولايات المتحدة من الاسلام، قائلاً ان الصورة الاكثر خطأ حول الولايات المتحدة هي ان «الولايات المتحدة والغرب يريدان تحطيم الدين الاسلامي، وذلك خطأ كبير». وتابع: «فكرة ان الولايات المتحدة غير متسامحة دينياً فكرة مجنونة، فهناك 2600 مسجد في الولايات المتحدة، بعدما كان 1200 مسجد عام 2001». واضاف مبتسماً: «هناك ايضاَ صور خاطئة عن العلاقات العائلية والعنف في الولايات المتحدة ولكن اظن ذلك ناتج عن البرامج التفلزيونية». واعتبر غلاسمان ان الولايات المحدة بدأت تتقدم في «معركة الافكار» بسبب «التعاون الدولي». وعن التواصل مع الشخص البسيط في دولة عربية أو ذات غالبية مسلمة، قال: «الاميركيون لا يتمتعون بالاصوات الاكثر مصداقية في هذا الحوار وذلك لا يعني اننا نخجل أو نبتعد عن هذه النقاشات، ولكننا نحاول ان نتعاون وندعم الاصوات المعتدلة تتحدث عن هذه المشاكل، اذا كان بتشجيع منا ام لا، نرى ذلك يحدث». وأضاف: «خلال الاشهر الستة الماضية نرى رفضاً للتطرف العنيف وفي النهاية هذا هو ما سيحقق التغيير». ورداً على سؤال عن صورة الولايات المتحدة في العالم الآن، قال غلاسمان: «انها حقاً مختلفة، ففي بعض مناطق العالم نحن محبوبون جداً، مثل افريقيا واجزاء كبيرة من اسيا والهند واليابان والكثير من مناطق اميركا اللاتينية، والكثير من الكراهية، بحسب استطلاعات الرأي، متركزة في الشرق الاوسط ودول ذات غالبية اسلامية واوروبا». وعن سبب هذه الكراهية قال «هناك 3 اسباب، اولاً ان الناس لديهم الشعور، صحيح او خاطئ، باننا لا نحترم آراءهم عندما نطور سياساتنا، ولكن هناك اعتراف بين الكثير بأن كل دولة ستتبع مصالحة وطنية في نهاية المطاف، البريطانيون والاردنيون والاميركيون يفعلون ذلك». وعن السبب الثاني قال «إن لم نقم بعمل مثالي في شرح سياساتنا وآرائنا للعالم»، موضحاً: «عند قراءة البحوث، المعلومة الاكثر ازعاجاً هي ان بين 80 و90 في المائة من بعض المجتمعات المسلمة تعتقد بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون تدمير الاسلام، وهذه كذبة كبيرة، واي شخص يزور الولايات المتحدة يفهم علاقة بلادنا والدين الاسلامي». واردف قائلاً ان السبب الثالث هو «ببساطة هناك اشخاص لا يحبون سياساتنا»، مقراً: «هناك الكثير من الخلافات حول العراق وموقفنا من الاسرائيليين والفلسطينيين وفي النهاية الولايات المتحدة تتبع السياسات التي نعتبرها من مصلحتنا مثلما تفعل اية دولة اخرى، ولكن ما نتطلع اليه في هذه المعركة ضد التطرف العنيف مع اخرين لديهم هدف مشترك معنا، واظن ذلك يعني الاغلبية من الناس». وتابع: «حتى في دول أخرى هناك الكثير من الخلافات حول سياساتنا في العراق، التهديد من التطرف العنيف موجود بنفس المقدار، اذا لم يكن اكبر، وهناك الكثير من التعاون في حرب الافكار والحرب القتالية». وتعتبر الحرب في العراق رئيسية في تردي شعبية الولايات المتحدة حول العالم. وبعد خمس سنوات من الحرب، قال غلاسمان «العراق ما زال يؤثر على صورتنا». ولفت ايضاً الى انه «من قصر النظر الاعتبار بأن الناس ستشكل رأيها حول الولايات المتحدة على المدى البعيد بناء فقط على سياسة واحدة في بلد واحد». ولكنه اردف قائلاً: «النجاحات في العراق عبر العام الماضي تساعدنا في الجهد العام ضد القاعدة وايضاً في معركة الافكار». وتابع: «ما زالت القاعدة نشطة في العراق ولكن هزائمها امام الصحوة في الانبار مثلا، التي رفضت الحياة تحت سيطرة القاعدة، لها تأثيرات خارج العراق». وعن تأثير تراجع الشعبية الاميركية بسبب السياسات الخارجية، قال غلاسمان: «منذ سنتين، بات هناك مكان للدبلوماسية العامة على الطاولة عند اتخاذ قرارات» السياسة الخارجية. ولكنه اردف قائلاً: «في النهاية الولايات المتحدة لن تشكل سياستها العامة بناء على استطلاع للرأي عالمي، لكننا ننتبه لتأثير الرأي العام». وشدد غلاسمان على اهمية اشراك مسؤولي الدبلوماسية العامة في صناعة القرار، مشيراً الى مقولة الصحافي ادوارد مارو الذي عينه الرئيس الاميركي جون كنيدي عام 1961 لرئاسة وكالة المعلومات الاميركية عندما قال: «يجب اشراك الدبلوماسية العامة عند الاقلاع وليس فقط عند الاصطدام». وفي نهاية المطاف، ما زالت الولايات المتحدة وجهة لزوار وطلاب من حول العالم. وشرح غلاسمان ان العام الماضي توجه 600 الف طالب الى الولايات المتحدة لتلقي العلم، وهو رقم قياسي للولايات المتحدة، رغم تشديد اجراءات الامن بعد احداث 11 سبتمبر. وخلص غلاسمان الى أن الولايات المتحدة «تتعاون مع غالبية دول العالم لمواجهة التطرف العنيف وهذا ما يعنينا كلنا وفي النهاية الهدف مشترك». وبينما كانت ادارة الرئيس بوش هي التي اطلقت برامج مكثفة للدبلوماسية العامة بعد هجمات 11 سبتمبر، تنظر الادارة اليوم الى نهاية ولايتها مع اقتراب موعد الانتخابات الاميركية في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وقال غلاسمان ان الانتخابات تفيد الولايات المتحدة، موضحاً: «انها تذكر الناس بالمبادئ الاساسية للمجتمع الاميركي، الفكرة بأن شخصاً مثل (المرشح الديمقراطي للرئاسة من اصول افريقية) باراك اوباما يمكنه النهوض أو (المرشحة لمنصب نائب الرئيس للحزب الجمهوري) سارة بالين أو حتى (المرشح الجمهوري للرئاسة) جون ماكين الذي قضى 5 سنوات اسير حرب، يمكنهم الترشح لهذه المناصب». وأضاف: «في نهاية المطاف، الشعب هو الذي ينطق، ونحن نحاول جذب الصحافيين لتذكيرهم بماهية اسس الولايات المتحدة». وقال غلاسمان، الذي من المتوقع ان يغادر منصبه بعد الانتخابات مثل غالبية المسؤولين السياسيين، إنه يأمل بان الادارة المقبلة ستواصل مسيرة الدبلوماسية العامة، موضحاً: «عندما جاءت ادارة بوش لم تكن هناك آلية حرب المعارك واليوم قد اسست وامل بان الادارة الاميركية المقبلة ستستخدمها». وأضاف: «لا يمكن لنا الفوز من خلال الوسائل الحربية فقط، وكلا الحزبين يتفقان على ذلك».