المصالحة المسيحية في لبنان تواجه البحث عن آلية

بعد المصالحة الدرزية والسنية ـ العلوية

TT

يبدو أن المصالحات التي بدأت في جبل لبنان على المستوى الدرزي بين خصمي الأمس النائب وليد جنبلاط ووزير الشباب والرياضة طلال ارسلان، وتحولت الى الاعلان عن تحالف سياسي بين القيادتين الدرزيتين لمناسبة حادثة اغتيال الشيخ صالح العريضي، عضو المجلس السياسي في الحزب الديمقراطي، فتحت الطريق واسعا امام مصالحات اخرى حصلت على الارض او يجري الاعداد لها في الكواليس السياسية.

وإذا كانت «مصالحة الجبل» قد اسقطت فتنة درزية ـ درزية، او فتنة درزية مع جوار الجبل، ومصالحة طرابلس التي تولاها النائب سعد الحريري بين «باب التبانة» ذي الطابع السني، و«جبل محسن» ذي الطابع العلوي، أسقطت الفتنة الشمالية التي كان يفترض ان تكون لها ارتدادات اوسع من الساحة الشمالية وحتى المحلية، فان الاصوات السياسية المسيحية بدأت ترتفع في كل اتجاه من اجل مصالحة بين القوى السياسية المسيحية الاكثر تناحرا والاكثر تجاذبا. ويمكن تسجيل اكثر من موقف في هذا التوجه، في حين ان الشارع المسيحي متشوق للخلاص من الانقسامات الحادة والترسبات المؤلمة، حرصا على الحد من هجرة الشباب، ومعالجة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

والموقف الابرز حيال الدعوة الى المصالحة المسيحية ـ المسيحية هو دعوة رئيس لجنة الادارة والعدل النيابية روبير غانم خلال زيارته البطريرك الماروني نصر الله صفير الى سلوك القوى السياسية المسيحية طريق المصالحات، وكأن غانم أراد الإيحاء بأنه ناقش والبطريرك الماروني هذا الموضوع.

ويأتي موقف نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان خلال زيارته أول من امس المقر البطريركي يدعم هذا التوجه من خلال قوله ان «القوات اللبنانية منفتحة على اي مصالحة مسيحية، مع اي حزب او تيار»، ويعزز هذا الانفتاح امتناع رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات» سمير جعجع عن مهاجمة خصومه المسيحيين بصورة مباشرة، بخلاف ما كان يحصل في الفترات السابقة.

والى هذين الموقفين، تأتي زيارة وفد من حزب «الكتائب اللبنانية» قبل يومين الى منزل الوزير السابق سليمان فرنجية المتحالف مع العماد ميشال عون.

وحتى الآن لم يصدر أي موقف في هذا الاتجاه من النائب ميشال عون او اي نائب من «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يعتبر أكبر تكتل نيابي مسيحي، إلا ان عضو التكتل النائب نعمة الله ابي نصر اكد لـ «الشرق الاوسط»: «نحن جاهزون لأي مصالحة. فالبلد، والمسيحيون خصوصا، شبعوا انقسامات وتجاذبات. نحن حاولنا المصالحة اكثر من مرة ولكن الظروف كانت تعرقل جهودنا». ونفى علمه بوجود مساع فعلية في هذا الاتجاه حتى الآن، او بوجود آلية معينة لإجراء المصالحة «إلا اذا كان هناك حديث مع العماد عون في هذا المجال، ونحن لم نتبلغه بعد».

أما النائب الدكتور بيار دكاش، الذي يعتبر حلقة الوصل بين كل القوى والأحزاب والتيارات المسيحية، والذي لعب اكثر من دور توفيقي على المستويين المسيحي والوطني، فأكد لـ«الشرق الاوسط»: «انا أصلي قبل ان ادعو الى المصالحة المسيحية ـ المسيحية، وصولا الى المصالحة اللبنانية الكاملة الشاملة. ومن دون هذه المصالحات ستواجهنا ايام اكثر صعوبة. فلنتذكر جميعنا ما تعرض له لبنان من مآس منذ محاولة اغتيال الزميل مروان حمادة، واغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر السياسيين والأعزاء، فهل نريد ان نطيل اللائحة بعد».

ولفت دكاش الى انه اول من بادر الى توافق مسيحي كجزء من التوافق الوطني بعد وفاة النائب الدكتور ادمون نعيم «وقد استطعت شخصيا ان اجنب المنطقة انقساما سياسيا حادا من خلال فوزي بموافقة كل القوى السياسية المسيحية على ترشحي، ولن أتوقف عن دق أبواب المصالحة مجددا، وانا ادعم كل جهد في هذا الاتجاه، ومن اي جهة أتى. البلد بحاجة الى انقاذ والناس تحتاج الى خلاص، والمسيحيون اليوم هم الأكثر حاجة للمصالحة لأنهم الأكثر انقساما وتشرذما».