وثائق سنجار: الظواهري قال للزرقاوي نصف المعركة في القتال الإعلامي (9)

نائب بن لادن: لا نود تكرار خطأ طالبان ومشاهد ذبح الرهائن أضرت بنا كثيرا

الزرقاوي
TT

من الواضح أن حرب العراق زادت من عمليات التحول إلى التوجهات الراديكالية ذات الطابع «الجهادي» داخل العالم المسلم. كما أسفرت الحرب عن تنامي أعداد المجندين في صفوف تنظيم «القاعدة».

عام 2007، شرح الرئيس الاميركي جورج بوش ما أُطلق عليه نظرية «ورق الذباب» (ورق مسمم لقتل الذباب) فيما يخص محاربة «القاعدة» داخل العراق بقوله: «إذا لم نحارب هؤلاء الإرهابيين التابعين للقاعدة في العراق، سيعمد معظمهم إلى محاولة قتل الأميركيين والمدنيين الآخرين في مناطق أخرى، مثل أفغانستان أو أي من العواصم الغربية الأخرى، أو في شوارع مدننا». ورغم أن معظم العناصر المنضمة حديثاً إلى صفوف «القاعدة» توجهت بالفعل الى العراق، تشير الأدلة إلى أن مستويات أعمال العنف الإرهابية تفاقمت بمختلف أنحاء العالم بينما ظلت القوات الأميركية مرابطة بالعراق. ويرجع السبب وراء ذلك إلى الاتساع الدراماتيكي الذي طرأ على مصادر الإرهابيين المحتملين خلال السنوات الخمس السابقة. ففي هذا الصدد، أكد تقدير الاستخبارات الوطنية الصادر عام 2006 أن: «الصراع في العراق تحول إلى «القضية الكبرى» بالنسبة للجهاديين. ويسهم في صياغة جيل جديد من العملاء الإرهابيين». وسعياً وراء التأكد من صحة هذه الفكرة، قام الباحث بول كروكشانك الذي يعمل في جامعة نيويورك بمقارنة الهجمات الإرهابية خلال الفترة بين 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وغزو العراق في مارس (آذار) 2003 بتلك التي وقعت ما بين الغزو وسبتمبر (أيلول) 2006. اعتمدت المقارنة على الأرقام الصادرة عن قاعدة البيانات الإرهابية الموثوق بها الخاصة بمؤسسة راند، وخلصنا إلى أن معدل الهجمات الفتاكة التي شنها الإرهابيون ازداد بمقدار سبعة أضعاف منذ وقوع الغزو.

ووقع الكثير من هذه الهجمات في العراق وأفغانستان، لكن باستثناء الهجمات التي وقعت بهاتين الدولتين، نجد أن عدد الهجمات الفتاكة التي نفذها المتطرفون بمختلف دول العالم الأخرى ارتفع بما يزيد على الثلث بعد مارس (آذار) 2003. بطبيعة الحال لا يمكن الإدعاء بأن العراق سبب كل هذا الإرهاب، لكن المؤكد أنه ساهم في الإسراع من وتيرة الهجمات الإرهابية من لندن إلى كابل وحتى عمان. وطبقاً لما ورد بسجلات سنجار التي بثتها مواقع قريبة من البنتاغون من دراسات مركز مكافحة الإرهاب الأميركي، وكان آخرها دراسة شارك في إعدادها مجموعة من الخبراء والمحللين الأميركيين، يوليو (تموز) الماضي، بعنوان (المفجرون والحسابات المصرفية.. والاستنزاف. طريق «القاعدة» الى العراق.. الدخول والخروج)، فمنذ غزو العراق، استمرت «القاعدة» في التخطيط لشن هجمات كبرى. على سبيل المثال، في حال نجاح «مخطط نسف الطائرات» في صيف 2006، كان ذلك سيسفر عن إسقاط سبع طائرات ركاب أميركية وكندية بعد انطلاقها من المملكة المتحدة، وبالتالي مقتل مئات وبل وربما الآلاف. وفي شهادته أمام إحدى لجان الكونغرس عام 2007، أكد الفريق مايكل مابليس، رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية، أن مخطط الطائرات تم توجيهه من قبل «القاعدة» في باكستان. تأسس تنظيم «القاعدة» في العراق في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، عندما أعلن أبو مصعب الزرقاوي الولاء لأسامة بن لادن. اقتصرت العمليات الأولى للزرقاوي داخل العراق، والتي بدأت عام 2002، على المنطقة الجبلية بكردستان، وهي منطقة الحظر الجوي التي كانت واقعة خارج نطاق سيطرة صدام حسين. جدير بالذكر أنه قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2004، اتسمت علاقات الزرقاوي بـ«القاعدة» بالتقطع، وهي علاقات يعود تاريخها إلى مطلع التسعينيات عندما خاض القتال في أفغانستان. عام 1999، أقام الزرقاوي معسكر تدريب بغرب أفغانستان من أجل جماعة التوحيد التي تزعمها، والتي دخلت في بداية عهدها في منافسة مع «القاعدة» إلى حد ما من أجل الحصول على المجندين والموارد. يذكر أن شادي عبد الله، أحد أعضاء جماعة التوحيد والذي ألقت الشرطة الألمانية القبض عليه، ادعى أن الزرقاوي، على الأقل حتى مطلع عام 2002، ركز اهتمامه على أهداف أردنية وإسرائيلية ويهودية، وليس الولايات المتحدة. ويعد ذلك تحديداً الاختلاف الأيديولوجي الرئيس بين التوحيد و«القاعدة». بيد أنه رغم الاختلافات التاريخية بينهما، أصدر الزرقاوي بياناً على شبكة الانترنت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2004 باسم جماعته يتعهد فيه بالولاء لابن لادن. ومع ذلك، لم يلتزم الزرقاوي بأوامر الهيكل المركزي للقاعدة، حيث حث أيمن الظواهري في خطاب له إلى أحد معاوني الزرقاوي في يوليو (تموز) 2005، وقع في أيدي القوات الأميركية، الزرقاوي على التحلي بحكمة اكبر في حملته ضد الشيعة ووضع نهاية لعادة قطع الرؤوس القبيحة. وجاء في نص الخطاب: «لا نود تكرار خطأ طالبان، الذين قصروا المشاركة في الحكم على الطلاب وأبناء قندهار فحسب. ولم يكن لديهم أي تمثيل للشعب الأفغاني داخل نظامهم الحاكم، وعليه، انفض الشعب الأفغاني عنهم. لذلك أشدد مجدداً بالنسبة لك وجميع إخوانك على الحاجة لتوجيه العمل السياسي جنباً إلى جنب مع العمل العسكري، عبر التحالف والتعاون وجمع كافة القادة ذوي الرأي والنفوذ داخل المشهد العراقي. أكرر التحذير من الانفصال عن الجماهير. لهذا السبب، يتساءل الكثير من المسلمين المعجبين بك من بين الجماهير العادية عن السبب وراء هجماتك ضد الشيعة. وتزداد حدة هذه التساؤلات عندما يقع الهجوم ضد واحد من مساجدهم. أعتقد أن هذا الأمر لن يكون مقبولاً لدى جمهور المسلمين مهما حاولت تبريره، وسوف يستمر البغض الشديد إزاءه». ويضيف الظواهري في رسالته: «من بين الأمور التي لن تستسيغها قط مشاعر عوام المسلمين الذين يحبونك ويدعمونك، مشاهد ذبح الرهائن. وعليك ألا تنخدع بالثناء الذي تلقاه من جانب بعض الشباب المتحمس ووصفهم إياك بشيخ الذباحين، وما إلى غير ذلك. أقول لك إننا في معركة، وما يزيد على نصف هذه المعركة يدور داخل ميدان القتال الإعلامي.

وعلى ما يبدو، قام الخليفة المصري للزرقاوي، أبو أيوب المصري، بتعزيز روابطه مع الكيان المركزي للقاعدة. في يوليو (تموز) 2007، ألقت القوات الأميركية القبض على عميل عراقي للقاعدة يدعى خالد المشداني، واعترف أمام المحققين بعمله كهمزة وصل بين كبار زعماء «القاعدة» في العراق وبن لادن والظواهري. وطبقاً لما ورد عن المؤسسة العسكرية الأميركية، كشف المشداني عن «تدفق توجيهات استراتجية وتحديد لأولويات الرسائل والإرشادات الأخرى التي تأتي من القيادات الكبرى داخل «القاعدة» إلى قيادتها في العراق». علاوة على ذلك، من المحتمل أن تكون هناك علاقات طويلة الأمد بين المصري، عضو جماعة الجهاد المصرية، وأيمن الظواهري. وتشير الاحتمالات إلى أن «القاعدة» في العراق اليوم أصبحت أقرب إلى كونها جماعة فرعية تتبع الكيان المركزي للقاعدة منها إلى جماعة تتبع «القاعدة» اسمياً بينما تتميز بالاستقلالية في عملها مثلما كان الحال في عهد الزرقاوي. ونظراً للتهميش المتزايد الذي تعاني منه «القاعدة» في العراق، ستواجه «القاعدة» المركزية صعوبة في الحصول على مساعدة الجماعة العراقية في شن هجوم إرهابي خارج الحدود العراقية، على الأقل على المدى القصير. ماذا تعلم المقاتلون الأجانب في العراق؟

تخوض «القاعدة» في العراق حرباً ضد أفضل جيش في التاريخ، ما يكسب أعضاءها مهارات أهم بكثير بالنسبة للعمليات الإرهابية المستقبلية عن تلك التي تعلمها نظراؤهم خلال الثمانينات في إطار حرب العصابات التقليدية التي شنوها ضد الجيش السوفياتي الذي عاني من تدني مستوى الروح المعنوية لدى جنوده الإلزاميين. وجدير بالذكر أن حملة الهجمات الانتحارية الكبرى في العراق تعد الأوسع نطاقاً والأكثر تأثيراً على مر التاريخ. ففي غضون شهر واحد، يونيو (حزيران) 2007، شهد العراق 35 هجوماً انتحارياً. في المقابل، ويوضح خبراء مكافحة الارهاب أن جماعة نمور التاميل نفذت 76 هجوماً انتحارياً على امتداد 14 عاماً بين عامي 1987 و2001.

وتكشف الأرقام أن «القاعدة» في العراق، المسؤولة عن 80% على الأقل من الـ900 هجوم انتحاري تقريباً الذين تعرض لهم العراق على مدار السنوات الخمس السابقة، نفذت هجمات انتحارية أكثر من تلك التي قام بها نمور التاميل بمقدار عشرة أضعاف خلال ثلث الفترة الزمنية. وإضافة إلى العدد الإجمالي للهجمات، تتسم التكتيكات الانتحارية التي تنتهجها «القاعدة» بالعراق بالابتكار. والواضح أن الجماعة أتقنت استخدام عدة انتحاريين في آن واحد وتستعين بتفجيريين من خلفيات ديموغرافية مختلفة. يذكر أن النساء نفذن تفجيرات انتحارية بالعراق، وهو تكتيك رفضته الجماعات الجهادية السلفية بشكل عام. كما جرى استخدام فرق انتحارية تتألف من زوج وزوجته، مثلما حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 عندما تم تجنيد مورييل ديجوك، البلجيكية، وزوجها من جانب «القاعدة» كتفجيريين انتحاريين في العراق. واكتسبت هذه العملية أهمية خاصة لأنها كانت المرة الأولى التي تشن امرأة جهادية أوروبية هجوماً انتحارياً. ورغم أن ذلك الأمر لم يتم إيعازه بصورة مباشرة إلى «القاعدة» في العراق، فإن استخدام غاز الكلور في الهجمات عام 2007 يزيح الستار عن تصعيد تكتيكي وحشي داخل العراق. ويبدو أن المتمردين توقفوا عن استخدام هذا التكتيك، لعدم إثباته فعالية، ولأن استخدام الأسلحة الكيماوية يجري النظر إليه باعتباره متجاوزا للحدود المقبولة. الدعاية تعتبر حرب العراق الأولى من نوعها التي يجري شنها من خلال شبكة الانترنت وداخل ميدان القتال بنفس الضراوة، حيث يجري تصوير نسبة كبيرة من الهجمات، ثم نشرها على المواقع الجهادية على الشبكة. وأصبحت مشاهد قطع الرؤوس، التي ظهرت للمرة الأولى عند اختطاف الصحافي الأميركي دانييل بيرل في باكستان، من العناصر الشائعة في الدعايات الجهادية العراقية. وشهد صنع المتفجرات بدائية الصنع العديد من الابتكارات داخل العراق بدءاً من الأدوات «السلبية» مروراً بالمتفجرات التي يتم إطلاقها باستخدام الهاتف الجوال وحتى المتفجرات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء التي بمقدورها اختراق أي مركبة مصفحة تقريباً. وتثير قدرة «القاعدة» في العراق على إنتاج متفجرات بدائية الصنع ذات مستوى متقدم إمكانية تطوير وبناء ونشر مثل هذه الأسلحة بأي مكان من العالم. وعلى خلاف الحال مع العرب الأفغان، الذين لم يصدروا تكتيكاتهم إلى الخارج حتى ما بعد انتهاء «الجهاد» ضد الشيوعية، يجري تصدير تكتيكات العمليات الانتحارية والمتفجرات بدائية الصنع العراقية إلى مسرح العمليات الأفغاني ضد القوات الأميركية وقوات حلف الناتو والحكومة الأفغانية. وتم إتقان هذه التكتيكات من خلال محاكاة حركة التمرد العراقية وإرسال جهاديين إلى العراق بهدف التدريب. من ناحيتها، اعتمدت طالبان بصورة متزايدة على تكنيكات الهجمات الانتحارية والمتفجرات بدائية الصنع وقطع رؤوس الرهائن، والتي أتقنتها «القاعدة» داخل العراق. يذكر أن العمليات الانتحارية التي لم تكن معروفة قط تقريباً داخل أفغانستان من قبل، أصبحت شائعة في عام 2005 بعد أن عاينت طالبان النجاح الذي حققته هذه العمليات في العراق. علاوة على ذلك، فإن بعض أعضاء الهيكل المركزي للقاعدة، أمثال عبد الهادي العراقي وعمر الفاروق وحسن غول، تم إلقاء القبض عليهم أو قتلهم إما داخل العراق أو في الطريق إليه. وخلال حقبة الجهاد الأفغاني، لم يشن العرب هجمات خارج الحدود الأفغانية. وعلى النقيض، تعتبر «القاعدة» في العراق الجماعة المتمردة الوحيدة بالعراق التي هاجمت أهدافاً أميركية خارج البلاد، وأعلنت مراراً عزمها مهاجمة الولايات المتحدة ذاتها. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، شنت «القاعدة» في العراق هجمات انتحارية متزامنة ضد ثلاثة فنادق مملوكة لجهات أميركية في العاصمة الأردنية عمان، وأسفرت عن مقتل 60 شخصاً معظمهم أردنيين. في أغسطس (آب) 2005، شنت الجماعة هجمات صاروخية ضد سفينتين حربيتين أميركيتين في ميناء العقبة، ما أدى إلى مصرع مواطن أردني. أيضاً، أسست «القاعدة» في العراق جماعة الدولة الإسلامية بالعراق وعينت البغدادي قائداً اسمياً لها. ومع أن الغالبية العظمى من أعضاء هذه الجماعة في الوقت الحاضر ينتمون إلى العراق، فإن قيادتها لا تزال أجنبية، ما يخلق مشكلة في تعاملاتها مع الجماعات الوطنية العراقية الأخرى.