شاؤول موفاز: كرسي رئيس الحكومة في إسرائيل معد للجنرالات..!

شاؤول موفاز (أ.ف.ب)
TT

إذا اختصرنا أفكار شاؤول موفاز عن سبب ترشيحه لرئاسة حزب «كديما» ومن ثم رئاسة الحكومة بجملة واحدة، نقول: كرسي رئاسة الحكومة في اسرائيل معد فقط للجنرالات. فعلى هذه الجملة يستند في دعايته الانتخابية منذ البداية. ودعايته الانتخابية، التي تعتمد على إظهار الجوانب السلبية في شخصية منافسته، تسيبي ليفني، تطمح الى ترسيخ فكرة تبجيل الجيش والى إبراز أهمية وجود قائد عسكري كبير لاتخاذ القرارات الحازمة والصارمة إزاء التحديات العسكرية التي تواجهها اسرائيل. وحاولت ليفني، في بداية المعركة التركيز على ان رصيد موفاز العسكري مليء بالإخفاقات والتناقضات والفشل، لكن مستشاريها الاستراتيجيين، نصحوها بإدارة معركة انتخابية ايجابية تعتمد ابراز نجاحاتها وميزاتها والابتعاد عن تجريح الطرف الآخر. فتولى الحديث عن سلبياته الصحافيون والمعلقون. ولد شاؤول موفاز في ايران لعائلة يهودية بسيطة، سنة 1948، وهاجر الى اسرائيل عام 1957. وضعه أهله في مدرسة نهلال (قرب الناصرة)، وهي مدرسة زراعية داخلية اشتهر بين خريجيها موشيه ديان، رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع. ورأى موفاز في ديان مثلا أعلى وقرر السير على طريقه. اختار موفاز الخدمة العسكرية في سلاح المظليين، المعروف كوحدة مختارة بين الوحدات القتالية. ومع انه برز كمقاتل عنيد، فقد سقط عدة مرات في امتحان الدخول لمدرسة الضباط في الجيش. وكاد يفقد الأمل في السير على مسار ديان، لولا إحدى المعارك التي خاضها في ذلك الوقت وأبدع فيها. وعندما عرضوا عليه وسام تقدير طلب أن يستبدل الوسام بقبوله في مدرسة الضباط من دون امتحان دخول، وحققوا له رغبته بالفعل وقبلوه بقرار استثنائي. وبدأ موفاز يتدرج في سلم القيادة ويتبع مسار القادة العسكريين الاسرائيليين التقليدي: قائد سرية ثم وحدة ودراسة عسكرية في كلية القيادة الحربية في الجيش الأميركي بولاية فرجينيا ثم دراسة أكاديمية بموضوع إدارة الأعمال في جامعة بار ايلان الدينية في تل أبيب وتولى قيادة سلاح المظليين وقيادة الجيش في الضفة الغربية ثم تولى منصب نائب رئيس الاركان، ثم رئيس أركان (1998ـ 2003). وسجلت ضده العديد من الانتقادات على مدى تاريخه العسكري. في زمن قيادته العسكرية للضفة الغربية وقعت مذبحة الخليل (1995). وقتل ضابطا اسرائيليا من الطائفة العربية الدرزية تحت الحصار الفلسطيني ولم يأمر موفاز بعملية عسكرية لانقاذه. وهو الذي أعد الانسحاب الفاشل من لبنان سنة 2000. وعندما قررت حكومة أرييل شارون الانسحاب من جبل أبوسنينة في الخليل، اعترض على ذلك علنا وكاد وزير الدفاع يومها، بنيامين بن اليعيزر، يقيله. هو الذي قاد الجيش الى إعادة احتلال الضفة الغربية في عملية «السور الواقي» التي قتل فيها 250 فلسطينيا خلال بضعة أيام وهو الذي أمر بفرض الحصار على الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، ليستمر هذا الحصار فيما بعد حتى الموت. والتقطت كاميرات الصحافة موفاز وهو يهمس في أذن رئيس حكومته شارون قائلا عن عرفات «يجب التخلص منه». في السياسة لم يختلف موفاز عن العسكرية كثيرا. فقد انتسب الى حزب الليكود اليميني المتطرف فور خلعه البزة العسكرية، مما أدى الى انتقاده من طرف المستشار القضائي للحكومة ومحكمة العدل العليا، التي منعته من أن يرشح نفسه الى عضوية الكنيست، مؤكدة انه يحتاج الى فترة ثلاثة شهور على الأقل يستريح فيها ما بين انهاء الخدمة العسكرية والعمل السياسي. وما هي إلا أربعة شهور حتى تولى وزارة الدفاع في حكومة شارون، ليكمل سياسته العسكرية من موقع أعلى من موقعه في رئاسة الأركان.

وتميزت فترته كوزير دفاع، ليس فقط بالحصار على عرفات، بل بتصعيد متطرف في سياسة الاغتيالات في صفوف القادة الفلسطينيين، وارتبط اسمه بشكل خاص في اغتيال صلاح شحادة القائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة «حماس»، بقنبلة زنة طن القتها طائرة «اف 16» على منزله والمنازل المجاورة في غزة، وقتلت معه 16 شخصا بينهم تسعة أطفال. وأقدم على هدم مئات البيوت الفلسطينية على طول الشريط الحدودي بين غزة وسيناء.

وعلى صعيد السياسة الداخلية، اتهمته لجنة الخارجية والأمن بالكذب عليها. وكان قد أعلن انه لن يترك حزب الليكود، في فترة تشكيل حزب «كديما»، لكنه بعد فترة غير رأيه ولحس قراره وانضم الى «كديما» ليضمن لنفسه البقاء في منصب وزير دفاع. وعرف عنه انه عارض الانسحاب الأحادي من غزة، لكنه عاد وايدها وأشرف على خطة الجيش لتنفيذها.

واختلف موفاز مع أولمرت حول توجهه الى العملية السياسية وتخفيف معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية واطلاق سراح الأسرى، ولكنه فعل ذلك بنعومة زائدة لا تناسب جنرالا في الجيش. وفهمت هذه النعومة على انها تعبير عن رغبة في كسب تأييد جماعة أولمرت في الحزب. فقد كان واضحا ان أولمرت غاضب على ليفني، كونها طعنته في الظهر وشاركت في المؤامرة لاسقاطه. وتوقع موفاز أن يدعمه أولمرت مكايدة بها. لكن أولمرت بقي محايدا. وانقسم رجاله الى قسمين، أحدهما يؤيد لفني والثاني يؤيد موفاز.

ويرى المراقبون ان موفاز قائد متهور، خصوصا بعدما أطلق تصريحه الشهير في 6 يونيو (حزيران) الماضي وقال فيه ان الهجوم على ايران، هو أمر لا بد منه. فقفزت يومها أسعار النفط في العالم. فمثل هذا التصريح والتسبب بأزمة دولية على هذا المستوى، لا يناسب من يطمح للوصول الى منصب رئيس وزراء. ومع كل هذا، فإن موفاز يثق بقدرته على الوصول الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية، بل لا يرى انه يوجد في اسرائيل اليوم من هو أفضل منه لهذا المنصب.