سليمان يدعو إلى استراتيجية تستند إلى القوات المسلحة وتستفيد من طاقات المقاومة

جلسة «تجريبية» للحوار الوطني اللبناني و«العملية» في 5 نوفمبر

الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، مترئسا أمس الجلسة الاولى لمؤتمر الحوار اللبناني في قصر الرئاسة في بعبدا (رويترز)
TT

انطلقت في بيروت امس الجلسة «التجريبية» للحوار الوطني اللبناني الذي تم الاتفاق على اجرائه برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان في الدوحة في مايو (ايار) الماضي. ورغم الطابع «البروتوكولي» للجلسة الأولى التي انعقدت في القصر الجمهوري برئاسة سليمان، الا انها اثمرت اتفاقاً على التهدئة الاعلامية والابتعاد عن «الاستفزاز السياسي». كما اثمرت اتفاقاً على قيام رئيس الجمهورية باجراء «حوارات ثنائية لتكريس المصالحات».

وستعقد جلسة الحوار «العملية» الاولى في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في القصر الجمهوري أيضاً. وصدر عن المجتمعين بيان أعلنوا فيه التوافق على اطلاق النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية كأولوية في ضوء آراء افرقاء الحوار المتعددة بغية التوصل الى تصور مشترك لهذه الاستراتيجية وذلك انطلاقاً من قرارات مؤتمر الحوار الوطني وبنود اتفاق الدوحة، العمل بسرعة وجدية على معالجة التوترات الامنية، الاتفاق على آلية لوضع حد نهائي لهذه الحالة بما يعزز اتجاه المصالحات الحاصلة في عدد من المناطق وتعميمه على جميع الافرقاء على الاراضي اللبنانية، الاتفاق على ميثاق شرف بين المتحاورين للالتزام بالمسلمات التي أطلقها خطاب القسم (لرئيس الجمهورية) والابتعاد عن أي مظهر من مظاهر الاستفزاز السياسي وتهدئة الخطاب السياسي والاعلامي واعلان الافرقاء التزامهم هذه التهدئة عبر وسائل الاعلام، التأكيد على المقررات التي سبق واتخذها مؤتمر الحوار الوطني والعمل على تنفيذها، قيام رئيس الجمهورية باجراء حوارات ثنائية لتكريس المصالحات وقيامه بتشجيع اللقاءات من أجل تعزيز فرص نجاح الحوار شكلاً ومضموناً تحضيراً للجلسة المقبلة.

واشار الرئيس سليمان في كلمته الى «مدى حاجة الوطن لنجاح (الحوار) ومدى تلهف المواطنين انتظاراً لنتائج يخلص لها فتعيد لهم ما افتقدوه منذ زمن بعيد من استقرار سياسي، ورخاء اقتصادي، وأمان اجتماعي». وقال: «لقاؤنا هذا محطة مفصلية نفتح من خلالها نافذة جديدة على الحوار الهادئ، مستندين الى تجربة ديمقراطية عريقة، يشكل الحوار واحدة من ابرز ممارساتها. فالحوار والديمقراطية صنوان. وكلاهما مبني على التباحث والنقاش وعلى الاعتراف بالرأي الاخر واحترامه. واجدني مؤمنا ان الوجه المكمل للحوار يتمثل بالمصالحةِ بين أطرافه، فالمصارحةُ والمصالحة تؤديان إلى التوافق على ما يضمنُ بناءَ الدولةِ القوية، والتزامَ الممارساتِ الديمقراطية. وسيفضي ذلك كُلَه إلى تأكيدِ وتعزيزِ قدرةِ الدولة على إدارةِ شؤونِها بنفسِها». واضاف: «تفرضُ علينا مسؤوليتنا الوطنية ألا نقبلَ بديلاً عن إنجازِ هذه التوافقات، فهي سبيلُنا المتاح إلى الحياةِ الكريمة. والبدائلُ الأُخرى المتبقية ـ بخلافِ التوافق ـ تدعو إلى القلقِ الشديد والخوفِ على المستقبل. وهي تستحقُ أن نتوقفَ عندها ملياً وأن نبادرَ حيالها إلى تقديمِ التنازلات وتقبّلِ التضحيات ولو كانت موجعة، فهي لا تُقَدَّمُ من أطرافِ الحوار بعضَها للبعضِ الآخر، بل هي قربانٌ يُقَدَّمُ في سبيلِ عزةِ هذا الوطن وكرامتِه».

ولفت الى ان «الاجواء السياسيةِ المشحونة تعدت محيطنا الإقليمي. وهي تنذرُ بتوتراتٍ دوليةٍ يُتوقعُ لها فيما لو استمرت أن تؤدي إلى استقطاباتٍ متوترة، باردةٍ وساخنة. ونحنُ بلدٌ صغيرٌ ومتنوعٌ لا بد له أن يكون موحداً، متضامناً على السراءِ والضراء، لعله ينجحُ ما أمكنَ في تجنبِ مفاعيلِ الرياح العاتية إذا ما هبت. ولنا ولكم من تجاربِ الماضي القاسية خيرُ دليل».

واذ رأى ان «مؤتمر الحوار اللبناني الذي انعقد بدعوة من رئيس مجلس النواب في العام 2006 استطاعَ أن يحققَ توافقاً في مواضيعَ عديدةٍ، وكان ذلك إنجازاً مقدراً ومشكوراً يقتضي السيرُ قدماً في تنفيذها» اقر لطاولة الحوار بالفضل «في ما نحن بصدده اليوم». مقدرا «رعاية جامعة الدول العربية بشخص أمينها العام السيد عمرو موسى، وجهودَ لجنة وزراء الخارجية العرب التي توجّتها مقرراتُ مؤتمر الدوحة، برعايةٍ كريمةٍ من أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني».

وقال سليمان: «ترى الأطرافُ المختلفةُ وجوبَ مناقشةِ موضوع الإستراتيجية الدفاعية للبنان، والإستراتيجية عنوانٌ شامل يبحثُ عن خياراتٍ كُبرى ومخططاتٍ طويلةِ الأجل، ويتناولُ مواردَ الدولةِ على اختلافِها بغيةَ حشدِها لتأمينِ تحقيقِ الأهدافِ المرسومة. كما أن كثيرين قد طرحوا بحثَ مواضيعَ أُخرى بالتزامنِ مع مناقشةِ هذه الإستراتيجية. وأرى أن من أُولى مهامِنا أن نضعَ تصوراً عاماً لهذا الحوار شكلاً ومضموناً، فقبولُ الحوار بحدِ ذاته يعني أن لا شيءَ مقفلاً، بل أن مختلفَ المواضيع قابلةٌ للنقاشِ والتوافق، والممنوعُ الوحيد هو الفشلُ أو الوصولُ إلى الطريقِ المسدود». واضاف: «اخطار كُبرى لا تزالُ تتهددُ هذا الوطن الحبيب. ونحن جميعاً متفقون على أن إسرائيل لا تزالُ مصدرَ الخطرِ الأبرز علينا. وهي لا تتورعُ عن إعلانِ نواياها العدائيةِ تجاهَنا والتهديدُ بضربِ مؤسساتِنا ومنشآتِنا الوطنية، ما يؤكدُ إصرارَها على العدوانِ واستهتارَها بالشرعيةِ الدوليةِ وبقراراتِ الأمم المتحدة وبقواتِها العاملةِ في الجنوب، ناهيك عن استمرارِ احتلالِها لأجزاءَ عزيزةٍ من أرضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قريةِ الغجر. واستمرارِ حرمانِها اللاجئين الفلسطينيين من حقوقِهم المشروعة. وإزاءَ هذا الواقع، واستناداً إلى حقِ لبنان شعباً وجيشاً ومقاومة في الدفاعِ عن أرضِه، لا بد من وضعِ إستراتيجيةٍ تتكاملُ فيها كُلُ عناصرِ قوةِ الدولة، وتندرجُ تحتَ مفهومِ الدولةِ في الدفاعِ عن أراضيها في إطارِ السياسةِ العامةِ للبلاد. إنني على ثقةٍ تامة أن باستطاعتنا وضعُ إستراتيجيةٍ تحمي لبنان تستندُ إلى قواتِنا المسلحة وتستفيدُ من طاقاتِ المقاومةِ وقُدراتِها. فلنبحث عن عناصرِ القوةِ لدينا، ولندمج قدراتِنا بما فيها الدبلوماسية، ولنثمّر رسالةَ لبنان وتنوعِه، فنحقق من خلالِ التحاور وحدتَنا وتوافقَنا، ونقارب مثل هكذا موضوعٍ مصيري بوجهاتِ نظرٍ موحدة».

ورأى انه «تهيأت في الفترةِ الأخيرة ظروفٌ ومعطياتٌ خارجيةٌ مساعدة يمكنُ البناءُ عليها خلالَ جلساتِ الحوار، وبالأخص من خلال القمة اللبنانية- السورية» مشيرا الى «أن البيانَ المشترك اللبناني ـ السوري الذي أعقبها يُشكلُ اساساً يجبُ تثميرُه ومتابعتُه، فهو يؤسسُ لارضيةٍ صالحة تُحصِّنُ إمكاناتِنا، وتعززُ عناصرَ القوةِ المتوافرةِ لدى البلدين. وستتمُ مواكبةُ هذا السعي لتثبيتِ حقوق لبنان والدفاعِ عن مصالحه العليا، من خلالِ إطلالاتنا المرتقبة على المحافلِ الدولية، ومن خلالِ الزياراتِ المتبادلة التي تمت، وتلك التي يجري الإعداد لها».

وتطرق الى الانتخابات النيابية المقبلة معتبرا انها «مكون مركزيٌ من مكوناتِ حريتِنا وديمقراطيتِنا ومحطةٌ رئيسيةٌ في مسيرةِ بناءِ الدولةِ السيدة. وإن إنجازَها على الوجهِ الأمثل دليلٌ معبرٌ على مدى قدرتنا على إدارةِ شؤونِنا بأنفسِنا. وأرى أن الأجواءَ التي سيخلقُها الحوار، ستدفعُ بالمعنيين لإقرارِ قانونِ الانتخابات في أسرعِ وقتٍ ممكن، والسيرُ قدماً بتحضيرِ كافةِ الإجراءاتِ الضروريةِ لإتمامِها في مواعيدها». وقال: «تقضي الواقعيةُ منا أن نعترفَ بما يعترضُ مسيرتَنا من صعوباتٍ واخطار، فكلما تقدمنا على طريقِ التهدئةِ والاستقرار يسعى المتضررون لافتعالِ التوترِ وإثارةِ الفوضى. وكلما نجحنا في تجاوزِ الخلافات وعقدِ المصالحات عملت قوى الشر على معاقبةِ الشجعان الذين انبروا لإنجازِها وعقدِها. وفي هذا السياق، ما أن أطلقنا الحوار حتى وقعت جريمةُ بيصور وعُوقبَ فيها أحدُ هؤلاءِ الشجعان، لكنَ رياحَ المصالحةِ كانت قد هبت، فأثمرت بالأمسِ لقاء خلدة الميمون، ولم تقو عليها أيدي الغدرِ والجريمة، فلنغتنم جميعاً الريح المؤاتية، إذ أن الجريمةَ من فعلِ أعداءِ لبنان، وليس أمامَنا سوى أن نتصدى لأعداءِ لبنان بمثل هذه الإرادةِ في الحوارِ والشجاعةِ في المصالحة».

ونبه الى «ان الأهدافُ الوطنيةُ التي نتوخاها من هذا الحوارِ المسؤول عرضةً لاخطار جمة» مشددا على وجوب «مواكبتَها بمسؤوليةٍ إعلاميةٍ عالية تلتزمُ بها كافةُ أطرافِ الحوار، وبمناخٍ إعلامي معافى يفصلُ بوضوح بين قدسيةِ حريةِ التعبير وفوضى التراشقِ عِبرَ وسائلِ الإعلام». وقال: «النتائجُ المفرحةُ قد لا تبدأُ بالظهورِ باكراً، وعلى العكسِ من ذلك فقد توحي أجواءُ التصارحِ وعرضِ الهواجسِ ونقاشِها بأن الحوارَ يتجهُ إلى الطريقِ المسدود، كما قد يوحي بذلكَ أيضاً الفسحةُ الزمنيةُ التي نحتاجُها لإعلانِ نتائجَ إيجابية. وفي هذا السياق نعتبرُ أن جميعَ وسائلِ الإعلامِ اللبنانية معنيةٌ باحتضانِ الحوار الوطني بعيداً عن الشحنِ الطائفي والفئوي، ولا نراها إلا ملتزمةٌ بالقوانين والأعرافِ المهنية، وساعيةٌ إلى تعزيزِ الوفاقِ والوحدةِ الوطنية».

وبعد انتهاء كلمة الرئيس، تحولت الجلسة الى جلسة مغلقة. تحدث فيها موسى الذي تمنى النجاح للمؤتمرين. وقال: «في هذه الظروف الاقليمية والدولية، نتمنى، كما كل عربي، ان يخرج لبنان من عنق الزجاجة وان تتحسن ظروفه». وهنأ الرئيس سليمان على دعوته الى الحوار، متمنيا «ان يحقق الحوار بقيادته كل ما يتمناه اللبنانيون ويصبون اليه». وكانت طاولة الحوار انعقدت عند الحادية عشرة من قبل الظهر في قاعة 22 تشرين الثاني (نوفمبر) في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس سليمان وحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، الرئيس السابق أمين الجميل، رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، النائب ميشال المر، رئيس «الكتلة الشعبية» الوزير الياس سكاف، وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، النائب بطرس حرب، النائب غسان تويني، النائب آغوب بقرادونيان ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع. كما حضر جلسة الافتتاح الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. وقد سبقت الجلسة الافتتاحية خلوة بين الرئيسين سليمان وبري. وانضم اليهما لاحقا النواب وليد جنبلاط ومحمد رعد وسعد الحريري.

وعند وصول أقطاب الحوار، بدأت الدردشات الجانبية «على الواقف» لا سيما بين النائبين محمد رعد وميشال المر ومستشار رئيس الجمهورية ناظم الخوري، ثم انضم إليهم النائب الارمني آغوب بقرادونيان. وحصل لقاء ثنائي بين النائبين المر وبقرادونيان. كذلك حصلت دردشة جانبية بين جعجع والنائب المر، وبين النواب عون وسكاف وبقرادونيان، وبين الرئيسين السنيورة والجميل انضم إليهما النائب المر.