القرضاوي: ما زلت مصراً على أن هناك مخططاً شيعياً لغزو البلاد السنية

وصف «وكالة مهر» الإيرانية بالمنافقة وعلماء يهاجمونها.. وأحدُ رموز الشيعة المصريين ينتقده لاستخدام لفظ التبشير

TT

على خلفية تقارير إعلامية إيرانية، وصفت تحذيرات العَالِم السُني الدكتور يوسف القرضاوي، الأمين العام للاتحاد العالمي للمسلمين، من تنامي المد الشيعي في الدول السنية، بأنها «تنبع من أفكار طائفية، وتتسم بالنفاق والدجل» دافع الشيخ القرضاوي عن نفسه وأطروحاته في بيان وزعه أمس رد فيه على الهجوم الإيراني، وانتقد المرجعين محمد حسين فضل الله وآية الله محمد علي تسخيري نائب الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين الذي يشغل (القرضاوي) رئاسته، يأتي ذلك في الوقت الذي هاجم فيه علماءٌ سنيون بمصر، التقارير الإيرانية وقالوا في لقاءات متفرقة مع «الشرق الأوسط» إنها حملت بين طياتها سخفا، و«تعصبا أعمى» في الوقت الذي اعتبر فيه أحد رموز الشيعة المصريين «أن هناك حملة منظمة غير مبررة ضد الشيعة تستهدف إعدامهم في ميدان عام».

ودافع القرضاوي عن نفسه في بيان وزعه أمس وقال «ما قلته عن محاولات الغزو الشيعي للمجتمعات السنية، أنا مصرٌّ عليه، ولا بد من التصدي له، وإلا خنَّا الأمانة، وفرطنا في حق الأمة علينا. وتحذيري من هذا الغزو، هو تبصير للأمة بالمخاطر التي تتهدَّدها نتيجة لهذا التهوُّر».

وكان الدكتور القرضاوي قد حذر من «تنامي المد الشيعي في المنطقة ومحاولة الشيعة غزو البلاد السنية بمذهبهم بما لهم من ثروات وكوادر بشرية مدربة على التبشير»، وهم مهيأون لذلك بما يملكون من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمذهب الشيعي، خاصة أن المجتمع السني مهيأ لذلك لأن العلماء السنة لم يحصنوا الأتباع من الغزو الشيعي». وتابع القرضاوي في حديثه لصحيفة «المصري اليوم» «للأسف وجدت في مصر مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة على مدى عشرات السنوات أن يكسبوا سنياً واحدا ولم ينجحوا». وأضاف: «أدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو لأنني وجدت أن كل البلاد العربية هزمت من الشيعة».

في المقابل، هاجمت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء، الشيخ القرضاوي قائلة «إن القرضاوي تحدث بلغة تتسم بالنفاق والدجل وتنبع عن أفكار تحمل الطابع الطائفي محذرا المسلمين من تنامي المد الشيعي».

وربط حسن هاني زاده، خبير الشؤون الدولية في وكالة مهر، بين القرضاوي والصهاينة بقوله: «هذا الكلام وما شابهه سبق ان جاء على لسان حاخامات اليهود الذين كانوا وما زالوا يحذرون العالم من خطر المد الشيعي واستبصار المجتمعات العربية لأن الخسائر التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي في حرب يوليو (تموز) عام 2006 جاءت على يد أبناء الطائفة الشيعية في لبنان دون غيرها».

وقال زاده إن تحذير القرضاوي من خطر الشيعة وملياراتهم وكوادرهم المتدربة وخوفه من استبصار شباب السنة «لم يأت بشكل اعتباطي، بل تكمن خلفه دوافع سياسية وطائفية الهدف منها بث الفرقة بين المسلمين وإثارة النعرات الطائفية في المجتمعات الإسلامية المتهالكة أصلا».

وختم المحلل السياسي لوكالة مهر للأنباء هجومه العنيف على القرضاوي باعتبار المد الشيعي «معجزة إلهية»، كما لوح بأن القرضاوي يخدم أغراضا صهيونية، وتساءل: «هل بات الشيخ القرضاوي يتحدث بهذه التصريحات المشينة نيابة عن زعماء الماسونية العالمية أو عن الحاخامات اليهود؟.. لماذا يسعى هذا الشيخ الكهل بين حين وآخر لإثارة النعرات الطائفية وتوجيه الإساءة إلى شيعة آل رسول الله (ص) حتى أنه وصف المجرم المعدوم صدام بأنه شهيد الأمة استهتاراً بأكثر من ثلثي مجتمع الشعب العراقي مستغلا الإعلام العربي والغربي المثير للفتن؟».

وفي السياق ذاته، انتقد العلامة الشيعي محمد حسين فضل الله وآية الله تسخيري، وصف القرضاوي للشيعة بـ«المبتدعة» واستعماله لفظ التبشير عند حديثه عن نشر المذهب الشيعي في المجتمعات السنية. كما اتهمه التسخيري بأن «تصريحاته تثير الفرقة وتتنافى مع مقاصد الاتحاد العام للمسلمين الذي يرأسه».

ورد القرضاوي على التسخيري قائلا: «إني عشتُ حياتي كلَّها أدعو إلى توحيد الأمة الإسلامية، فإن لم يمكن توحيدها فعلى الأقل تأكيد التضامن فيما بينها، وأني أيَّدت دعوة التقريب، وشهدت مؤتمراتها، وقدَّمت إليها بحوثا مهمَّة». وبرَّر القرضاوي استعماله للفظ التبشير، قائلا: «إنني استخدمتُ نفس التعبير الذي استخدمه الإمام محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، وقد كنتُ استخدم عبارة (نشر المذهب). أما التبشير المسيحي فأنا أسمِّيه باسمه الحقيقي، وهو التنصير. على أنه لا مشاحَّة في الاصطلاح».

وحول قول فضل الله قاصداً القرضاوي «لم نسمع منه أيَّ حديث عن اختراق العلمانيين أو الملحدين للواقع الإسلامي». رد القرضاوي قائلا:

«أنا أقول: يا عجباً! لقد وقفتُ للعلمانيين والملحدين في كتبي ومحاضراتي وخطبي وهي منشورة ومشهورة، مثل: «الإسلام والعلمانية وجها لوجه»، «التطرف العلماني في مواجهة الإسلام»، «بيِّنات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين».. وغيرها».

كما شن القرضاوي هجوما شديدا على وكالة مهر للأنباء ووصفها بالكاذبة المنافقة، خاصة عند حديثها عن تعلم أولاده في لندن وتطبعهم بالثقافة الإنغلوساكسونية على حساب الإسلامية، وقال: «لا أدري كيف يجترئ هؤلاء الناس على الكذب الصُراح، فليس هناك أحد من أولادي يسكن لندن، بل يعملون بالتدريس في جامعة قطر، أو في سفارة قطر بالقاهرة. ومن بناتي ثلاث حصلن على الدكتوراه من إنجلترا، وكلهن في قطر منذ سنين. وهن متمسكات بثقافتهن الإسلامية، وهُويَّتهن الإسلامية، إلا إذا كانت الوكالة تعتبر تخصُّصاتهن العلمية خروجاً عن الدين، وعن الثقافة الإسلامية». كما هاجم بشدة ما قالته وكالة مهر عن خدمته (القرضاوي) للصهيونية، وقال: «أما خطر المد الصهيوني، فلستُ في حاجة إلى أن أتعلَّمه من السيد حسن زاده ـ خبير الشؤون الدولية بالوكالة ـ فمنذ الخامسة عشرة من عمري، وأنا أقاوم هذا الخطر بشعري ونثري، وخطبي وكتبي، ولي كتابان في ذلك هما: «درس النكبة الثانية»، و«القدس قضية كل مسلم».. غير الفتاوى والمحاضرات والخطب الكثيرة. ولو فتح الراديو يوم الجمعة في الأيام التي أخطب فيها، واستمع إلى «فضائية قطر»، لعرف حقيقة موقفي من المدِّ الصهيوني. فلستُ ممن يزايد عليه في هذا المجال.

من جانبها، وصفت الدكتورة سعاد صالح عميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر الهجوم الإيراني على القرضاوي بأنه «تعصب أعمى»، وإن انتقدت القرضاوي في الوقت ذاته لتعريضه بالشيعة، خاصة أنه يشغل منصب أمين عام الاتحاد العالمي للمسلمين، و«من واجبه أن يدعم وحدة المسلمين، خاصة أنه معروف بالاعتدال». وتابعت: «تألمت من حديث القرضاوي وتألمت أكثر من الرد الإيراني، خاصة أننا «نحب آل البيت ونحترمهم كما يحترمهم الشيعة ولم نسمع من الشيعة هجوما سلبيا على السنة طوال سنوات، فمن واجبنا رأب الصدع ونبذ الخلاف».

وبالتوازي مع الدكتورة سعاد، اعتبر الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ما قالته وكالة مهر للأنباء عن القرضاوي بـ«السخف الذي لا يستحق الرد عليه». وأشار إلى أن «المد الشيعي واقع ملموس، وخطورته ليست دينية بقدر ما هي سياسية لأنهم يدينون بالولاء لإيران».

وعن قول البعض إن هجوم القرضاوي لم يكن توقيته موفقاً، خاصة أن الأمة تحتاج إلى من يوحدها، أشار عثمان إلى أن الخلافات الشيعية ـ السنية موجودة ومعلنة، والقرضاوي من أكثر علماء الإسلام تقريباً بين المذاهب، و«يتبوأ مقعد الوسطية واليسر». ولفت إلى أن الهجوم الإيراني لا يرتكز على شيء من الموضوعية، والدليل أنه ربط بين القرضاوي وأغراض الصهيونية، رغم أنه من أكثر الناس دعما للقضية الفلسطينية، وأضاف: «بالطبع لن يؤثر ذلك على سمعة ومصداقية العالم الجليل، ولن يصدق الملايين هذا الهراء».

في المقابل، قال الدكتور أحمد راسم النفيس، أحد أقطاب الشيعة المصريين، إن الدستور المصري واضح وصريح، ويحث على حرية العبادة والعقيدة، كما ينص على المواطنة الكاملة، وهو ما يتعارض كليةً مع طرح القرضاوي الذي دعا فيه للتصدي للتشيع، «فلا يوجد نص قانوني أو دستوري يمنع ذلك».

وحول الطعن الإيراني في القرضاوي واتهامه بترديد مقولات الصهيونية العالمية والاقتراب من الماسونية، أشار النفيس إلى أن الهجوم جاء على لسان صحافي هو حسن هاني زاده، «أي هو هجوم شخصي وأنا لا أعلق على وجهة نظر شخصية». واستنكر أن يوصف الهجوم بالإيراني «لأنه لم يأت على لسان مسؤولين إيرانيين». وأضاف النفيس: «هجوم القرضاوي على الشيعة لم يستند لأي دليل، فمن أين عرف أنهم يدربون كوادر بشرية ويصرفون عليها المليارات، كما أنه من العيب أن يستخدم لفظ التبشير الذي اقترن دائما بالتبشير المسيحي الغربي». ولفت النفيس إلى أن هجوم القرضاوي يأتي في سياق حملة غير مبررة على الشيعة تريد إعدامهم في الميادين العامة، فيكفي أن أحد الدعاة طالب بـ«لغة تتسم بالانحطاط والتدني» في تصريحات بصحيفة محلية، الأجهزة الأمنية بالقبض على الشيعة ومطاردتهم «أي جرجرتهم من بيوتهم إلى الزنازين».