الهند تسعى لتحويل أراضيها الزراعية إلى مصانع

مزارعون يشتكون من دخول الصناعة إلى حياتهم من دون تعويضات مجدية

TT

قبل شهر من إطلاق شركة «تاتا» الهندية العملاقة، أرخص سيارة على مستوى العالم في الأسواق من مصنعها الجديد المقام على هذه المنطقة، التي كانت تضم سابقاً حقولا للبطاطا والأرز، نظم المزارعون ثورة أجبرت الشركة على تجميد العمل بالمصنع، بل والتفكير في إنهاء العمل به تماماً. وتعتبر هذه الأزمة مثالا على السحب الداكنة التي تخيم على الحقبة الانتقالية الاقتصادية، التي تمر بها الهند، والمتعلقة بكيفية تحويل الأراضي الزراعية الخصبة القليلة إلى النشاط الصناعي في دولة ما زال أكثر من نصف سكانها يعيشون على الزراعة. وفي خضم هذا التحدي، الذي يعتبر من أهم التحديات التي جابهتها الحكومة الهندية، يكمن التساؤل ليس فقط حول كيفية تعويض المزارعين الذين يفسحون الطريق أمام المستقبل الصناعي للهند، وإنما كذلك بشأن كيفية تهيئتهم، بأعداد كبيرة، للاقتصاد الجديد.

ويذكر أنه خلال السنوات الأخيرة، أسفرت الصدامات التي اندلعت حول الأراضي عن التخلي عن مشاريع صناعية كبرى عدة في جميع أنحاء هذه الدولة الديمقراطية، والبالغ إجمالي تعداد مواطنيها 1.1 مليار نسمة، يتركز معظمهم بالمناطق الريفية ويعيشون تحت وطأة الفقر. وفي ولاية أوريسا شرق البلاد، تمكن مزارعو أوراق التنبول من وقف مشروع بقيمة 12 مليار دولار يخص شركة «بوسكو» كورية الجنوبية لإنتاج الصلب، وذلك عن طريق اختطاف مسؤولي الشركة من وقت لآخر. وفي غرب ولاية جوا، تم التخلي عن العديد من المناطق الصناعية الخاصة المقتر بسبب مظاهرات عامة متكررة. وخارج مومباي، العاصمة التجارية للهند، تصر مجالس القرى على إجراء استفتاء عام هذا الشهر حول منطقة صناعية اقترحها موكش دي. أمباني، أثرى رجل بالبلاد. وفي جميع هذه الحالات تقريباً، غالباً ما تأتي المقاومة الأقوى داخل صفوف المزارعين من قبل الذين يدركون أنهم الأقل تأهيلاً للعمل خارج مجال الزراعة. وعلاوة على مشاعر القلق تلك، غالباً ما يجري حث المزارعين على التظاهر من جانب السياسيين الرامين للحصول على تأييدهم، ويقدم المزارعون على التظاهر أيضاً سعياً لإشعال أسعار الأراضي أو إعادة التفاوض بشأن صفقات تتعلق بالأراضي. وفي أغلب الأحوال، يصب المزارعون غضبهم على الحكومة، التي تحصل على الأراضي في وتحولها إلى المعنيين بالتنمية الصناعية. وحتى الآن، لم تصدر الحكومة المركزية بعد السياسة الوطنية التي طال انتظارها بشأن كيفية تعويض من خسروا أراضيهم. وقال ميدها باتكار، أحد أبرز المعارضين الهنود للمشروعات الصناعية الكبرى: «الأرض مصدر الرزق، وليست مجرد أحد الممتلكات». وفرض المتظاهرون حصاراً على مصنع جديد يتبع شركة «تاتا» موتورز الشهر السابق داخل هذا الحزام الزراعي الثري في ولاية البنغال الغربية، وفي إحدى المرات منعوا العمال من مغادرة المصنع. والآن، يرغب المتظاهرون في أن تعيد الحكومة قرابة ثلث مساحة 997 فدانا حصلت عليها الولاية لصالح مصنع «تاتا». وذكر أن بعض الأراضي تم الاستيلاء عليها بالقوة من المزارعين. ومنذ ذلك الحين، أجبرت مطالبهم حكومة الولاية، التي تسيطر عليها إدارة شيوعية منتخبة، على محاولة التخفيف من شروط الصفقة، دونما التخلي تماماً عن موقع المصنع. وفي محاولة لتهدئة غضب المتظاهرين، أعلنت الحكومة يوم الأحد الماضي عن حزمة جديدة أكثر سخاءً من التعويضات لمن تم إجلاؤهم عن أراضيهم. وتضمنت التعويضات 50 في المائة زيادة في السعر الذي تم دفعه مقابل الأراضي وتوفير التدريب المهني لعضو واحد من كل أسرة تم تشريدها. وعلى الجانب الآخر، نظم الحزب الحاكم ومعارضوه تظاهرات متعارضة خلال هذا الأسبوع. وجاءت تلك الصفقة الجديدة فقط لتكشف عن مدى عمق القلق الذي أثاره المصنع بالقرى المحيطة. وقال طيب علي ماندال، 52 عاماً: «نحن لا نعلم سوى أعمال الزراعة، لا نعلم أية أعمال كتابية». وكان ماندال قد تخلى عن أرضه العام السابق، ولكنه كان يشعر بالمرارة ويرغب في استعادة أرضه. وقد رفض آخر عروض الحكومة له بالحصول على وظيفة داخل المصنع. وقال ماندال إنه يفضل أن يستمر نجله البالغ من العمر 16 عاماً في العمل بأحد المصانع الصغيرة لزخرفة الأقمشة، وهي مهنة تقليدية داخل مجتمعه. وأكد ماندال قائلاً: «لن أدخل إلى هذا المكان ولو لقضاء حاجتي. إننا نشعر بالاشمئزاز تجاهه». من ناحيته، أوضح جوبال سانترا، الذي رفض هو وعشيرته الحصول على أموال مقابل التنازل عن الأرض التي فقدوها، أنهم أملوا في أن يسفر تجدد المظاهرات عن دفع الولاية نحو تحسين العرض الذي تقدمت به. وهناك آخرون، أمثال شيخ محمد علي، ممن رحبوا بمصنع «تاتا» لإنتاج سيارة طراز «نانو»، داخل أراضيهم ويتوعدون بالتصدي للمعترضين. يذكر أن علي، الذي يبلغ من العمر 50 عاماً، تخلى طواعية عن أرضه، وتمكن من خلال صلاته بعمال تابعين للحزب الشيوعي من بدء مشروع تجاري خاص لإمداد الجهة المسؤولة عن بناء المصنع بالأسمنت اللازم. وشعر علي بغضب بالغ إزاء المتظاهرين، الذين تسببوا في توقف العمل في المصنع على مدار الأسبوعين السابقين، وبالتالي توقف نشاطه التجاري. وأكد علي غاضباً أن: «هناك حدودا لصبرنا. هل لو استوليت على طبق الأرز الخاص بي، سأتركك تذهب به بسلام؟». أما بيديوت كومار سانترا، الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، وهو من الأفراد النادرين من أبناء جويمولا، الذين أنهوا تعليمهم الثانوي، فكان واحداً من القلائل المحظوظين الذين حصلوا على فرص عمل داخل خط الإنتاج، وبالتالي أدرك مدى تدني مستوى تأهله للتكيف مع مستوى العمل بالمصنع. على سبيل المثال، يتقن جميع المهندسين اللغة الإنجليزية، بينما يجهلها سانترا تماماً. وعلق سانترا على الوضع بقوله: «لقد شعرت بالخزي، أي تعليم هذا الذي تلقيته؟»، وأقسم سانترا على التأكد من تعلم نجله، الذي ما زال في الصف الأول، اللغة الإنجليزية.

جدير بالذكر أن قرية سنجور، التي من المقرر إنتاج سيارة «نانو» بها، تقع عند مفترق الطريق بين صورتين متباينتين من الهند. فبالنسبة لتاتا، تحتل القرية موقعاً مثالياً على الطريق السريع الجديد المتجه شمالاً إلى العاصمة، وتتقاطع مع خطوط مواصلات مهمة تربط بين شرق البلاد وغربها. وبالنسبة للمزارعين، تتمتع القرية بموقع مثالي على أرض سهلية خصبة توجد في دلتا نهر الجانج ويجري إمدادها بالماء بقنوات ري، ما يجعل الأرض شديدة الخصوبة لدرجة أنها تثمر محصولين من الأرز في العام الواحد، إلى جانب البطاطا والقثاء. وقد نجحت ولاية البنغال الغربية في اجتذاب تاتا للمجيء إلى هذه المنطقة، من خلال تقديم حوافز كبرى، بينها تخفيضات سخية في قيمة استئجار الأراضي وتخفيضات على الضرائب من جانب وكالة التنمية الصناعية بالولاية. وكشفت بعض هذه التفاصيل الخاصة بالعقد الذي أبرمته الشركة مع الحكومة، والذي ما تزال السرية مفروضة عليه، على مدار الأيام السابقة، ما دفع الشركة إلى اللجوء للقضاء، حيث حصلت على حكم يقضي بوقف المزيد من الكشف عن تلك التفاصيل. وحال مطالبة «تاتا» بإعادة 300 فدان من الأراضي، مثلما تطالب المعارضة، فسيتعين عليها إجلاء صانعي قطع غيار السيارات الذين يقيمون محالهم إلى جوار مصنع «نانو» الرئيس. وبطبيعة الحال، يساعد قربهم من المصنع الشركة على توفير بعض تكاليف الإنتاج. وتُمكن هذه المدخرات والشروط السخية المعروضة على «تاتا» من حيث سعر الأراضي والضرائب الشركة من طرح السيارة نانو في الأسواق بسعر مذهل يقل عن 2500 دولار. وحتى الآن، ما تزال الشكوك تحيط بمصير المصنع. ورغم ترحيب «تاتا» بحزمة التعويضات التي عرضتها الحكومة، فإنها تلتزم الصمت حيال خططها المستقبلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»