وكالة الطاقة: تحقيقاتنا في إيران حول تطوير رأس نووي وصلت إلى طريق مسدود

قالت في تقريرها الجديد إن آلات الطرد المركزي ارتفعت لـ3820 * خبراء: الصواريخ الذكية التي اشترتها إسرائيل يمكن أن تهدد مواقع تحت الأرض في غزة أو لبنان.. وليس إيران

TT

في واحد من أكثر تقاريرها انتقادا لإيران، قالت وكالة الطاقة الذرية امس إن تحقيقاتها المتعلقة بالجانب العسكري للبرنامج النووي الإيراني والأبحاث الإيرانية لانتاج رأس نووي حربي وصلت لطريق مسدود، موضحة أنها لا تستطيع إصدار حكم حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني. كما قالت الوكالة ان إيران عززت أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، وأن عدد آلات الطرد المركزي ارتفعت من 3300 في مايو (أيار) الماضي الى 3820 الآن. الى ذلك وفيما تواصل إيران مناوراتها العسكرية الجوية، قال خبراء أمس إن الصواريخ الذكية التي قررت اميركا بيعها الى اسرائيل والتي تستطيع الوصول الى مواقع محصنة تحت الأرض يمكن أن تستخدم ضد مواقع تحت الارض لتنظيمات في لبنان او قطاع غزة، لكنها من المستبعد ان تشكل تهديدا للمواقع النووية الإيرانية. وحول تعاون إيران مع تحقيقات وكالة الطاقة الذرية، قالت الوكالة في تقريرها أمس والذي جاء في 6 صفحات واطلعت «الشرق الأوسط» عليه، إن مفتشي الوكالة لا يستطيعون تأكيد أو عدم تأكيد تقارير مثيرة للقلق حول إجراء إيران أبحاثا على تطوير رأس حربي نووي. وقالت الوكالة في تقريرها، الذي سيعرض على مجلس أمناء وكالة الطاقة الأسبوع المقبل: «للأسف لم تتمكن (الوكالة) من تحقيق أي تقدم جوهري بشأن الدراسات المزعومة (حول عسكرة البرنامج النووي الإيراني) وبقية المواضيع الرئيسية المرتبطة بهذا البرنامج التي لا تزال مصدر قلق شديد».

وتشير الدراسات التي تحقق الوكالة في صحتها الى أن ايران ربما حاولت تطوير رأس حربي نووي وتحويل اليورانيوم وتجربة مواد عالية الانفجار تشبه تفجيرا نوويا. الا أن ايران لم تفعل الكثير لدحض هذه المزاعم واكتفت بوصف الوثيقة التي تدعمها بانها «مزورة» و«مفبركة»، حسب الوكالة.

وتم الكشف عن الدراسات حول العسكرة المحتملة للبرنامج النووي الايراني في فبراير (شباط) الماضي. وتصف الدراسات التي وجدت في إيران، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عملية معالجة اليورانيوم بحسب الطرق المستخدمة في صناعة الرؤوس النووية الحربية. وجاء في التقرير انه لكي تحرز إيران تقدما فان عليها أن «توضح مدى صحة المعلومات الموجودة في الوثيقة وكيف برأيها يمكن أن تكون هذه المعلومات قد عدلت أو كيف ترتبط بأهداف بديلة غير نووية». وأضاف التقرير أن على ايران أن تقدم للوكالة معلومات مهمة لدعم نفيها القيام بابحاث متعلقة بعسكرة أنشطتها النووية، والسماح بالاطلاع على وثائق أو اشخاص على صلة بهذا الموضوع». وجاء في التقرير انه اذا لم تبد ايران «مثل هذه الشفافية.. فلن تتمكن الوكالة من تقديم ضمانات موثوقة حول عدم وجود مواد ونشاطات نووية غير معلنة في ايران». وبينما تنفى إيران قيامها بتفجيرات ذات شحنات تفجيرية ضخمة، فإن التقرير يشير الى معلومات بأن هذه التجارب «ربما انطوت على مساعدة من الخبرة الأجنبية». وتابع التقرير انه اضافة الى ذلك «وفي مخالفة لقرارات مجلس الامن الدولي، فان ايران لم تعلق نشاطاتها لتخصيب اليورانيوم». ونصبت ايران سلسلة جديدة من اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، وتقوم بتجربة اجهزة طرد مركزي اكثر تطورا. وقال التقرير إن ايران رفعت عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم الى 3820 جهازا مقارنة مع 3300 جهاز في مايو (ايار) وأنه يجري تركيب أكثر من 2000 جهاز اخر. وأشار التقرير الى أن ايران أمامها شوط طويل فيما يبدو قبل الوصول لمرحلة تخصيب كم كاف من اليورانيوم يمكنها من صنع قنبلة نووية ان هي أرادت ذلك. وتقول ايران انها تعكف على تخصيب اليورانيوم لتوليد الطاقة الذرية لاغراض مدنية وحسب.

وقال مسؤولون بالامم المتحدة ان لدى ايران حتى الان مخزون من اليورانيوم يزن 480 كيلوجراما مخصبا بدرجة منخفضة وستحتاج الى 1700 كيلوجرام لتحويله الى يورانيوم مخصب بدرجة عالية لصنع قنبلة ذرية. وحسب التقرير فان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي «حث ايران على تطبيق كافة الاجراءات المطلوبة لبناء الثقة بشان الطبيعة السلمية الحصرية لبرنامجها النووي في اقرب موعد ممكن».

ورفضت مسؤولة في مقر وكالة الطاقة الذرية بفيينا تحدثت لـ«الشرق الأوسط» وصف التقرير بأنه من أسوأ التقارير التي تصدرها وكالة الطاقة حول مدى تعاون إيران معها. واوضحت المسؤولة التي لا تستطيع الكشف عن هويتها: «من الصعب اطلاق وصف معين على التقرير»، مشيرة الى انه يوضح ان أنشطة التخصيب ما زالت مستمرة وان هناك الكثير من القضايا التي ما زالت عالقة بين طهران ووكالة الطاقة لم يتم حلها، ومن بينها التجارب التي قيل ان طهران اجرتها على تفجيرات شديدة القوة. غير انها اشارت الى ان مستوى تخصيب اليورانيوم ما زال منخفضا ولم يصل بعد إلى المستوى الحرج. وفي أول رد فعل لها على تقرير وكالة الطاقة الذرية، حملت طهران الوكالة مسؤولية تعطيل التعاون، غير أنها تعهدت ايضا مواصلة التعاون مع المنظمة الدولية. وقال مسؤول ايراني في تصريحات لرويترز ان إيران تعهدت بمواصلة التعاون «البناء» مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لازالة جوانب القلق المحيطة ببرنامجها النووي، داعيا الوكالة الى تغيير منهجها.

وقال المسؤول الايراني الذي طلب عدم نشر اسمه «ينبغي للوكالة تغيير منهجها لازالة جوانب القلق المتبقية بشأن النشاط النووي الايراني». وأضاف «سنواصل عملنا البناء وينبغي للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تتبع منهجا قانونيا ومنطقيا يستند الى أدلة». من جانبه، هدد البيت الابيض ايران بعقوبات جديدة ما لم توقف نشاطاتها النووية الحساسة. وقال المتحدث باسم البيت الابيض غوردن جوندرو «ندعو ايران بالحاح الى تعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم واعادة معالجته، والا فسوف يتواصل تطبيق العقوبات التي سبق واقرها مجلس الامن الدولي وقد تفرض عقوبات جديدة». ولم يوضح جوندرو ما اذا كان يتحدث عن عقوبات جديدة اميركية او دولية. وقال ان «هذا التقرير يظهر مرة جديدة ان ايران ترفض التعاون مع الاسرة الدولية. ان النظام الايراني باستمراره في سلوك التحدي الذي يتبعه، يزيد من عزلة الشعب الايراني». ويأتي ذلك بعد اعلان وزارة الخارجية الالمانية ان وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير اجرى محادثات امس مع نظيره الايراني منوشهر متقي حول الملف النووي الايراني. وقال المتحدث باسم الوزارة ينس بلوتنر في لقاء دوري مع صحافيين ان «شتاينماير سينتهز الفرصة ليؤكد مدى جدية الاتحاد الاوروبي ومجموعة الست في العرض المقدم لايران». واضاف ان «خيار اتخاذ اجراءات جديدة في مجلس الامن الدولي يبقى مطروحا اذا لم نتوصل الى اتفاق او يتحقق تقدم». واكد المتحدث الالماني «نفضل الاتفاق وكذلك الجانب الايراني على ما اعتقد».

الى ذلك، أعلنت ايران اجراء مناورات عسكرية في نصف أقاليم الجمهورية الإيرانية وعددها 30 إقليما. وقالت وكالة أنباء الطلبة الايرانية امس «أكد البريجادير جنرال أحمد ميقاني قائد سلاح الجو إن الاعداء سيواجهون برد خطير لاي عدوان وسنفاجئهم ونجعلهم يندمون»، بدون ان تذكر المدة التي تستغرقها المناورات. وأوضحت طهران ان وحدات دفاعية ومن السلاح الجوي الايراني بدأت المناورات العسكرية بهدف اختبار معدات وتعزيز الاستعداد. ويأتي ذلك فيما قال خبراء عسكريون اسرائيليون إن الصواريخ الذكية الالف التي قررت اميركا بيعها الى اسرائيل والقادرة على الوصول الى التحصينات تحت الأرض، يمكن أن تشكل اضافة قوية للقدرات الجوية الاسرائيلية فيما يتعلق بمهاجمة المواقع الارضية لتنظيمات في قطاع غزة او لبنان، معربين عن شكوكهم في ان تكون هذه الصواريخ فعالة فيما يتعلق بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية تحت الأرض.

وكانت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) قد اعلنت يوم الجمعة الماضي موافقتها على بيع الصواريخ الذكية من طراز «بوينغ جي بي يو 39» الى إسرائيل في صفقة تبلغ قيمتها 77 مليون دولار، وتحتاج الى تصديق الكونغرس عليها. وقال البنتاغون ساعتها ان الصفقة تهدف الى مساعدة اسرائيل لتعزيز قدراتها الدفاعية. وقال يفتاه شابير المحلل العسكري في المعهد الوطني للدراسات الامنية في تل ابيب لوكالة اسوشيتدبرس امس ان الصواريخ الذكية الجديدة يمكن ان تستخدم بكفاءة ضد صواريخ «القسام» التي تطلق من غزة، او صواريخ الكاتيوشا التي تطلق من لبنان. فيما أشار شلومو بروم رئيس ادارة التخطيط السابق بالجيش الاسرائيلي الى ان هناك زيادة كبيرة في اخفاء الاسلحة والصواريخ تحت الارض.

وقال بروم: «خلال حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، كان أحد مشاكلنا الاساسية أن الكثير من منصات اطلاق الصواريخ كانت موجودة في تحصينات تحت الأرض». وكانت اسرائيل قد حددت مئة هدف للقصف خلال حرب الصيف مع حزب الله من بينها المكان الذي يختبئ فيه الامين العام للحزب حسن نصر الله، لكن الكثير من مواقع حزب الله لم تستطع الصواريخ الاسرائيلية الوصول اليها. واستبعد الخبيران الاسرائيليان ان تكون هذه الصواريخ الجديدة فعالة ضد المواقع النووية الإيرانية، وبعضها مثل موقع «ناتنز» النووي مبني مئات الامتار تحت الأرض، موضحا ان اسرائيل تحتاج الى اسلحة أشد واقوى من الصواريخ الذكية التي باعتها اميركا. وقال بروم: «صواريخ جي بي يو 39 يمكن ان تخترق نحو مترين من الاسمنت الصلب، وهذا لا يكفي». ويعتقد على نطاق واسع ان المواقع النووية الإيرانية أعمق كثيرا من مترين تحت الأرض.