القاعدة في العراق.. الليبيون قوة صاعدة (4)

المقاتلون العرب سافروا في مجموعات وجرى تجنيدهم في أوقات متزامنة

TT

معظم سجلات سنجار التي اكتشفهتا القوات الاميركية داخل العراق كان لديها ميدان «عمل»، أو تصنيف يفرق بين المقاتلين والانتحاريين. ويبدو أن التصنيف يعكس الدور الذي يرجو المقاتلون أن يلعبوه عند وصولهم إلى العراق، ولكن ربما يشير إلى تكليف يحدده المديرون المحليون.

وتظهر في نسخ سجلات سنجار المترجمة من اللغة العربية ترجمة كلمة «استشهادي» إلى الإنجليزية بطرق مختلفة: «شهيد»، و«استشهاد»، و«مفجر انتحاري». أما الكلمة نفسها فتعني: «الساعي إلى الشهادة» وفي الأغلب كان كل هؤلاء «مفجرين انتحاريين» في محاولة لتجنب الخلط. وعلى الرغم من أن فكر القاعدة يعتنق مبدأ أن يستشهد المرء أثناء العمليات العسكرية التقليدية، كان الهدف من هذه السجلات التي تحمل أسماء المجندين هو مساعدة القادة على توزيع مهام محددة إلى الأشخاص بفاعلية. وفي مثل هذه الظروف، قد تشير مهمة «الاستشهادي» إلى الأشخاص الذين من المقرر تكليفهم بهجمات انتحارية.

من بين 376 مقاتلا اختاروا العمل في العراق، كان من المقرر أن يكون 56.4 في المائة منهم (212) انتحاريين. وقد تم تحديد مهام 42 في المائة آخرين (158) بمهمة مقاتل تقليدي، بينما أدرج العديد من الأفراد في مهام أكثر تخصصا مثل العمليات الإعلامية (2)، والطب (3)، والمهارات القانونية (1). ولا تشير الوثائق إلى بلد المنشأ أو العمليات الانتحارية.

توصل العديد من المحللين إلى أن السعوديين ممثلون بنسبة كبيرة في صفوف الانتحاريين في العراق. وقد حللت دراسة أجريت مؤخرا 94 انتحاريا في العراق، وقررت أن 44 منهم سعوديون، و7 كويتيون، و7 أوروبيون، و6 سوريون، والبقية من أنحاء متفرقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تؤيد سجلات سنجار الاستنتاج الذي توصل إلى أن أغلبية الانتحاريين الذين دخلوا العراق بين أغسطس (آب) عام 2006 وأغسطس 2007 سعوديين. ولكن الوثائق تشير الى فكرة أن المقاتلين السعوديين هم الأكثر احتمالا بين زملائهم من المناطق الأخرى لأن يصبحوا انتحاريين. في الحقيقة، المقاتلون الليبيون والمغاربة المسجلة «مهامهم» في سجلات سنجار هم الأكثر احتمالية لأن يكونوا «انتحاريين».

وربما قللت التقارير السابقة إجمالا من عدد الليبيين المشاركين في حرب العراق بجانب القاعدة، لكن التزامن النسبي للتحليلات السابقة يشير إلى أن نمط الهجرة إلى العراق تغيّر ببساطة مع مرور الوقت، حيث أظهرت السجلات أن 76.9% (30) من الليبيين البالغ عددهم 39، الذين سجلوا تاريخ وصولهم إلى العراق، دخلوا البلاد ما بين مايو ويوليو 2007، مما قد يشير ـ كما تقول الدراسة ـ إلى «موجة ربيعية» جديدة من المجندين الليبيين إلى العراق، ويمكن الربط بين زيادة عدد الليبيين بالعراق، وتنامي علاقة التعاون بين الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والقاعدة، والتي توجت بانضمام الأولى للقاعدة رسميا في الثالث من نوفمبر 2007، حيث ساهم أحد كبار منظّري الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وهو أبو يحيى الليبي في صياغة إعلان القاعدة في مارس 2007 بشأن إقامة دولة إسلامية في العراق.

ومن بين 237 مقاتلا سعوديا في سجلات سنجار، حدد 62 في المائة منهم 147 «وظيفتهم». من بين الـ147، خطط 47.6 في المائة 70 أن يكونوا انتحاريين. ومن بين 238 من غير السعوديين الذين أدرجوا مهامهم في سجلات سنجار، أشير إلى 59.2 في المائة (141) على أنهم انتحاريو المستقبل. وكان المجاهدون الليبيون والمغاربة أكثر احتمالا، نظرا إلى نسبة أبناء وطنهم القادمين إلى العراق، في أن يدرجوا كانتحاريين من المواطنين السعوديين. فمن بين 111 ليبي مدرج في السجلات، ذكر 54.4 في المائة (60) مهامهم. وذكر 85.2 في المائة (51) من الليبيين عملهم كانتحاريين بينما اعتزم 91.7 في المائة (22) من المغاربة أن يقوموا بعمليات انتحارية في العراق.

هناك دليل على أن العلاقة بين المقاتل والمنسق الذي يدخل المقاتل في مجال الجهاد، في المقام الأول قد ترتبط بقرار المقاتل لأن يصبح مفجرا انتحاريا. ويبدو أن احتمالات تقدم المقاتلين الذين قابلوا منسقيهم عن طريق أقارب لهم لمهمة التفجيرات الانتحارية تقل عن هؤلاء الذين يتعرفون عليهم عن طريق أحد المعارف. والمثير للاهتمام أن جميع الأفراد الستة الذين تعرفوا على منسقهم عبر الانترنت أصبحوا انتحاريين. وعلى الرغم من أن هذه الاستنتاجات مذهلة، إلا أنها ليست مهمة إحصائيا، فلا ينبغي على القراء أن يصلوا إلى استنتاجات نهائية من نموذج صغير نسبيا. كما أن هذا المجال يتطلب المزيد من البحث.

لم يوضح معظم المقاتلين في سجلات سنجار الطريق الذي سلكوه إلى العراق، وهؤلاء الذين أدخلوا معلومات حول هذا الأمر اتبعوا أساليب مختلفة في ذكرها. ذكر بعض المقاتلين بلدهم الأصلي كمحطة في الطريق.

إضافة إلى ذلك، ليس من الواضح ما هي «المحطة» التي كان يقصدها المقاتلون. بالنسبة للبعض، قد تعني المكان الذي يتوقفون فيه مؤقتا في الطريق إلى العراق. وربما يقصد آخرون محلا لتوقف طويل.

على الرغم من هذه المشاكل في تحديد الطريق الذي اتخذه المقاتلون إلى العراق، من الواضح أن الطرق تختلف إلى حد كبير من دولة إلى أخرى. من بين 63 سعوديا وصفوا طريقهم إلى العراق، ذكر 47.6 في المائة 30 طريقا مباشرا من السعودية إلى سورية، بينما أشار 36.5 في المائة 23 إلى أنهم سافروا أولا إلى الأردن، ثم إلى سورية. ويبدو أن المقاتلين الليبيين اتبعوا طريقا ثابتا يمر بمصر ويصل إلى سورية. من بين 52 مقاتلا ليبيا أوردوا الطريق الذي سلكوه إلى العراق، سافر 50 منهم أولا إلى مصر وسافر اثنان فقط بالطائرة إلى سورية مباشرة. ومن مصر، سافر 84.2 في المائة (43) بالطائرة إلى سورية مباشرة، بينما ذهب 1304 في المائة (7) إلى الأردن، ثم دخلوا سورية. ومن بين 12 مقاتلا مغربيا وصفوا طريقهم إلى سورية، سافر 10 بالطائرة إلى تركيا مباشرة، بينما عبر الاثنان الآخران أولا إلى اسبانيا قبل السفر إلى تركيا.

تتضمن الكثير من سجلات سنجار معلومات حول منسق أو منسقين سوريين ساهموا في تيسير سفر المقاتلين عبر الأراضي السورية. وباستخدام برنامج للتحليل الشبكي، تمكنا من وضع تمثيل بياني لكيفية عمل هؤلاء المنسقين السوريين مع بعضهم البعض. ويوضح الرسم رقم 16 الشبكة عند مستواها الأعلى، بحيث تشير المستطيلات حمراء اللون إلى المنسقين السوريين، بينما تمثل الأخرى الزرقاء الحالات الفردية لعبور الحدود. وخلال الكثير من عمليات عبور الحدود تلك، تم نقل العديد من المقاتلين إلى داخل العراق. أما أبرز المنسقين السوريين الذين ورد ذكرهم في سجلات سنجار فهو أبو عمر. من الواضح أن الكثير من المنسقين السوريين يتلقون أموالاً من المقاتلين الأجانب المتجهين إلى العراق. وتكشف سجلات سنجار أن 53 من إجمالي الـ95 منسقاً سورياً الواردة أسماؤهم حصلوا على أموال من مقاتلين مقابل المساعدة في تنسيق عملية دخلوهم إلى الأراضي العراقية. وجاء الجزء الأكبر من الأموال من جانب المقاتلين السعوديين، وذلك من حيث كل من عدد المرات وحجم الأموال، حيث تحوي السجلات 46 عملية دفع لمبالغ مالية وصلت في المتوسط إلى 2.535 دولار. ومن بين المقاتلين الأجانب الذين دفعوا أموالا للمنسقين السوريين 8 يمنيين و8 جزائريين و5 ليبيين وأربعة مغاربة وثلاثة تونسيين. وينتمي 88% (36 من 41) من المقاتلين الذين دفعوا إلى المنسقين السوريين مبالغ مالية تفوق الـ500 دولار ينتمون إلى السعودية. وطبقاً لما ورد بسجلات سنجار التي بثتها مواقع قريبة من البنتاغون من دراسات مركز مكافحة الإرهاب الأميركي، وكان آخرها دراسة شارك في إعدادها مجموعة من الخبراء والمحللين الأميركيين يوليو (تموز) الماضي، بعنوان (المفجرون والحسابات المصرفية.. والاستنزاف. طريق القاعدة «الى العراق.. الدخول والخروج)، فإن هناك تبايناً كبيراً بين المنسقين السوريين من حيث عدد وحجم المبالغ المالية التي حصلوا عليها من المقاتلين الأجانب. وتشير السجلات إلى أن أبو عمر أكثر المنسقين الذين تلقوا أموالاً، حيث حصل على مبالغ مالية من 27 مقاتلاً أجنبياً. أما أبو العباس فقد حصل على 11 مبلغاً مالياً، بينما حصل شخص يدعى لؤي على 6 مبالغ. ويتضمن الرسم التوضيحي رقم 17 شبكة من 30 مقاتلا أجنبيا جرى تنسيق عبورهم إلى العراق من خلال سورية على يد أبو عبد الله. طبقاً للسجلات، فإن أبو عبد الله تلقى مبالغ مالية مرتين فقط من بين المقاتلين الـ30 الذين أسهم في تنسيق عملية عبورهم الحدود. وفي كلا المرتين جاء المبلغ المدفوع أقل من 500 دولار. وتخصص أبو عبد الله في رعاية العملاء السعوديين أثناء وجودهم داخل سورية. وكانت احتمالات أن يتحول عملاؤه بعد دخولهم العراق إلى أي من «مقاتلين» أو «تفجيريين انتحاريين» متكافئة.

في الوقت الذي طلب أبو عبد الله مبالغ مالية أقل، كان المنسقون السورين الآخرون أقل كرماً، حيث يكشف رسم توضيحي أن أبو عباس حقق أرباحاً طائلة من وراء جهوده بمجال التنسيق. ويبدو أن هذا السعي لتحقيق الربح يشكل القاعدة، وليس الاستثناء. والملاحظ أن معظم العملاء الذين اضطلع أبو عباس بتنسيق عبورهم إلى العراق طلاب ليبيون، وينتمي غالبيتهم إلى مدينة دارنة تحديداً. وقد اتجه الجزء الأكبر منهم إلى العراق «للعمل» كتفجيريين انتحاريين. ويوحي الاختلاف القائم بين أبو عبد الله وأبو عباس بأن المنسقين السوريين عملوا بصورة رئيسة مع مقاتلين ينتمون إلى دول بعينها، وربما مع منسقين معينين من داخل البلاد الأصلية للمقاتلين، بمعنى أنه لا توجد شبكة واحدة داخل سورية تُعنى بتمرير المقاتلين إلى العراق، وإنما الكثير من الشبكات.