العراق: الجيش الأميركي يحذر من توسع كردي في بلدات عربية مجاورة لكردستان

عرب في جلولاء يشكون من «التكريد».. ومحافظ خانقين: كلنا بيشمركة وإن انسحب الأكراد

مقاتلون في قوات البيشمركة الكردية يستعرضون سلاحهم في اربيل عاصمة اقليم كردستان، امس (ا ف ب)
TT

قام القادة الأكراد بتوسيع سلطتهم على أكثر من حوالي 300 ميل من الأراضي فيما وراء حدود إقليمهم الذي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق، وقد تم نشر الآلاف من الجنود الأكراد في المناطق المختلطة عرقيا والتي يراها العراقيون العرب تعديا على موطنهم.

وينظر العراقيون العرب والمسؤولون الأميركيون إلى السيطرة الكردية، التي تزايدت مع مرور الوقت منذ بداية الحرب والتي تسببت في تهجير الآلاف من العراقيين العرب وتركهم لمنازلهم، على أنه عمل استفزازي ويدمر الاستقرار القائم. ويقول اللواء مارك بي هرتلنج قائد القوات الأميركية في شمال العراق مشيرا إلى حكومة إقليم كردستان: «إنهم يتحركون بسرعة إلى تلك المناطق في محاولة لتغيير التركيبة السكانية، ويرفعون أعلام إقليم كردستان على المناطق غير الخاضعة للإقليم على الإطلاق، وهذا عمل من شأنه أن يزيد التوترات في الإقليم وسيأتي بنتائج عكسية».

ولطالما حلم أكثر من 25 مليون كردي بإقامة دولتهم المستقلة والتي تضم أجزاء من إيران والعراق وسورية وتركيا، لكن أيا من تلك الدول لن يرضى بذلك، فالجميع يعارضون الفكرة عدا العراق، ولطالما أصر الأكراد العراقيون على أنهم لا يسعون إلى الحصول على الاستقلال، بالرغم من استمرارهم في توسيع نطاق سلطاتهم في الأراضي العراقية.

وفي مقابل تلك الاستراتيجية التي يقوم بها الأكراد وإدراكا لمخاطر التحركات الكردية، قامت الحكومة العراقية والتي يترأسها نوري المالكي في الأسابيع الماضية بإرسال الجيش العراقي لطرد القوات الكردية من بعض المناطق وأمرت القوات الكردية والمعروفة باسم البيشمركة بالتراجع صوب حدود إقليم كردستان.

والمواجهة بين القوات العراقية وقوات البيشمركة أثارت مخاوف من نزاع عربي ـ كردي، فالعراقيون لا يزالون يتعافون بعد سنوات من العنف الطائفي بين السنة والشيعة.

وبينت الرحلة التي استغرقت أسبوعا للمحافظات الأربع التي تشكل الحدود الجنوبية للإقليم كيفية الوجود المكثف للأكراد هناك، فمقاتلو قوات البيشمركة يسيطرون على 34 نقطة تفتيش، أغلبها ترفع العلم الكردي، مزهوة، وبعض تلك النقط تقع على بعد 75 ميلا من حدود الإقليم.

ويقول الأكراد إن لديهم حقوقا تاريخية في تلك الأراضي؛ فالرئيس السابق صدام حسين استخدم القوة ضدهم وطردهم من تلك الأراضي في السبعينيات.

وقد قام الأكراد بتوسيع سلطاتهم في بلدة جلولاء التي تقع على بعد ثمانية أميال من إقليم كردستان، والتي تقطنها أغلبية عربية، خلال العام الماضي، حيث تقوم كل من قوات البيشمركة والشرطة الكردية وقوات الأسايش (الامن الكردي) بتسيير دوريات في المنطقة. ويشير محافظ البلدة الكردي الذي يسكن في شمال الحدود الإقليمية الكردية، نظرا لأن المنطقة تتمتع بالأمن، إلى أن الحكومة الكردية تسهم بنصيب أكبر في ميزانية المنطقة السنوية، 15 مليون دولار، بأكثر مما تخصصه لها الحكومة العراقية لها. وتساءل نهاد علي، قائد إحدى الكتائب الكردية وكالة، والتي تتكون من 150 فردا وتتمركز في جلولاء والتي تعد أحد المقرات التي ترفع العلم الكردي وإلى جوارها قوات الشرطة العربية المحلية: «من يستطيع أن ينكر أننا جعلنا تلك الأرض جزءا من إقليم كردستان؟ من الذي ينفق الأموال هنا؟ من الذين رووا بدماء شهدائهم المنطقة هنا؟ إن هؤلاء الناس يعتمدون في كامل حياتهم بشكل كامل على الأكراد، ونحن بدورنا لن نستطيع التخلي عنهم».

لكن السكان العرب في المدينة والذين يبلغ قوام سكانها 70.000 يتوقعون ما سموه حملة إبعادهم عن أرضهم. ويقول أحمد صالح الحناوي النعيمي، أحد زعماء القبائل العربية في المدينة والذي كانا ضابطًا سابقًا إبان عهد الرئيس السابق صدام حسين، ان القوات الكردية قامت بسجن وخطف وقتل أكثر من 40 عربيا في الآونة الأخيرة في محاولة لـ«تكريد» المنطقة، وهو الاتهام الذي ينفيه المسؤولون الأكراد بصورة تامة. ويقول النعيمي الذي يزعم أن المنطقة غالبية سكانها، 85 إلى 90%، من العرب على الرغم من أن الأكراد يقدرون العدد بأنه ما بين 50 إلى 60%. «نحن الآن رهن احتلالين أحدهما الاحتلال الأميركي والثاني الاحتلال الكردي، والأخير هو الأكثر سوءا ويدفع الأفراد إلى التحول إلى الإرهاب، والمنطقة الآن على شفير الانفجار».

ومع طلبات كثيرة من العرب من شخصيات من أمثال النعيمي قام الجيش العراقي بإصدار الأوامر إلى اللواء الرابع من البيشمركة بالانسحاب في غضون 24 ساعة من جلولاء والمناطق المحيطة بها. ورفضت قوات البيشمركة تنفيذ الأمر في البداية، معللة بأنها لم تقتل سوى متمردين وأنهم في المنطقة لحماية المدنيين وليس لاحتلالها، غير أنه بعد مفاوضات سياسية عالية المستوى انسحبت الفرقة المكونة من 4.000 جندي إلى أحد أكبر المدن الكردية وهي خانقين والتي تبعد 16 جنوب حدود الإقليم، وبعد أسبوعين قام انتحاري بتفجير نفسه في مقر لجنود الشرطة في جلولاء وقتل 28 شخصا، وقد ألقى الأكراد باللائمة في الانفجار على المتمردين السنة ورد العرب بأن الأكراد هم الذين يقفون وراء الانفجار.

كما وافق المسؤولون الأكراد على سحب قواتهم من خانقين طالما أن الجيش العراقي وافق على ألا يدخلها. وقال جعفر مصطفى علي وزير الدولة بالحكومة الكردية لشؤون البيشمركة «لن نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي في المناطق محل النزاع ونرى الأكراد يقتلون، وسوف ندخل إلى تلك المناطق ما إن تخرج الحكومة العراقية».

وقال محافظ خانقين محمد ملا حسن، إن «المدينة ستظل تحت السيطرة الكردية حتى وإن خرجت القوات كلها فإننا بيشمركة الآن». وباتت خانقين الآن كمدينة اصطبغت بالصبغة الكردية؛ فاللافتات مكتوبة باللغة الكردية والأحاديث بين السكان لا تكون إلا بالكردية والمباني الحكومية ترفع العلم الكردي بدلا من العراقي وصور مسعود بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان معلقة على الجدران بدلا من صورة المالكي، وقد طلب من العرب الحصول على هويات كردية لدخول المدينة. ويقول فؤاد حسين رئيس هيئة الأركان لدى مسعود بارزاني «لا نحاول السيطرة على المنطقة ـ فنحن نسيطر عليها بالفعل ـ وهناك حقيقة على الأرض في المناطق محل النزاع الآن وهو أمر لا يمكن تجاهله». واتهم حسين المالكي بانتزاع أراض تخص الأكراد بالقول «إنهم يريدون طردنا من المنطقة وبعضهم يرغب في طرد الأكراد خارج العراق».

وقد وافق القادة الأكراد على إنها وجود البيشمركة من مناطق مثل جلولاء وخانقين لمنع أي تقويض لسلطاتهم على تلك الاراضي التي تشكل 7% من مساحة العراق. ويقول الأكراد والعرب، حتى أولئك الذين يقطنون في أماكن لا توجد بها أعداد كبيرة من البيشمركة، إن تلك الأراضي خاضعة للسيطرة الكردية، وبالرغم من أن مصير كركوك لم يتحدد بعد فكلا الجانبين يعترفان بأن المدينة تدار من قبل الأكراد، فمحافظ المدينة كردي وغالبية المدينة أكراد، كما يعترف الجانبان أن أسايش تمتلك أفضل استخبارات بالمدينة.

والكثير من العرب والأكراد في تلك المناطق يتبادلون الأحاديث عن معاناتهم الشخصية والقمع، فبالنسبة للأكراد تدور أحاكيهم حول المعاناة التي لقوها إبان فترة حكم صدام والذي أدت حملته لتعريب المدينة إلى طرد عشرات الآلاف من الأكراد من منازلهم لإحلال العرب محلهم، أما العراقيون العرب الآن فيتهمون القوات الكردية باتباع أساليب مماثلة.

وربما يعد السؤال عن الحدود الفعلية لإقليم كردستان أكثر الأسئلة المثيرة للجدل سياسيا في العراق، فقد طالب الدستور العراقي بوضع التنافس في الاعتبار ومنها الإجماع والاستفتاء، لكن القرار الذي وضع 2007 كحد نهائي لتقرير المصير انتهى ولا يزال الأمر غير واضح عما سيحدث.

وقد حاول المسؤولون الأميركيون والغربيون، خشية أن تؤدي المسألة إلى تقويض المكاسب الأمنية التي حصلت عليها في الآونة الأخيرة، مثل ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الى العراق، بإقناع الجانبين بالاحتكام إلى قانون الأمم المتحدة وتقديم تقارير حول كركوك والأماكن الأخرى المتنازع عليها كجزء من استراتيجية «لنزع فتيل الأزمة معضلة الاستفتاء حول كركوك»، والتي يقول عنها الأكراد إنها «قدسنا» بسبب ارتباطهم العاطفي والتاريخي بالمدينة ولأنها تمتلك، حسب التقديرات، ما يقارب 7% من الاحتياطي النفطي العالمي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص «الشرق الأوسط»)