الرئيس الجورجي: الروس اختلقوا قصة مزيفة.. ولا أعتقد في حرب باردة جديدة

ميخائيل سكاشفيلي في حوار تنشره «الشرق الأوسط»: آخر ما يرغب فيه المواطنون هو رئيس جبان

ميخائيل سكاشفيلي
TT

قال الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي إن أكثر ما كان يفزعه خلال الأزمة التي أعقبت دخول القوات الروسية الى جورجيا ألا يتخذ القرار الصائب. وفي حوار أجري معه في العاصمة الجورجية تبليسي قال إنه لا يجب على الصحافيين أن ينصبوا أنفسهم مؤرخين «فلا أعتقد أننا نواجه حربا باردة أو أي شيء من هذا القبيل، ربما تكون مواجهة لكنها ليست كالحرب الباردة السابقة»، واتهم موسكو باختلاق ما وصفه بقصة مزيفة حول مهاجمة القوات الجورجية لبعض المدن الصغيرة وقتلها للعديد من الأشخاص ثم قيام روسيا بناء على ذلك بالتدخل لإنقاذ أولئك الأشخاص.

وفي الحوار أشار الى انه يعرف المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، جون ماكين، جيدا حيث زار تبليسي مرتين العام الماضي، كما كانت زوجته ساندي ماكين هنا في أعقاب «الغزو»، هي زيارتها الثانية، كما اشار الى انه يعرف هيلاري كلينتون. وإلى نص الحوار

* سيادة الرئيس هل تتذكر اللحظة الأولى التي علمت فيها أن القوات الروسية تدخل بلادكم؟ ـ بالطبع، فقد جاءتنا مكالمة هاتفية تقول أن أعدادا كبيرة من الدبابات تدخل إلى بلادنا. لم أصدق ما قيل في بداية الأمر، فقد توقعنا الغزو الروسي ولكن ليس من تلك الجهة ولا بتلك الأعداد. وقد حاولنا التأكد من الخبر، وفي كل مرة كنا نحصل على تأكيدات حتى أصبح الأمر حقيقة، لذا كان لزاما علينا أن نحرك قواتنا بسرعة، ربما نكون قد قمنا بذلك في ثماني ساعات، لكن الأمر استغرق منا أربعا وعشرين ساعة حتى نتمكن من القيام برد فعل على الخطوة الروسية. ولا أعتقد أن الجيش الروسي قوة عظمي بالمعنى الحقيقي، فما هو إلا بقايا الجيش الروسي السابق، لديهم نفس الدبابات. ولا أعتقد أنهم قادرون على التوغل لآلاف الكيلومترات، فلم يستطيعوا سوى دخول جورجيا.

* لقد حدث ذلك يوم افتتاح أولمبياد بكين؟

ـ لقد كان وقتا مثاليا بحق، فغالبية القادة كانوا بعيدين عن أوطانهم يحضرون افتتاح الأولمبياد. وقادة آخرون كان يمضون العطلات، وأنا أيضا كنت على وشك الذهاب إلى بكين، ربما كان الروس على يقين من أن أحدا لن يهتم بتلك الدولة النائية التي تتعرض للهجوم أو الغزو، واعتقدوا أن الأمر سيذهب أدراج الرياح، لكن الأمر لم يمض كما أرادوا، فالغزو لم يكن كبيرا، لكن على أن أعترف أن الروس قاموا بالأمر بعناية فائقة واختلقوا قصة مزيفة حول مهاجمة القوات الجورجية لبعض المدن الصغيرة وقتلها للكثير من الأشخاص ثم قامت روسيا بناء على ذلك بالتدخل لإنقاذ أولئك الأشخاص. لقد قاموا بذلك في جورجيا وغدا سيقومون بنفس الشيء في كازاخستان وأوكرانيا وجمهوريات البلطيق، هذه ليست مشكلة جورجيا وحدها إنها مشكلة العالم بأسره. وديك تشيني الذي زار المنطقة قال «لقد تعاملنا مع منظمات إرهابية مثل حزب الله وحماس فمن أين تحصل تلك المنظمات الإرهابية على أسلحتها؟»، هل يجب علينا أن نتعامل مع الأعراض فقط ونهادن المرض؟ هل نداوي بالمسكنات أم نداوي مضادات حيوية للقضاء على المرض. تلك يجب أن تكون لحظة الحقيقة.

* مع من كان أول اتصال أجريته بعد علمك بدخول القوات الروسية؟

ـ اتصلت بقادة بكل قادة دول الجوار والأمين لحلف الناتو، لكني لم أستطع أن انقل له الصورة كاملة في ذلك الوقت، ثم اتصلت بقادة دول وسط آسيا، وكنت خلال ذلك آمل أن يكون الأمر مجرد استفزازات روسية فقط، ثم تطور الأمر عقب ذلك.

* ما هو الأمر الذي أدركت لدى وقوعه أن المسألة تجاوزت الخطوط الحمراء؟

ـ عندما تأكد لنا أن أنهم قريبون من العاصمة، فقد استمروا في التحرك ولم يكن لدي سبب يمنعني من الاعتقاد بإمكانية دخولهم العاصمة.

* أتذكر أنه في أحد الأيام جاءت أحد الأخبار العاجلة لتقول إنك تعاني من مخاطر؟ ـ حسنا، أمر عادي بالنسبة لدولة في حالة حرب، فقد كانوا يقصفون المباني الحكومية، لكن الشيء المفزع بالنسبة لي هو أنني كنت أسافر بسيارة مدنية لأزور المدنيين الذين منحوني أصواتهم منذ شهور قلائل هؤلاء الأشخاص الذين وثقوا بي لقد عادوا من عطلاتهم للدفاع عن بلادهم، ولقد رأيت القذائف الروسية تسقط إلى جوار السيارات المدنية وقد كنت هدفا ككل المدنيين، ولم يكن ذلك بالأمر الجيد.

* لقد سألت زوجتك نفس السؤال كيف توصلتم إلى قرار بأن تعود هي وأطفالكم إلى البلاد، ولا تغادر للإقامة مع أسرتها في هولندا؟

ـ وكيف لا يمكننا ألا نكون هنا؟ أنت تعلمين أن الروس غزوا بلادنا من قبل، وهرب الكثيرون من أبناء البلاد، وفي الوقت الذي كان فيه الروس يقصفون العاصمة قال الناس سنغادر المدينة لفترة مؤقتة.. ولقد دام ذلك الاحتلال لمدة سبعين عاما من العبودية، ولقد نشأت وفي قرارة نفسي أنني لن أغادر، ولن أستسلم، ولن أتخلى عن بلادي.

* قضينا بعض الوقت مع طفليك هذا الصباح، 13 وعامان ونصف، وأود أن أسألك عن شعورك كأب هل كنت خائفا؟

ـ آخر ما يرغب فيه المواطنون هو رئيس جبان.. والأمر لم يعد مقصورا علي، إنه بشأن مسؤولياتي، واتخاذ القرار الصائب، والشيء الحقيقي الذي كان يفزعني بين الحين والآخر هو عدم اتخاذ القرار الصائب.

* قام الرئيس الفرنسي برحلة ناجحة إلى هنا بعد أن توقف الغزو الروسي، وقد أعلن أن القوات الروسية ستسحب دباباتها في غضون أسابيع. هل تعتقد أن ذلك سيحدث؟

ـ لا اعتقد أن القوات الروسية ستتركنا، فلا يزال 20 في المائة من البلاد خاضعا للاحتلال الروسي. ولقد توقعت أن يتم الانسحاب خطوة خطوة، وأن تكون الخطوة الأولى الانسحاب من وسط البلاد، حيث يحاط الجنود الروس بمدنيين كارهين لوجودهم. والخطوة الثانية هي الأكثر تعقيدا وهي الخروج من المناطق التي تحول الانتباه عنها وهي الخطوة الأكثر قلقا بالنسبة لي. وإن قدر لك العمل مع هؤلاء الأشخاص، الروس، يجب عليك أن تكون هناك وسيلة شرعية لاسترداد حقك.

* إذاً فأنت متفائل بشأن إنجاز ساركوزي؟

ـ أنا ممتن جدا بالنسبة لما قام به ساركوزي، فقد كان يحاول جاهدا. إذا ما حاولت التقرب من الروس فإنك ستجدهم ينتهجون اتجاها محددا، ولكن هل الجميع في المجتمع الدولي يعلمون ذلك اليوم؟ أنا أشك. وهل سيدركونه في المستقبل؟ أعتقد أنهم سيضطرون لذلك، لكن الوقت سيكون قد تأخر.

* إذا فهل هناك جديد بشأن زيارة ساركوزي؟ ـ نعم أعتقد أننا اكتسبنا المزيد من الثقة ونحصل على استثمارات دولية ستساعد الاقتصاد على استعادة عافيته مرة أخرى. حقا إن قصة جورجيا لن تنسى، وأتوقع أن يتحول الموقف الجورجي إلى الهدوء، لكن العنف سيتصاعد في أماكن أخرى، مثل آسيا والشرق الأوسط. إذاً فالدرس الذي يجب أن نتعلمه هنا أن النموذج الجورجي يجب أن يطبق في الأقاليم الأخرى.

وما أود قوله هو أن الرئيس ساركوزي حقق إنجازا كبيرا: فقد قال الروس إنهم سيسحبون دباباتهم، وقد قالوا من قبل إنهم لن يفعلوا ذلك، وسواء أطبقت أم لا فما علينا إلا أن ننتظر.

* أنا أفكر في ما حققه فلاديمير بوتين في النهاية، إذا كان سيضطر إلى سحب دباباته بعد دخوله إلى جورجيا؟ ـ بالطبع، إنه كذلك، لكنه سيروي الأمر بصورة مختلفة تماما. إنه مذل لروسيا، لهذا فأنا أعتقد أن الأمر نوع من استعراض العضلات في المنطقة.

* خلال الأزمة، من هم الرؤساء الذين أبدوا قدرا كبيرا من الدعم؟

ـ الرئيس الأميركي جورج بوش أظهر الكثير من الدعم، وكذلك جو بايدن بالرغم من أنها كانت فترة حرجة بالنسبة له قبل اختيار باراك أوباما له للترشح لمنصب نائب الرئيس، وكذلك جون ماكين، بل حتى سارة بالين المرشحة لمنصب نائب الرئيس اتصلت بي هاتفيا منذ عدة أيام وأبدت دعمها الكامل لنا ولقد منحتني أنا ودولتي الثقة بأننا لسنا بمفردنا في تلك الأزمة.

* يحضرني في هذا الموقف قول جون ماكين يخاطب الأمة «إخواني الأميركيين، كلنا اليوم... جورجيون».

ـ لكني لا أعتقد أن ماكين أو الجمهوريين وحدهم هم الذين راودهم نفس الشعور، فما أن أذيعت الأنباء الأولى للغزو حتى تلقيت مكالمة هاتفية من جو بايدن حيث قال لي «إنك ستتلقى الكثير من المكالمات الهاتفية التي تدعمك، لكن ذلك ليس السبب الذي اتصل بك من أجله إن هدف مكالمتي هو العمل، يجب أن نبعث إلى الكونغرس ذلك القانون، هذا القانون...»، ولقد وفكرت: يا إلهي إن هذا هو ما كان يدور بخاطري وما أحتاجه، فالأمر لم يعد مقصورا على الأفراد الذين يظهرون الدعم، لكي يتصدروا عناوين الأخبار، وأنا اعني باراك أوباما وجون ماكين وجون كيري، فها هو جو بايدن يساعدنا، ويعملون على قانون لمكانة تفضيلية لجورجيا في السوق الأميركية.

* هل خذلك أحد من القادة الذين اتصلت بهم؟

ـ على الإطلاق كان القادة جميعهم داعمين للموقف الجورجي، فقد دعمنا الرئيس بوش والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي وعدتنا بدعم أوروبي والرئيس ساركوزي كان ممثلا لقادة دول الاتحاد الأوروبي، تلقينا الكثير من الدعم والتأكيدات.

* أنت تعلم أنهم يقولون عن المرشح لرئاسة الولايات المتحدة باراك أوباما إنه بارع، ولكن هل هو في رأيك قادر على القيادة في الأوقات العصيبة؟ إذا كنت صغيرا في السن ووجدت نفسك في عين العاصفة فهل لديك من الخبرة ما يكفي للتعامل مع الأزمات الدولية؟

ـ أعتقد أن دولتي، أنا، تكتسب الخبرة، ربما تكون هناك أمور لم أقم فيها بالعمل الصائب، لكن ذلك جزء من النظام. وفي ما يخص أوباما، لقد تحدثت إليه مرات عديدة وأود أن أقول لك إنه كان على اطلاع جيد بالموقف وإن ردود فعله كانت في صميم المشكلة. وأما ذكره عن جورجيا في خطاب قبول الترشح عن الحزب فقد كان أمرا مشجعا، والقضية بالنسبة لي وله ليست قضية العمر أو حتى الخبرات السابقة، لكن المسألة تتعلق بالقدرة على التعلم والفهم والرغبة في المضي.

* أنت تعلم أنني تحدثت إلى والدتك التي تحمل شهادة الدكتوراه في التاريخ.

ـ (شعر بحالة من التوتر) نعم.

* أنت تعتمد على أميركا، لكن الحقائق التاريخية تقول إن الإدارة الأميركية في بعض الأحيان تخذل حلفاءها؟

ـ لا أستطيع أن أثق إلا بنفسي، إنني أعتمد على القيم الأميركية، لكنني قبل كل شيء أعتمد على قواتنا ومعتقداتنا، وهو الأمر الذي سيحدد الكثير، وأعتقد أن من غير الحكمة أن تعتمد على مصدر وحيد للدعم، وإن لم نستطع أن نحارب من أجل أنفسنا فلماذا تحارب الولايات المتحدة من أجلنا، وأعتقد أننا يجب أن نخوض النزال بأنفسنا وألا نتوقع أن تأتي الولايات المتحدة لتنقذنا، أعتقد أننا يجب أن نركز على إعادة إعمار بلدنا وإحياء اقتصاده وذلك وحده هو الذي سيمنحنا الدعم الأميركي والأوروبي.

* لقد قرأت بعض المقالات التي تحدثت حول شخصيتك قبل قدومي إلى هنا، البعض منها يصفك بالبطل لكن بعضها الآخر يدعي أن التاريخ سيذكر أنك «مؤسس الحرب الباردة الثانية»؟ ـ يجب على الصحافيين ألا ينصبوا أنفسهم مؤرخين، فلا أعتقد أننا نواجه حربا باردة أو أي شيء من هذا القبيل، ربما تكون مواجهة، لكنها ليست كالحرب الباردة السابقة، ولقد قال البعض إنها حائط برلين الجديد، لكن برلين ظلت مقسمة 40 عاما ولا اعتقد أن جورجيا ستظل مقسمة كل هذا الوقت. ولكن دعينا لا نخدع أنفسنا، فحتى وإن انتقلت جورجيا من الصفحات الرئيسة، فإن المشكلات والآثار على المناطق الأخرى التي ذكرتها لك لن تنتهي، ومرة أخرى لا أعتقد أنني مؤسس الحرب العالمية الثانية.

* لقد كنت أتابعك طيلة اللقاء وقد بدوت مقتنعا جدا، فهل عندما تخلو إلى نفسك تتساءل «هل ارتكبت خطأ، هل ما أقوم به صواب؟ ربما أكون قد أخطأت؟».

ـ لقد فعلت بالطبع، وأعتقد أن تلك هي الطريقة المثلى لكي ننمو ونتطور إلى الأفضل، وتجعل الآخرين يجيدون أيضا.

* لو كان فلاديمير بوتين هو الذي يجلس مكاني هنا على هذا المقعد، ما الذي كنت ستقوله له؟

ـ (يضحك بشدة) كنت سأقول له كل ما أرغب في قوله بطرق عدة، كنت سأقول له إن جورجيا لن تستسلم أبدا.

* هل تعتقد أنه سيفهمك؟

ـ لست على يقين من ذلك. * سأغادر تبليسي وأنا أرى أنه يملؤك التفاؤل.

ـ أنا كثيرا ما يغمرني التفاؤل في النزع الأخير من يومي، وغالبا ما يكون ذلك في الليل.

* أعتقد أن ذلك هو السبب وراء إجراء الحوار بعد منتصف الليل.