عسكري أميركي: تجربة الصحوة في الأنبار لا يمكن تطبيقها بالموصل

سكان الموصل يشكون سوء الخدمات: لم نعد نكره الأميركيين بل غاضبون من الحكومة

TT

كان فلاح محمد يتطلع بعيدا وهو يتحدث عن تهديد المتشددين له ولأسرته بالقتل ما لم يترك وظيفته الحكومية. وقال محمد وهو حارس سابق في مدينة الموصل في شمال العراق «بعد خطاب التهديد الثالث لم أجد أن الامر يستحق المخاطرة فتركت عملي»، وأضاف «المقاتلون اشاعوا الخوف الشديد في هذا المكان».

ويقتل مسؤولون ورجال أمن على يد مسلحين كل يوم تقريبا في الموصل التي يقطنها 8.1 مليون نسمة والتي مازالت تجاهد للسيطرة على عنف المسلحين في حين تتمتع بقية أجزاء العراق بأفضل وضع أمني منذ سنوات.

وتراجعت الهجمات في الموصل ومحافظة نينوى منذ ان كثف العراق هجومه على تنظيم القاعدة السني ومقاتلين آخرين في مايو (أيار) الماضي. فازدحمت الأسواق وزادت حركة المرور. لكن السكان يقولون ان الخوف مازال جاثما على الموصل وهي بوتقة قديمة انصهرت فيها الجماعات العرقية والطائفية. وقالت نسرين مصطفى ربة بيت «الناس هنا خائفون جدا... كنا نسمع الانفجارات قبل العملية ومازلنا نسمعها حتى الان. فما الذي تغير». ويقول مسؤولون من الجيش الاميركي ان الهجمات تراجعت من نحو 130 هجوما اسبوعيا قبل مايو الى نحو 30 هجوما اسبوعيا في نينوى في يوليو (تموز) قبل ان تزيد مرة أخرى الى ما بين 60 و70 هجوما اسبوعيا.

وقال الميجر ادم بويد ضابط المخابرات العسكرية الاميركي بالموصل «انها هجمات مثل اطلاق النار من سيارة عابرة على رجال شرطة عراقيين». وأضاف «هناك حملة ترويع ضد قوات الأمن العراقية لإثارة الشعور بعدم الأمان بين السكان».

وقبل أسبوعين حاول المسلحون قتل اللواء رياض جلال توفيق قائد العمليات العسكرية في نينوى بقنبلة على الطريق. وقتل اثنان من أساتذة جامعة الموصل في الاشهر الثلاثة الماضية.

وتجوب دورية عسكرية أميركية شوارع الموصل عابرة شارعا رئيسيا مدمرا لا يقف فيه مبنى سليما. فكتل الخرسانة المحطمة من الاسقف تتدلى فوق الجدران المدمرة. والانقاض متناثرة في الشوارع. والمركبات تعبر جسرا على نهر دجلة وسط رائحة الصرف الصحي التي تزكم الانوف. لكن كما اتضح من تجربة محافظة الانبار فان حتى أكثر المناطق عنفا في العراق يمكن أن يتغير حالها.

وكانت محافظة الأنبار الصحراوية تحت سيطرة المسلحين منذ 2006 لكن هذا الشهر سلم الجيش الاميركي السيطرة الامنية عليها للقوات العراقية بعد أن انضم شيوخ قبائل سنية لصفوف الجيش في طرد تنظيم القاعدة من المحافظة.

ولا يتوقع المسؤولون الاميركيون ان يتحقق نصر مثل الذي حدث في الأنبار بسهولة في شمال العراق حيث السكان خليط من السنة والشيعة والعرب والاكراد والتركمان والأكراد اليزيديين والمسيحيين الأشوريين. على عكس الانبار التي تقطنها أغلبية ساحقة من المسلمين السنة.

وقال اللفتنانت كولونيل روبرت موليناري ضابط عمليات الجيش الاميركي في الموصل «الحوار في الأنبار بين شيوخ مستعدين لتنحية خلافاتهم جانبا.. كان من اسباب نجاحهم هناك». وأضاف «لا نرى ذلك هنا في نينوى. الحكومة المحلية غير مستعدة لمثل هذا النوع من الحوار».

والافتقار للثقة بين العرب المكون الرئيسي لقوات الشرطة وبين الاكراد الذين يشغلون أغلب المناصب العسكرية يعطل عمل المخابرات. وفي مكتب حار رطب به مروحة واحدة حيا ادم كانون الكابتين بالجيش الاميركي اثنين من ضباط الجيش العراقي بلغتهما الكردية ثم سلمهما قائمة بالمشتبه ان يكونوا من المسلحين.

لكن الرائد جاهر باهوالدين قال ان هناك مشكلة وهي ان نسبة ضئيلة فقط في المناطق السنية العربية هي الراغبة في فتح حوار، وقال لوكالة رويترز «انهم لا يساعدوننا... انهم يفضلون عدم التعاون مع الاكراد.. نحاول ان نبلغهم اننا هنا لنخلي المنطقة من المسلحين. وحتى عندما يرغبون في المساعدة فان خوفهم يمنعهم من الحديث».

وقال كانون ان ضباط الجيش الاكراد لا يثقون بالعرب ولا يتبادلون المعلومات مع الشرطة. ويحتفظ العديد من الاكراد بذكريات سيئة عن القمع الذي مارسه الرئيس الاسبق صدام حسين عليهم في الثمانينات من القرن الماضي. وفي نهاية الامر يقول الضباط ان النجاح سيعتمد على انعاش الاقتصاد في هذه المدينة المدمرة التي تمتد أمام الجدران المحطمة لمدينة نينوى الاشورية القديمة. فالعاطلون يسهل اجتذابهم الى الجماعات المسلحة والسكان كاد صبرهم ينفد من بطء إيقاع إعادة البناء.

وقال سعد محمد رشيد الجندي السابق في جيش صدام والذي يدير متجرا الان «هناك الكثير الذي يتعين إصلاحه وهم لا يفعلون ذلك... تنقصنا المياه والكهرباء. لم نعد نكره الأميركيين بل ينصب غضبنا على الحكومة».