أفغانستان: النسخة الجديدة من طالبان تزدهر بقوة في كل الأقاليم

المتطرفون شكلوا حكومة موازية ضمت وزيرا للدفاع ومجالس للمالية وعينت قضاة وتدفع رواتب للمتطوعين

عناصر ملثمة من طالبان خارج العاصمة كابل (رويترز)
TT

منذ عام مضى كانت عمليات طالبان تتم على نطاق سري، فقد كانت تقوم قوات الحركة، جيدة التنظيم، خلال الليل بشن عمليات كر وفر ونصب كمائن للقوات الأفغانية والقوات الدولية وتقوم بحرق المدارس الخالية وتترك رسائل تحذيرية، أما الهجمات المركزة فكانت تشن في المناطق القبلية الجنوبية معقلها العرقي والديني.

أما اليوم فقد توسعت تلك الهجمات، وأصبحت تلك المليشيات أكثر عتادا وعدة وقدرة على شن هجمات مسلحة كبيرة، وتعمل قوات طالبان في كل الأقاليم وتتحكم في الكثير من المقاطعات في المناطق التي تحيط بالعاصمة. وقد قام مقاتلو القاعدة بقصف عدد من السفارات واقتحموا السجون وكانوا على وشك اغتيال الرئيس خلال عرض عسكري، كما أقدمت على قتل عمال الإغاثة الأجانب وشنقت أو بالأحرى قطعت رؤوس عشرات المواطنين الأفغان.

وقد قامت الحركة بتشكيل حكومة موازية، ضمت وزيرا للدفاع ومجالس للمالية كما قامت بتعيين القضاة في بعض المناطق، وتقوم بدفع رواتب للمتطوعين بها وتمنحهم خطابات تعريف إلى القادة المحليين في المناطق الموجودين بها، ويوجد للحركة أيضا موقع على الإنترنت، وأجهزة إعلامية تعمل على مدار أربع وعشرين ساعة، تقوم بنقل أخبار العمليات بصورة تفوق وكالات الأنباء الأفغانية والغربية.

ويقول وحيد مُجدا مساعد وزير خارجية إمارة طالبان الأسبق، التي حكمت البلاد في الفترة من 1996 حتى 2001: «طالبان بصورتها الحالية لا تشبه تلك التي كانت أيام وجود الإمارة، إنهم جيل جيد متطور، إنهم أكثر تعليما ولا يعاقبون الناس على امتلاكهم اسطوانات السي دي أو أجهزة التسجيل»، وأشار إلى أن طالبان في نسختها القديمة كانت تسعى إلى تطبيق الشريعة والأمن ووحدة أفغانستان أما طلبان الجديدة فتتبنى أهدافا أكبر وأوسع نطاقا، وهي طرد القوات الأجنبية من البلاد ومن العالم الإسلامي».

من المعروف أن الولايات المتحدة تحالفت مع المجموعات العرقية الموجودة في شمال أفغانستان لإسقاط نظام حكم طالبان ردا على استخدام أسامة بن لادن لبلادهم كقاعدة، ونصب حامد كرزاي كرئيس للبلاد من قبل الولايات المتحدة والقوى الأخرى، ثم انتخب بعد ذلك رئيسا شرعيا.

وقد نعمت أفغانستان بالأمن في الأعوام التي تلت الغزو، بيد أن العامين الماضيين شهدا عودة طالبان بقوة إلى الساحة مدفوعة بدعم شعبي نابع من السخط العام على حكومة كرزاي، التي فشلت في تقديم الخدمات الأساسية والأمن إلى الكثير من مناطق البلاد. كما أن ازدياد أعداد القتلى في صفوف المدنيين نتيجة للهجمات الجوية التي يشنها الناتو والولايات المتحدة سبب آخر لدعم طالبان. ولا يعتقد الأفغانيون بقدرة طالبان، التي يقدر عدد مقاتليها في الوقت الحالي ما بين 10.000 إلى 15.000، على السيطرة على العاصمة كابل أو إسقاط الحكومة المدعومة بأكثر من 130.000 من القوات الأجنبية، فقد عملت سلسة الهجمات التي شنتها طالبان في عدد من المدن الكبيرة في الآونة الأخيرة، والتي كان أبرزها تفجير السفارة الهندية والهجوم المسلح على العرض العسكري الذي كان يشهده كرزاي على تحويل كابل إلى ثكنات ومتاريس ساهمت في إبعاد المسؤولين أكثر عن الشعب.

وفي كثير من الأقاليم والتي تقع على مقربة من العاصمة والتي كانت تعتبر آمنة حتى ستة أشهر مضت قال مدنيون مسؤولون حكوميون إن طالبان تتحكم الآن في القرى والطرق وتقوم بدوريات في شاحنات كما تقوم بتجنيد متطوعين جدد، ويقوم أعضاء الحركة بإعدام الموظفين الحكوميين وتفجير وحرق شاحنات الحمولات التي تنقل الأغذية والمعدات إلى القوات الدولية على الطريق السريع، كما تقوم بتفتيش حافلات الركاب للبحث عن الركاب ذوي الهويات الأجنبية والهواتف المحمولة التي يرتبط حاملوها بمسؤولين حكوميين.

ويقول نادر نادري المسؤول في لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة «لا يرغب أعضاء اللجنة في الدخول إلى العاصمة مرة أخرى، ويقولون «إذا وجدت طالبان هاتفي المحمول واتصلت بك قل لهم إنني عامل في محلك وأضاف إن طالبان تزرع حالة من الخوف في البلاد، فهي تعمل بشكل جيد لأن الناس لا يأملون في أن يحصلوا على الحماية إذا ما وقفوا ضدها.

ويشير عبد الجبار القائد السابق إبان الحرب ضد السوفيات وعضو البرلمان عن إقليم غزني إلى أنه لم يعد يخشى زيارة إقليمه، وأضاف في المقابلة التي أجريت في كابل أن قادة طالبان طلبوا منه ترك الحكومة والانضواء تحت لوائهم، لكنه رفض ذلك العرض ويخشى على نفسه القتل. وفي الأسبوع الماضي قامت الحركة بإعدام ثلاثة أفراد من إقليم غزني قالت عنهم أنهم جواسيس للحكومة.

وقال عبد الجبار «استدعاني أحد قادة طالبان وقال لي يجب أن تعاوننا في تحرير أفغانستان من الأجانب، فسألته ماذا أفعل قال: اقتل مدرسا، أو اخطف مهندسا أو قم بأسر أحد جنود الأمم المتحدة»، ربما يكون الناس ليسوا سعداء بطالبان لكن الحكومة ضعيفة والقوات الأجنبية لم تأت لنا بالأمن فما الخيار الذي بين أيدينا؟» ويتعرض إقليم وارداك المجاور لكابل لهجمات مكثفة من طالبان والسكان يقولون إنهم يطلبون من أقربائهم في العاصمة عدم زيارتهم لحضور مناسبات الزفاف أو المآتم. وأشارت روشاناك واردام طبيب التوليد الوحيدة في الإقليم إلى أن قادة طالبان قاموا بتجنيد العشرات من الشباب منذ الربيع الماضي. وتضيف ورداك التي تعمل كعضو في الهيئة التشريعية للإقليم، أيضا أن الناس في إقليمها ربما لا يحبون طالبان لكنهم ينضمون إلى تلك الحركات على أساس أنهم إما أفغان أو مسلمون إضافة إلى الامتعاض لدى السكان من القوات الأميركية وقوات الناتو.

* خدمة «واشنطن بوست»