حوار بعبدا ينطلق اليوم بدون أي «توسيع» للهيئة السابقة

رغم اعتراض بعض السياسيين على حصريته وتوقيته

TT

ينطلق اليوم الحوار اللبناني في القصر الجمهوري بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لهيئة الحوار التي كان قد شكلها وأشرف عليها في مرحلة سابقة (13 مارس/آذار 2006) رئيس مجلس النواب نبيه بري، من دون أن يطرأ عليها أي توسيع أو «ترقيع»، كما يطالب بعض المعارضين. وهو ما عبر عنه وزير الشباب والرياضة، طلال أرسلان، خلال تقبله التعازي بعضو المكتب السياسي في حزبه، الشيخ صالح العريضي، آذ وجه كلامه مباشرة الى رئيس الجمهورية الذي كان يقوم بواجب التعزية، وإلى جانبه الوزير السابق سليمان فرنجية، حيث دعاه الى توسيع طاولة الحوار و«عدم استثناء أحد» باعتبار أن المعايير التي فرضت طاولة الحوار هذه المرة يفترض أن تختلف عن المعايير التي طبقت خلال طاولة الحوار التي نظمها الرئيس بري.

ولم تكن مسألة التوسيع هي الملاحظة الوحيدة التي طرحتها المعارضة على رئيس الجمهورية، بل كانت هناك مسألة التوقيت التي رأى بعض المعارضين، ولا سيما وزير الاتصالات، جبران باسيل، ممثلاً تكتل التغيير والإصلاح النيابي، أن طاولة الحوار كان يفترض أن تأتي بعد إقرار قانون الانتخابات وليس قبله، خوفاً من أن ينعكس فشل الحوار على هذا القانون الذي يعتبر البند الأساسي الثالث في اتفاق الدوحة.

واللافت أن الحوار الجديد ينعقد في أجواء تختلط فيها المصالحات بالنزاعات، والتوافقات بالسجالات، وكأن الغاية من خلق هذا المناخ، هي تعزيز المواقع قبيل الحوار بالكلام الذي حل محل الحوار بالرصاص، على أمل أن تكون نتائج الأول أفضل من نتائج الثاني، وخصوصاً بعدما باتت كل المواقف معلنة ومكشوفة.

على صعيد المعارضة، تبدو أنها ليست في وارد إلقاء السلاح أو تسليمه للدولة. بل تعتبر أن الاستراتيجية الدفاعية التي ستكون البند الأساسي على طاولة الحوار، تعني «تكامل» الجيش والمقاومة، على حد قول نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، و«بقاء السلاح طالما هناك تهديد إسرائيلي». فيما ترى المعارضة المسيحية أن معالجة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها أشد إلحاحاً من سلاح حزب الله. كما ترى أن هذا السلاح يجب أن يستمر طالما هناك رفض إسرائيلي لعودة الفلسطينيين المقيمين في لبنان الى أرضهم.

أما فريق 14 آذار فيرى ضرورة ان تكون الدولة هي صاحبة قرار الحرب والسلم والمعنية بالأمن القومي اللبناني، على حد قول النائب سعد الحريري خلال جولاته التصالحية، وأن سلاح حزب الله يفترض أن يوضع في «كنف الدولة»، كما قال رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. ويبدو مسيحيو هذا الفريق الأكثر مغالاة وتشدداً حيال سلاح حزب الله. حتى أن بعضهم ذهب الى حد الدعوة الى عدم اجراء الانتخابات النيابية المقبلة في ظل هذا السلاح، مع أنهم ـ كما يقول المعارضون ـ كانوا متحالفين مع الحزب في الانتخابات السابقة.

والملاحظ أن النائب وليد جنبلاط اتخذ خطاً وسطاً يقوم على «التعايش مع سلاح حزب الله حتى تحصل تغييرات وتطورات مستقبلية» كما قال في مقال له في صحيفة «الأنباء» الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي.

وتقول بعض المصادر النيابية إن الموقف الجنبلاطي لا يفسر ابتعاداً عن قوى 14 آذار، وإنما قد يساعد على إيجاد القواسم المشتركة على طاولة الحوار وينقذها من الفشل الذي يمكن أن يفاقم الانقسامات والصراعات ويقود مجدداً الى سياسة التهديم المتبادلة سياسياً واقتصادياً. وهو ما لا طاقة للبنانيين على تحمله بعدما تنفسوا الصعداء عقب نجاح مؤتمر الدوحة. وقد يكون من أسباب الفشل ـ اذا حصل ـ الاختلاف حول إدراج بنود على طاولة الحوار غير بند الاستراتيجية الدفاعية الذي تتمسك به الأكثرية النيابية دون سواه من المواضيع التي «ستزيد الإشكالات والاختلافات» على حد قول رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري.

ومن المؤكد ان المرحلة الجديدة من الحوار هي التحدي الأول أمام رئيس الجمهورية. فإما أن يخرج من هذا الحوار رئيس بداية الحل، وإما ـ لا سمح الله ـ رئيس الاستمرار في إدارة الأزمة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. غير ان الدعم الذي يلقاه الرئيس سليمان، إقليمياً ودولياً ومحلياً، لا بد أن يساعد، على الأقل، في وضع القطار على السكة الصحيحة، وصولاً الى «الدولة القوية العادلة» التي تستوعب الجميع وتحتضنهم بعيداً عن الحسابات الخارجية، والتي تتفق كل الأطراف على بلوغها.

ويأمل المراقبون ألا تكون هذه الجولة من الحوار مثل الحوارات السابقة التي كانت تبدأ بالعنف وتنتهي بتسويات لا تلبث أن تنفجر عند كل منعطف، كما حصل منذ بدء الحرب اللبنانية عام 1975 عندما أنجز اللبنانيون، بعد الجولات العسكرية الأولى، ما أطلق عليه اسم «الوثيقة الدستورية» في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية. لكن هذه التسوية لم تعمر طويلاً، فانفجرت الحرب مجددا واتسعت رقعتها مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وكنتيجة لهذه التطورات الدراماتيكية وتلك التي اسفرت عن انسحاب الجيش الإسرائيلي، عقد مؤتمر حوار وطني في جنيف في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 1983 برعاية سعودية وسورية ومشاركة رئيس الجمهورية آنذاك، أمين الجميل، وممثلي القوى السياسية والميليشياوية. وقد أسفر هذا المؤتمر عن إلغاء اتفاق 17 مايو (أيار) الذي وقعه لبنان وإسرائيل، ولم يكن الرئيس الجميل قد وقعه بعد.

وبالطبع، لم تؤد هذه التسوية الى «تطبيع» الوضع اللبناني، بل ساهمت في تأجيجه، الى ان عقد مؤتمر حوار ثان في سويسرا (في لوزان هذه المرة) في مارس (آذار) 1984، شارك فيه أطراف مؤتمر جنيف أنفسهم. وخرج بتسوية إطار تقوم على وقف النار وعودة الجيش الى ثكنه وتشكيل هيئة لمراجعة الدستور. ولم يكن مصير هذا المؤتمر أفضل من سابقه، الى أن عقد مؤتمر الطائف في السعودية على دوي المدافع في لبنان، فتوصل الى تسوية يطالب الجميع اليوم بالالتزام بها، بالرغم من تجاوزها في الكثير من المناسبات السابقة. وقد أسفر هذا المؤتمر عن وثيقة جديدة ما لبثت ان تحولت دستورا جديدا يقوم على إعادة توزيع السلطات السياسية بين الطوائف اللبنانية.

وفيما كان اللبنانيون يأملون في أن يتوصل مؤتمر الدوحة هذه السنة الى حل نهائي للأزمة اللبنانية، إذا بالمؤتمر يكتفي بحل بعض جوانب الأزمة السياسية من دون التصدي للأزمة الأمنية المطروحة اليوم على طاولة القصر الجمهوري. فهل ينجح سيد بعبدا في ما عجز عنه مؤتمر الدوحة؟