تسيبي ليفني وعدت أن تصبح رئيسة للحكومة وهي قاب قوسين من هذا المنصب

من الموساد إلى رئاسة الدبلوماسية الإسرائيلية

تسيبي ليفني (أ.ب)
TT

إحدى النكات التي تداولوها في اسرائيل في مطلع السبعينات، اي عندما تسلمت غولدا مئير رئاسة الوزراء، قالت: «الرجل الوحيد في الحكومة هو غولدا». واستذكرت هذه النكتة مرارا في السنوات الأخيرة في اسرائيل، ليس إطراءً لأول امرأة في رئاسة الوزراء في تاريخ اسرائيل، بل للطعن في تسيبي ليفني، المرشحة لرئاسة الوزراء بعد ايهود اولمرت. يقصدون القول انها ضعيفة ولا تنطبق صفاتها على المرأة القوية، غولدا مئير. ومنافسها الأساسي شاؤول موفاز يركز في هجومه عليها بأنها ضعيفة وليست قادرة على ادارة شؤون دولة مثل اسرائيل في ظل التهديدات الحربية التي تواجهها من ايران وقوى الارهاب.

لكن ليفني، تعتبر اليوم من أكثر الشخصيات السياسية الاسرائيلية شعبية وتسبق موفاز وتهدد مكانة زعيم الليكود، بنيامين نتنياهو، الذي تشير الاستطلاعات الى ان غالبية الجمهور يريده رئيسا للحكومة. غير ان خصومها يهاجمونها على انها لم تكن شجاعة في الوقوف ضد رئيس حكومتها، ايهود أولمرت، وردت بأنها اتخذت خطا عاقلا وأخلاقيا مع أولمرت سيحظى في القريب بتقدير الجمهور. ومن خلال ذلك وعدت بأنها ستصبح رئيسة حكومة وفي القريب، وهي اليوم قاب قوسين او ادنى من هذا المنصب.

عشر نساء فقط في التاريخ الاسرائيلي، وصلن الى منصب وزاري في الحكومة، تسيبي ليفني آخر واحدة منهن. ولا بأس من القول انها أجملهن وأكثرهن أنوثة. صفة المرأة الحديدية لا تنطبق عليها، لكن ذلك لا يعني انها متساهلة. هناك من يرى أن أربع سنوات في حياتها، ما بين 1980 و1984 هي التي رسمت شخصيتها السياسية. لكن من الصعب معرفة حقيقة هذه الفرضية، حيث انها في تلك السنوات خدمت في جهاز المخابرات الخارجية «الموساد» وتولت مهمات حساسة، في باريس وغيرها من العواصم، وما فعلته في اطار هذه الخدمة سيبقى سرا دفينا. رئيس «الموساد» الأسبق، أفرايم هليفي، يؤكد ان جهازه ترك أثره عليها «ولكنها جاءت مصقولة»، وهي نفسها تؤكد أن خدمتها في المخابرات ساهمت في صقل شخصيتها، ولكنها ترفض رؤيتها حاسمة في تربيتها. فانها تعتز بتربيتها البيتية، فوالدها ايتان ليفني، كان قائدا في منظمة «ايتسل» الذراع العسكرية للتيار الاصلاحي اليميني المتطرف في الحركة الصهيونية، الذي نفذ عمليات ارهابية كثيرة ضد الجيش البريطاني والعرب في فلسطين قبل النكبة. وفي مرحلة معينة تولى والدها منصب قائد العمليات في هذه الحركة. ثم انتخب عضوا في الكنيست، بعد قيام اسرائيل. وابنته تحب أن تشير دائما الى انها تربت على نفس الأسس والمبادئ والأخلاق.

ولدت في تل أبيب سنة 1958 وهي اليوم تعيش في المدينة نفسها ولها ولدان، الأكبر جندي في الجيش والثاني طالب في الثانوية. منذ نعومة أظفارها انخرطت في العمل السياسي في اطار حركة الشبيبة التابعة للتيار اليميني الصهيوني «بيتار»، وبرزت في روحها القيادية، رغم انها بدت خجولة تتلون وجنتاها بالاحمرار وتغسل عيناها الدموع في أي حدث مؤثر. عندما كانت في السادسة عشرة من العمر قادت فريق كرة السلة في نادي الحي. وفي 1974، عندما أجرى وزير الخارجية الأميركي، هنري كسينجر، جولاته المكوكية في الشرق الأوسط للتوصل الى اتفاقات مرحلية مع مصر وسورية في أعقاب حرب أكتوبر، قادت ليفني مظاهرات شبيبة حزب «جاحل» ضده ورفعت شعارات تطعن في اخلاص كسينجر ليهوديته. محبة للرياضة ولا تزال تمارسها. من هواياتها المشي على شاطئ البحر. ورغم هدوئها الخارجي يتحدث القريبون منها عن شخصية أخرى تماما في البيت ومع الأصدقاء. وتكشف الصحافية عنات طال شير، التي تتابع ليفني منذ سنوات بعض جوانب هذه الشخصية الخفية، فتقول: «انه الجانب الخليع. فهي تحب الانفلات والتحرر. تحب الرقص بلا قيود. وعندما تكون سعيدة تصعد الى الطاولة وترقص عليها. تتقن قرع الطبول كما لو انها ضابطة ايقاع محترفة. مجنونة بالقطط. تداعبها وتعاركها. وهي بالمناسبة نباتية، وتعلن انها لا تأكل اللحوم من منطلق ضميري حيث ترفض مبدئيا ذبح الحيوانات الأليفة. تحب الرحلات في الجبال والغابات. تمضي نهاية الأسبوع عادة مع عائلتها الصغيرة». تجندت في الجيش ضمن الخدمة الالزامية ووصلت الى درجة ملازم أول، وعملت مرشدة في مدرسة الضباط. وتركت الجيش لأنها رغبت في دراسة المحاماة. وقطعت الدراسة من أجل «الموساد»، وكافأوها بأن أعادوها الى الدراسة في السنة الأخيرة من خدمتها. بدأت تبرز في العمل السياسي والحزبي في مطلع التسعينات. انتخبت عضوا في المجلس المركزي لحزب الليكود. ورشحت نفسها لعضوية الكنيست في انتخابات 1996، واحتلت المركز 34 مع انها لم تعمل كثيرا على الدعاية لنفسها سوى في اللحظة الأخيرة. وكادت تدخل الكنيست، لولا ان حزبها لم يتخط عتبة الـ 32 مقعدا. وكان الأمين العام لحزب الليكود يومها، أفيغدور لبرمن، قائد حزب «اسرائيل بيتنا» حاليا. فأعجب بطريقة تقديمها نفسها وتأكيدها على المصالح العامة من دون أن تعد أحدا بشيء وراء يساعدها.

ويؤكد تسادوق يحزقيلي، الصحافي الذي قابل العديد من العاملين مع ليفني في وزارة الخارجية، ان قسما كبيرا من مرؤوسيها لا يحبونها، لأنها جلبت الى الوزارة أخلاقيات لم يعرفوها من قبل: «نقابة الموظفين في الوزارة حاولت تشويه سمعتها ومحاربتها بكل الوسائل لأنها تفرض جو عمل جديا. منذ توليها منصبها دخلت في صدام مع رؤساء الدوائر في الوزارة. فقد جمعتهم لسماع تقديراتهم وتقويمهم للأوضاع، فراحوا يتكلمون الواحد تلو الآخر. فاستمعت لهم بصبر وأناة، ولكن بعد انتهاء كلماتهم صدمتهم في تلخيصها بالقول ان ما سمعته منهم سطحي وسخيف وطلبت منهم أن يعودوا اليها في اليوم التالي بتقارير محترمة وذات معنى وبأن لا يكرروا معها هذا التصرف. وقالت لهم: أنا أسمح لكم بأن تختلفوا معي. بل أطلب منكم أن لا توافقوا على شيء لا يروق لكم. تحدوني. ناقشوني. لكن اياكم والتعامل معي بهذه السطحية». ومع ذلك فإن أشد أعدائها في الوزارة يعترف لها بأنها لم تستخدم منصبها لرفع مكانة مؤيديها من الليكود أو «كديما». فقد جلبت معها الى الوزارة فقط موظفين اثنين، هما المدير العام والمدير السياسي. مواقفها السياسية قريبة من مواقف أولمرت. وتغيرت مثله وانتقلت من معسكر اليمين المتطرف الى الوسط اللبرالي. ولكنها لم تتقدم في مواقفها على طريق أولمرت وبدت أكثر حذرا وترددا منه في التقدم على مسيرة السلام. ويجمع المراقبون على انها كرئيسة حكومة، لن تستطيع اتخاذ مواقف شجاعة، وذلك لكونها محكومة بأحزاب الائتلاف وخصوصا «شاس» اليميني الذي لا يطيق رؤية امرأة في قيادة الشعب اليهودي ولا يتحمس لعملية السلام في هذه الظروف ويرفض قطعيا التفاوض حول القدس.