البابا يدعو في باريس لحوار بين السياسة والدين على شكل «العلمانية الإيجابية»

قال إن فرنسا في صميم صلواته

الرئيس الفرنسي وزوجته يتبادلان الهدايا مع بابا الفاتيكان في قصر الاليزيه أمس خلال زيارة البابا لفرنسا (أ.ب)
TT

دافع البابا بينيديكتوس السادس عشر والرئيس نيكولا ساركوزي أمس عن ضرورة قيام حوار بين السياسة والدين على شكل «العلمانية الايجابية» التي تكلم عنها الرئيس ساركوزي. وأشار الرئيس الفرنسي انه شرعي للديمقراطية وغير مخل للعلمانية التحاور مع الديانات. أما البابا فدعا الى تفكير جديد حول المعنى الحقيقي للعلمانية وشدد على التمييز بين السياسي والديني في بداية زيارته لباريس.

وصل البابا بينيديكتوس السادس عشر أمس الى العاصمة الفرنسية في زيارة تستمر أربعة أيام في مسعى لإقناع الفرنسيين بان الدين يمكنه ان يلعب دورا ايجابيا في المجتمعات العلمانية الحديثة. وخرج الرئيس الفرنسي عن البروتوكول واستقبل البابا برفقة عقيلته كارلا لدى هبوطه في مطار اورلي في باريس.

وقابل البابا بعد ظهر أمس وفدا من الجالية اليهودية والإسلامية قبل المحاضرة التي ألقاها في معهد الإخوة البرنارديين أمام عدد غفير من المثقفين. وشدد أمامهم على دور الطوائف في مجتمعنا المتعدد الثقافات.

وأعلن البابا «ان الهدف الأول من زيارته هو إحياء الذكرى الـ150 لظهور العذراء في مدينة لورد» وانه أراد محطة في باريس التي يعرفها جيدا، مشيرا الى «ان فرنسا في صميم صلواته».

وكان محطته الأولى قصر الاليزيه حيث استقبله الرئيس ساركوزي في باحة القصر ثم توجها الى صالون مورا حيث تبادلا الهدايا قبل اجتماع مغلق لمدة 15 دقيقة جرى خلاله البحث في مواضيع دينية واجتماعية ولعرض للمسائل الدولية والوضع في جورجيا، وكان مستقبل المسيحيين الشرقيين موضوع اهتمام مشترك للبابا وللرئيس ساركوزي الذي لمح في كلمته عن وضع الكنيسة الشرقية.

وامام عدد من الرسميين ورجال الدين ألقى الرئيس الفرنسي كلمة شدد فيها على العلمانية الايجابية رغم الجدل القائم في المجتمع الفرنسي حول فصل الدولة عن الدين، ووصف ساركوزي «رفض الحوار مع الديانات بالجنون» و«بخطأ تجاه الثقافة والفكر» لذلك دعا الى علمانية ايجابية تحترم، وتجمع، وتحاور وليس بعلمانية تنبذ وتدين. وأوضح «لا نريد ان نقدم احد على احد ولكننا نضطلع بجذورنا المسيحية».

وفي جوابه دعا البابا الى «تفكير جديد» حول المعنى الحقيقي للعلمانية، مشددا على التمييز بين السياسي والديني. كما انه أشاد بمفهوم «العلمانية الايجابية» الذي استخدمه ساركوزي. وأضاف «في هذه اللحظة التاريخية حيث تتقاطع الثقافات أكثر فأكثر فأنني مقتنع بأنه أصبح ضروريا إطلاق تفكير جديد حول المعنى الحقيقي للعلمانية وأهميتها» وتابع «من الضروري ان نركز على التمييز بين الديني والسياسي من اجل ضمان الحرية الدينية للمواطنين ومسؤولية الدولة إزائهم».

وشدد البابا على «دور الدين الذي لا بديل منه من اجل تشكيل الوعي والمساهمة التي يمكن ان يقدمها مع جهات أخرى في إيجاد وعي أخلاقي أساسي في المجتمع، معتبرا ان المسيح هو أول من وضع مبدأ فصل السياسي عن الديني، مشيرا الى عبارته «أعطي لقيصر ما لقيصر ولله ما هو لله».

وكان البابا قد أعلن على متن الطائرة التي أقلته الى باريس «ان العلمانية لا تتناقض والدين وانه ينبغي ان يبقى الدين والسياسة منفتحين على بعضهما»، منوه «بان وجود القيم المسيحية امر أساسي لخلاص أممنا ومجتمعنا.

وقبل صلات العصر في كاتدرائية نوتردام حيث خاطب الشباب ألقى محاضرة أمام ممثلين عن الأوساط الثقافية والدينية في معهد الإخوة البرنارديين تطرق خلالها الى دور الإيمان وعلاقته بالحكمة في المجتمع المعاصر.

وينتظر اليوم مشاركة 250 ألف شخص في القداس المقرر في ساحة «الانفاليد» حيث يتوقع ان يشكل فرصة لدعوة الكاثوليك الفرنسيين الى «يقظة روحية». وفي لورد بجنوب فرنسا التي يصلها بعد ظهر اليوم سيكون البابا مجرد حج في المغارة حيث ظهرت مريم العذراء على برناديت سوبيرو سنة 1858.