سوق العمل في البصرة يمتلئ بالأيتام والمسنّين والأرامل.. وسط غياب قوانين الرعاية

الأطفال يبيعون على الأرصفة.. ومسنون تجاوزوا السبعين ينتظرون فرص عمل

مسنة تصنع تنور فخار في البصرة («الشرق الأوسط»)
TT

يتدافع آلاف من المسنين والأرامل والأيتام بالمناكب منذ ساعات الصباح الأولى مع الشبان العاطلين عن العمل في محافظة البصرة الغنية بالنفط لانتزاع فرصة عمل توفر القوت اليومي لعوائلهم، حاملين على أكتافهم سنوات من معاناة اليتم والفقر والعوز والأمراض المزمنة، على أمل تشريع حزمة من مسودات قوانين الرعاية الاجتماعية التي طال انتظارها في أروقة البرلمان العراقي.

توردت وجنتا زهراء بدر، 7 أعوام، خجلا وهي تروي حكاية ولوجها إلى البيع في الأسواق بهذا العمر المبكر، وتآلفها مع الفقر والحرمان الذين تعيشهما منذ أن رأت عيونها الصغيرة النور، وقال ل»الشرق الأوسط»، » صرت يتيمة وأنا في المهد، قتل والدي في الحرب، هكذا تقول لي أمي، اقتني في الصباح كمية من بائع الجملة مائة كيس تسّوق، وأقوم ببيعها على المبضعين بالمفرد وفارق السعر يحقق لي موردا بما يعادل دولارا ونصف الدولار يوميا».

وتنتشر مجاميع من الأطفال من امثال زهراء في الأسواق، يعملون لحسابهم أو عند الغير، ينسجون أحيانا قصصا هي اكبر من خيالهم عن أوضاعهم العائلية الصعبة وعدم قدرتهم على التماثل مع أقرانهم في مواصلة الدراسة وان اختلفت حكاياتهم لكنهم يشتركون في التوصيف فمنهم أيتام وهم الأغلبية وآخرون من عوائل اما مهجرة او الوالد معاق أو مريض أو منهم من يعيش مع زوج الأم.

ولم يكن قاسم كحيط، 84 عاما، باحسن حال من الأيتام فهو واحد من بضع مئات من أمثاله الذين يفترشون مسطر عمال البناء في ساحة أم البروم وسط البصرة بانتظار فرصة عمل ليوم واحد يسد باجرها رمق عائلته، ويقول انه مسؤول عن إعالة أربعة من أفراد عائلته وهن من النساء إذ لم يرزق بذكر يعينه.، وأضاف انه غير قادر على أداء الأعمال الصعبة لكن بعض اصحاب أعمال البناء يشغلونه رأفة بحاله، مؤكدا أن «الحالة باتت صعبة بالمدينة بعد شح فرص العمل وارتفاع أسعار المواد الغذائية». فيما يرى صاحب عمران، 79 عاما، انه تمكن من إيجاد فسحة عمل تتلاءم وقدرته الجسدية من خلال بيع علب السجائر وقناني المشروبات الغازية في ركن من سوق العشار، تمكن من خلاله أن يوفر العيش بالحد الأدنى لعائلته. فيما اعتمدت روضة الأسدي، أرملة 55 عاما، حرفة أخرى باقتحام السوق وسد احتياجات العائلة من تربية وبيع الدواجن، قائلة إنها اعتادت على تربية الدواجن وبيع بيضها والكبار منها في الأسواق، مؤكدة «صعوبة العيش». وترى آمنة البطاط عضو مجلس محافظة البصرة ان «ولوج النساء والرجال من كبار السن والأطفال والأرامل ميادين العمل حالة استثنائية تدعو إلى الرثاء».

وأوضحت البطاط لـ«الشرق الأوسط» ان «صوت المرأة في كل المجالات مازال غير مسموع رغم حيازتها نسبة الربع في مجلس النواب، وإن جل الاهتمام يتركز حول منح الحقوق الدستورية للمرأة وإبقاء نسبة تمثيلها وإبراز دورها في المواقع السياسية والاقتصادية والعلمية، فيما أهملت مسودات القوانين التي تضمن الحياة الكريمة لقطاعات واسعة من المجتمع وانتشال المرأة والطفل والمسن من الواقع المؤلم الذي يعيشونه في الأحياء الفقيرة». ويرى الدكتور رحيم سيف، اختصاصي الأمراض النفسية والاجتماعية، أن «الطفل يشعر بالحزن والتوتر الشديد وعدم الثقة بالنفس عندما يرى أن الظروف التي يعيشها قد حرمته من محاكاة أمثاله ومشاركتهم متعة التعليم إذ يمضي أوقات الفسحة لوحده، ولا يستطيع التركيز وقد يتطور الموضوع إلى ظهور معاناة وعقد نفسية وأعراض عضوية واضطرابات النوم».

ولعدم وجود مراكز علمية خاصة بإعداد البحوث والدراسات وتوفير التقارير والإحصائيات التي تعنى بالأحوال الاجتماعية في جامعة البصرة ومنظمات المجتمع المدني بالمحافظة فقد أكدت معظم الدراسات التي أصدرتها المنظمات الإنسانية أن أكثر من مليون طفل في العراق الذين دخلوا ميادين العمل يتعرضون إلى العنف والانتهاكات الجنسية نتيجة اتساع دائرة الفقر الذي بلغت نسبته نحو 33 في المائة من سكانه يعيشون تحت خطه، وأظهر مسح أن نحو مليون و300 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاماً يعملون، وهذا يمثل 6.1 في المائة من السكان. وكشفت ان ساعات العمل الطويلة التي يعمل فيها الأطفال حيث يعمل 27 في المائة منهم أكثر من ثماني ساعات يوميا وهناك أكثر من مليون أرملة.