السودان: الحزب الاتحادي الديمقراطي يواجه هجرة جماعية بسبب غياب المؤسسات

مصدر في المؤتمر الوطني الحاكم: 5 آلاف عضو في حزب الميرغني لديهم الرغبة للانضمام إلينا

TT

قال مصدر مطلع في حزب المؤتمر الوطني لـ «الشرق الاوسط» ان نحو 5000 من عناصر الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض بزعامة محمد عثمان الميرغني ابدوا رغبة لقيادة الحزب الحاكم للانضمام اليه في مقبل الايام. واذا ما تمت الخطوة فانها تعتبر الثالثة من نوعها خلال اقل من شهر، فيما وصف المراقبون ظاهرة انسلاخ عناصر الاتحادي والانتقال الى الحزب الحاكم بانها «سوس ينخر في جسم الحزب»، المتهم بغياب المؤسسات فيه.

وأشعلت الظاهرة معارك كلامية بين قيادات الحزب الاتحادي مع بعضها البعض، حول مبررات الانسلاخ، كما رفعت الظاهرة درجة الحرارة بين الحزبين: الحاكم والمعارض، حيث يعتقد الاول ان الظاهرة طبيعية ومشروعة، بينما يتهم الاتحادي ان الحزب الحاكم يقوم بممارسة الاغراءات المادية لاستقطاب عناصره وضمها اليه.

وبدأت الظاهرة اخيرا عندما كسر القيادي البارز في الحزب فتحي شيلا حاجز تردد طويل، واعلن انضمامه الى حزب المؤتمر الوطني ومعه 18 عنصرا من القيادات الوسيطة للحزب في احتفال كبير حضره الرئيس عمر البشير، وبرر شيلا انضمامه للحزب الحاكم بانه فقد الامل في ايجاد مؤسسية في الحزب الاتحادي، وقال انه انتقل الى الحزب الحاكم بعد ان استنفد كل محاولات الاصلاح من داخل الحزب عبر اللقاءات المباشرة والمكتوبة في الصحف والتصريحات والمذكرات المتتالية لرئيس الحزب. وكان الرئيس عمر البشير وصف انضمام شيلا الى حزبه المؤتمر الوطني الحاكم بانه شيء طبيعي في الاحزاب السودانية.

وبعد ايام من انضام شيلا اعلن «صلاح الازهري» وهو قيادي في الحزب الاتحادي انضمامه الى حزب المؤتمر الوطني، وسلم في احتفال كبير اقيم في دار الحزب الحاكم كشفا باسماء نحو 6000 شخص قال انهم من انصاره داخل الاتحادي على استعداد لخدمة البلاد من خلال الحزب الحاكم، حسب قوله. ويقول شيلا وجماعته انهم غادروا الاتحادي بسبب غياب المؤسسية في الحزب الاتحادي الديمقراطي واحساسهم بقدرتهم على العطاء والاسهام عبر اجهزة المؤتمر الوطني بعد ان ضاق بهم حزبهم السابق على حد قولهم، وضاقت بهم ظروف الحياة على حد قول آخرين. وقال شيلا لـ «الشرق الاوسط» ان انتقاله الى حزب المؤتمر الوطني نهائي وجاء بعد دراسة وتأن، وبعد ان توصل الى قناعة بان «لا فائدة من الانتظار داخل الحزب». ونفى شيلا ما يردده مسؤولون في الحزب الاتحادي بان انتقاله كان لأسباب مادية. وقال: «لست محتاجا للمال حتى اضطر بسببه الانتقال من حزب الى اخر». وعلى غرار شيلا، قال صلاح الازهري لـ «الشرق الاوسط» ان «الحزب يدار منذ وقت طويل بطريقة تجره الى الوراء من يوم لاخر، حتى صار لا يشارك في القضايا الوطنية الكبرى»، واضاف «صار دوره هامشيا»، ومضى ان «الحزب الاتحادي بات يعاني من عدم المؤسسية والديمقراطية في الاداء وهو الان يمضي الى الاسفل».

من جانبه اتهم الحزب الاتحادي الديمقراطي في بيان غاضب، المؤتمر الوطني، بممارسة أساليب دخلية على الحياة السياسية السودانية لاستقطاب عناصره عبر الاغراء بالمال. ووصف العناصر المغادرة بانهم «متفلتين» دفعتهم «الحاجة» الى الانتقال. وقال ان «الظاهرة لا تخدم المرحلة التي تمر بها البلاد حاليا وتتطلب العمل من اجل قضايا الوفاق الوطني». وقال حاتم السر القيادي في الحزب في هذا الخصوص ان «المؤتمر الوطني يستخدم اسلوب الترغيب والترهيب» لا استقطاب عناصر حزبه.

ويقر المؤتمر الوطني باستحسانه للظاهرة باعتبارها طبيعية، ويقول ان بابه مفتوح لمن يريد الدخول. وقال الدكتور نافع على نافع نائب رئيس الحزب انهم لن يألوا جهدا في اقناع من يستطيعون اقناعه من القوى السياسية كافة بالانخراط في الوطني. واضاف انه سعيد بانضمام فتحي شيلا لحزبه، مشيرا الى ان المنضمين هم الذين سعوا للخطوة بانفسهم. وتساءل: «هل نغلق الباب في وجوه من يريدون الدخول الينا». وقال بتشدد: «كل من نستطيع اقناعه بالدخول الى المؤتمر الوطني، لن نتركه».

وقال محمد مندور المهدي القيادي البارز في حزب المؤتمر الوطني إن الاتهامات باستغلال المؤتمر الوطني لحاجة البعض المادية يعبر عن الغضب المرحلي المصاحب لانسلاخ شيلا و18 من قيادات الاتحادي وانضمامهم للوطني. وقال «هذه اتهامات لا قيمة لها كما ان المؤتمر الوطني لا يملك اموالاً للاعداد الكبيرة التي تنضم له يوماً بعد آخر اقتناعاً بطرحه ووضوح افكاره وبأنه الحزب الاقدر على قيادة البلاد في المرحلة القادمة».

وانعشت تجدد ظاهرة الانسلاخ عن الاتحادي فكرة الاصلاح داخل الاتحادي، وفي الخصوص طالب القيادي الاتحادي التوم هجو بالاصلاح العاجل في الحزب. وقال ان الاتحادي ظل يعمل في الفترة الماضية «بطاقمين واحد للمواجهة والاخر للمتاجرة بالحزب»، وأضاف «هذا عبث بتاريخ الحزب يجب ايقافه». ويرى القيادي في الحزب الاتحادي المحامي على السيد ان «ظاهرة مغادرة العناصر الاتحادية سببها سعي البعض للتقرب الى القيادة». وأضاف «كل الذين الان على السياج يهيئون انفسهم للانتقال.. العامل الاساسي في ذلك سلوك الانتهازيين في الحزب»، لكن السيد قال إن «المؤتمر الوطني يؤمن بنظرية الغاية تبرر الوسيلة.. ويسعى لاستقطاب القيادات الحزبية بوسائل غير شريفة، عن طريق المال والمناصب». وتفيد أنباء بان الانتقادات التي وجهتها قيادات في الحزب الى الاداء، أثارت غضبا داخليا، وتعتزم قيادة الحزب محاسبة بعض تلك القيادات على تصريحاتهم التي اعتبرت خروجا على التنظيم.

وفي سياق حالة الململة داخل الحزب، رفعت مجموعة من القيادات الاتحادية مذكرة لرئيس الحزب تطالبه باتخاذ خطوات عاجلة لانتشال الحزب مما وصفوه ببلوغه الدرك الاسفل في الفترة الاخيرة بسبب انعدام المؤسسية داخله. وقالت المذكرة التي تسربت الى صحف الخرطوم ان «الوضع في الاتحادي يحتاج الى عملية اصلاح شاملة وليس الى ترقيع وتسكين»، حسب المذكرة، وطالبت بعقد مؤتمر عام للحزب بشكل عاجل لاعادته الى المؤسسية والديمقراطية وتجديد قياداته. وشن محمد عثمان مالك القيادي في الحزب هجوما على من وقفوا خلف المذكرة من عناصر الحزب المنسلخة، وقال ان حزبه بخير، وأشار الى ان «التصعيد داخل الحزب في الوقت الحالي لا يفيد.. وان الحزب في غنى عن ذلك». ويعتبر الحزب الاتحادي الديمقراطي احد اكبر الاحزاب الطائفية النشأة في البلاد، ساهم بقدر كبير في استقلال السودان. تاسس في اوائل الخمسينات من القرن الماضي بعد سلسلة تحالفات تمت بين القوى السياسية التي نشات في تلك الفترة، ابرزها التحالف المعروف باسم «الحزب الوطني الاتحادي»، الذي جرى بين احزاب الاحرار وعناصره ممن يسمون بـ «الخريجين» في السودان، و«الاشقاء» بزعامة اسماعيل الازهري، وحزب وداي النيل بزعامة محمد نورالدين، والوطني الاتحادي بزعامة خضر حمد. وفيما بعد ائتلف الحزب الوطني الاتحادي مع حزب الاشقاء بزعامة علي الميرغني زعيم الطائفة الختمية الدينية في السودان. وحكم البلاد عدة مرات من خلال النظم الديمقراطية، وظل ينال المرتبة المتقدمة من حيث عدد النواب في البرلمان على مر العهود الديمقراطية.

ويقود الحزب الاتحادي اليوم محمد عثمان الميرغني، الذي يرأس تجمع المعارضة في الخارج الذي تعرض ايضا للتصدع. ويقيم الميرغني منذ مجيء نظام الانقاذ في السودان بين مصر والسعودية وبريطانيا واريتريا، في منفى اختياري. وتعرض الحزب الى موجة انشقاقات عديدة في العقدين الاخيرين، حيث انسلخ عنه في منتصف التسعينات امينه العام الشريف زين العابدين الهندي وانضم على راس قيادات للحكومة باسم حزب منفصل، باسم «الاتحادي الديمقراطي». وينقسم الحزب حاليا الى عدة فصائل منها: المرجعيات وهو الفصيل الذي يتزعمه الميرغني ثم فصائل: الهيئة العامة، والحركة الثورية، ومجموعة ازرق طبية، والموحد، والاستثنائي وغيرها.