وثائق سنجار: الظواهري طلب تحويل 100 ألف دولار من «القاعدة» في العراق إلى وزيرستان (8)

الزرقاوي تحول بفضل الإنترنت من قائد من الدرجة الثانية إلى زعيم مخيف.. والتنظيم حصل على 200 مليون دولار من نشاطات إجرامية

TT

على مدار الـ 12 شهرا الماضية، عانى تنظيم القاعدة في العراق من سلسلة من الهزائم الصادمة؛ جاء العديد منها على أيدي زعماء القبائل السنية المحلية التي كانت تنتمي للجماعة. وعلى الرغم من هذا التراجع، ليس من المرجح أن تكون «القاعدة» في العراق قد دمرت تماما. من أجل فهم مستقبل الجماعة بعد الحرب، من الضروري أن نجيب على عدة أسئلة متعلقة بهذا الأمر.

1. ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين «العرب الأفغان»، والمقاتلين الأجانب في العراق الآن؟

2. ما هو الميراث الذي خلفه العرب الأفغان؟

3. ما هو الأثر الذي أحدثته الحرب في العراق على المتطرفين حول العالم؟ هل هناك أي دليل، على سبيل المثال، يؤيد نظرية «ورق الذباب»، التي تقول إنه بمحاربة «الجهاديين» في بغداد، يمكنك إبعادهم عن بوسطن؟

4. ما هو مدى علاقة «القاعدة» في العراق بتنظيم «القاعدة» المركزي؟

5. ما الذي تعلمه المقاتلون الأجانب في العراق ويمكن تطبيقه في أي مكان آخر؟

6. ما هي نقاط الضعف الرئيسة في المقاتلين الأجانب في العراق؟

7. ما هو وضع «القاعدة» في العراق اليوم؟ وما هي استراتيجيتها المستقبلية الممكنة، خاصة بعد الانسحاب الأميركي الحتمي من العراق؟

8. ما هو الدليل على حدوث نتائج عكس المرجوة من حرب العراق حتى الآن، وخاصة زيادة المقاتلين الأجانب؟

9. كيف يمكن أن تتغير هذه النتيجة المعكوسة في المستقبل؟

10. إلى أي مدى تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم لمواجهة مشكلة النتيجة المعكوسة لحرب العراق، مقارنة بما حدث في أفغانستان؟

ويجيب عن تلك الاسئلة من خلال دراسة مكثفة على وثائق سنجار التي عثر عليها الجيش في سنجار داخل حدود العراق تنظيم ما يسمى «بدولة العراق الإسلامية» التابع لـ«القاعدة» بيتر بيرغن أبرز المراسلين الغربيين الذين التقوا اسامة بن لادن في قندهار قبل هجمات سبتمبر، وهو زميل في مؤسسة اميركا الجديدة ومؤلف كتابي «الجهاد: داخل العالم السري لأسامة بن لادن» و«أسامة بن لادن الذي عرفته: تاريخ شفهي لزعيم (القاعدة)». والوثائق الجديدة بعنوان «المفجرون والحسابات المصرفية.. والاستنزاف. طريق (القاعدة) إلى العراق.. الدخول والخروج». يقول بيرغن أوجه الشبه والاختلاف بين «العرب الأفغان» والمقاتلين الأجانب في العراق اليوم يمكن القول: «إنهم أقبلوا من مناطق متشابهة ولديهم أيديولوجيات متطرفة شديدة التشابه. ولكن هناك اختلافات مهمة أيضا تتعلق بحنكة المتمردين اليوم في العراق، ونظرتهم للمستقبل». أوجه الشبه بين العرب الأفغان والمقاتلين في العراق هناك واحد من أوائل المجندين العرب من أجل الجهاد الأفغاني وهو جزائري يعرف أيضا باسم عبد الله أنس. وقد وصل إلى أفغانستان عام 1984، بعد خمسة أعوام من الغزو الروسي. وأقام عبد الله أنس مع كل من عبد الله عزام وأسامة بن لادن مكتب الخدمات الذي يسهل سفر وإقامة المتطوعين الأجانب الذين يريدون المشاركة في الجهاد.

وحيث أن أنس كان واحدا من الرجال الثلاثة الذين أسسوا مكتب الخدمات وأمضى تسع سنوات في أفغانستان، فقد كانت له سلطة تحديد أعداد العرب المقاتلين ضد الشيوعيين. يقول الشيخ أنس إنه حتى في ذروة القتال ضد الشيوعيين كان هناك على أقصى تقدير 500 عربي في أفغانستان في ميدان المعركة. تحدد بعض التقديرات أعداد الأفغان في ميدان المعركة أثناء الحرب ضد السوفيت بحوالي 200.000 فرد. إذا، تبلغ نسبة المقاتلين الأجانب ما لا يزيد على 0.5 في المائة من القوات المقاتلة للسوفيات.

يقول أنس إن أكبر مجموعات فردية من المجاهدين الأجانب أثناء الجهاد الأفغاني كانت سعودية. ويتذكر حسن عبد ربه السوري، وهو مجند سعودي قديم في الجهاد: «عندما ذهبت لأشتري تذكرة للذهاب إلى إسلام آباد، لاحظت أن كثيرين سبقوني إلى مكتب الحجز. وكان هناك حوالي 20 سعوديا شابا من مدن مختلفة على نفس الطائرة».

تحتفل أيديولوجية «القاعدة» في العراق بالأمة، (مجتمع المسلمين المؤمنين في العالم)، وهو مفهوم فوق القومية، لا يعترف بالحدود القومية. وكانت الأيديولوجية الدينية أيضا دافعا لهؤلاء الذين حاربوا في أفغانستان ضد الشيوعيين. سئل عبد الله أنس في مؤتمر بلندن في يناير (كانون الثاني) عام 2008، ما الذي جعله يسافر من بلده الجزائر ليحارب في أفغانستان. أجاب في كلمة واحدة: «الجنة». يمكن أن نجد مشاعر مماثلة في آلاف الصفحات من «مجلة الجهاد»، وهي ناطقة باسم العرب الأفغان الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني، وقد صدر عدة اعداد منها. وأصدر رجال دين مسلمون بارزون فتوى بأن الحرب في العراق وفي أفغانستان جهاد «دفاعي». وقبل الحرب على العراق، أصدر الأزهر فتوى تشير إلى أنه إذا هاجمت قوات «صليبية» العراق، فواجب على كل مسلم أن يقاتل قوات الاحتلال. لم يكن علماء الأزهر وحدهم في هذه الفتوى. فقد دعا العالم الديني اللبناني البارز وأحد رموز حزب الله، الشيخ فضل الله، المسلمين إلى قتال القوات الأميركية في العراق. ويأتي هذا في تناقض حاد مع ما قاله هؤلاء العلماء بعد هجمات سبتمبر؛ فقد أصدر الشيخ فضل الله فتوى تدين من قاموا بالهجمات، وكذلك فعل شيخ الأزهر. ولذا، بينما دان رجال دين مسلمون بارزون هجمات سبتمبر، اباحوا القتال في العراق. كان العرب الأفغان ممولين جيدا بالمساهمات الخاصة في القتال في العراق، ويحصل المقاتلون على تمويل جيد، على الرغم من مصادر دخلهم تختلف عن تلك التي كانت تستخدم أثناء الحرب الأفغانية. ويقول الجيش الأميركي إن جماعات المتمردين في العراق تحصل على 200 مليون دولار في العام من نشاطات إجرامية مثل تهريب البترول، وعمليات الخطف، والاستحلال وما إلى ذلك.

وفي خطاب أرسله عام 2005 إلى أبو مصعب الزرقاوي، طلب أيمن الظواهري تحويل 100.000 دولار من فرع «القاعدة» في العراق إلى «القاعدة» المركزية، حيث يقيم قادته في وزيرستان بالشريط الحدودي، مما يشير إلى أن الظواهري كان واثقا من قدرة «القاعدة» المالية في العراق. وكذلك، كشفت وثائق سنجار تدفق مبالغ مالية كبيرة عبر إمارة «القاعدة» الحدودية، وهي على الحدود العراقية ـ السورية. في الفترة ما بين الأول من ابريل (نيسان) عام 2007، والأول من أغسطس (آب) عام 2007، سجلت «إمارة» «القاعدة» المحلية على الحدود السورية دخلا بقيمة 386.060 دولار، وإنفاقا لمبلغ 173.200 دولار (أنفق 88.600 دولار منها على الأسلحة)، ووصلت أغلبية هذه الأموال (71 في المائة منها كما ذكر في وثائق سنجار) عن طريق المقاتلين الوافدين من خارج العراق. أكبر فرق بين تمويل المقاتلين الأجانب في العراق وأفغانستان هو أن العرب الأفغان في الحالة الاخيرة كانوا يجمعون الأموال علنا. وفي الحقيقة، كانت الحكومات حول العالم في سنوات القتال الافغانية ضد الروس إما تجيز هذا الجهد أو تشجعه. وكان المكتب الرئيس لمكتب «الخدمات» النواة الاولى لـ«القاعدة» في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، في بروكلين في شارع أتلانتك. وقد سافر عبد الله عزام الزعيم الروحي للأفغان العرب، ومن بين الدول التي زارها الولايات المتحدة لتجنيد أفراد من أجل الجهاد في أفغانستان.

وكانت هناك مبالغ ضخمة متاحة من أجل الجهاد. وبالإضافة إلى مليارات من الدولارات التي كانت تصل عبر الاستخبارات العسكرية الباكستانية إلى المجاهدين الأفغان، ذكر أيمن الظواهري في سيرته الذاتية، «فرسان تحت راية النبي» (نشرتها «الشرق الاوسط» على حلقات قبل سنوات)، إن 200 مليون دولار من الدعم غير الحكومي مولت الجهاد الأفغاني. في كل من الجهاد الأفغاني والعراقي، استخدم المقاتلون الأجانب إحدى الوسائل الإعلامية في ذلك الوقت، كان أحد المشروعات الحيوية التي يقوم بها مكتب «الخدمات» هو مجلة الجهاد لسان حال جماعة الظواهري، التي نشرت لأول مرة في خريف عام 1984. كانت المجلة تصدر مرتين شهريا، وفيها أخبار الحرب في أفغانستان وكانت تركز على جهود العرب في مساعدة الجهاد الأفغاني. وعلى مدار الوقت أصبحت مجلة الجهاد أكثر احترافية. في شهورها الستة الأولى كانت المجلة إنتاج هواة باللونين الأبيض والأسود، ثم تحولت الأعداد التالية إلى شكل أفضل يتميز بصور ملونة. وكانت المجلة مهمة من أجل جمع التبرعات وتجنيد المتطوعين المسلمين من حول العالم من أجل الجهاد ضد السوفيت.

كذلك استغلت «القاعدة» في العراق الإنترنت كساحة إعلامية للدعاية. واستفادت جماعة أبو مصعب الزرقاوي من الدخول إلى الإنترنت لنشر رسالتها، ليس باستخدام النصوص والصور فقط، ولكن أيضا بتوزيع ملفات فيديو عالية الجودة يمكن نقلها على الإنترنت. وقد أحدث إرسال مقاطع فيديو دعائية ثورة في أسلوب خوض «القاعدة» للحرب الإعلامية. والآن لا تكتفي «القاعدة» بتصوير الهجمات فقط، بل تصورها من زوايا متعددة. وتحول أبو مصعب الزرقاوي، بفضل الإنترنت، من قائد من الدرجة الثانية في العراق إلى أكثر زعيم مخيف. كان واحدة من أوائل رسائل الزرقاوي من العراق مقطع فيديو يعرض قطع رأس الأميركي نيكولاس بيرغ، وقد أرسله في 11 مايو (أيار) عام 2004؛ وقم تم تحميله ملايين المرات.

وأثناء الجهاد الأفغاني، كان مكتب «الخدمات» ينسق ترتيبات السفر والمعيشة لآلاف من العرب الوافدين إلى الحدود الباكستانية الأفغانية. وأقام أيضا 20 مؤسسة خيرية في بيشاور وأصدر مجلة الجهاد. بعد ذلك، ظهرت «القاعدة» على درجة كبيرة من التنظيم المؤسسي، مع تشكيل عدة لجان للإعلام والجيش والشؤون التجارية، وتعيين رؤساء تنفيذيين، ودفع رواتب لعديد من أعضائها، وتوفير تدريب شامل لمجنديها، واشتراط ملء استمارات تقديم تفصيلية لطلب الالتحاق لمعسكراتها التدريبية أو الانضمام إلى«القاعدة» ذاتها. وكانت لـ«القاعدة» أيضا سياسة إجازات أفضل من السياسات التي تتبعها معظم الشركات الأميركية، فتمنح أسبوعا إجازة لكل مجند متزوج في مقابل كل ثلاثة أسابيع من العمل. ويجب أن تقدم طلبات الإجازة قبل موعدها بشهرين ونصف الشهر. وتكشف وثائق سنجار أن «القاعدة» في العراق تتشابه كثيرا مع هذا. حيث يطلب من المجندين أن يملأوا استمارات تطلب بيانات عن الدول والمدن الأصلية، وأسمائهم الحقيقة والمستعارة، وتاريخ الميلاد، ومعلومات حول كيفية سفرهم إلى العراق. وتحتفظ إمارة «القاعدة» في العراق الحدودية بسجلات تفصيلية حول الإنفاق؛ على سبيل المثال، في فترة شهرين، سجلت إنفاق 727 دولارا على الطعام، و3.800 دولار على الرواتب، و2.400 دولار من أجل تزوير وثائق. وقد سجلت الإمارة الحدودية أيضا فترة أسبوعين في يناير (كانون الثاني) عام 2007، حيث أنفقت 5.320 دولارا على الأسلحة، و1.000 دولار من أجل المهربين، محتمل أن يكونوا مهربي المقاتلين الذين دخلوا إلى العراق عبر سورية.