انخفاض قيمة العقارات يقضي على أحلام المتقاعدين الأميركيين

البعض يبحث عن وظائف لتعويض الخسائر.. وآخرون ينتظرون أن تستعيد الأسواق عافيتها

TT

بعد عقود من التوفير والعمل الشاق كمعلمة، اعتقدت بيفرلي وولش أنها حصلت على القدر الكافي من المال، لكي يكون تقاعدها مريحا. فاشترت منزلا في لاس فيغاس لكي تكون بجوار والدتها، وظلت تقضي بعض الوقت في ولاية ساوث كارولينا التي تعشقها، تتلقي دروسا في التمثيل، وتقوم بتمثيل بعض الأدوار الصغيرة في الأفلام ذات الميزانيات المحدودة.

لكن الانهيار الكبير الذي أصاب سوق العقارات في العامين الماضيين أضاع ثلث قيمة المنزل الذي تبلغ قيمته 750 ألف دولار. ونظرا لأن الدخل لم يعد يكفيها، قالت وولش البالغة من العمر 76 عاما، إنها قد تبحث عن عمل إضافي كمدرسة بديلة لتغطية النقص في دخلها.

وتعجبت وولش من كيفية حدوث ذلك الانهيار وقالت: «إنه أمر لا يصدقه عقل كيف يمكن لذلك أن يحدث بهذه السرعة... لا يغمض لي جفن على الإطلاق». والاضطراب الكبير الذي أصاب الاقتصاد الأميركي قضى على أحلام المتقاعدين من أمثال وولش، فالتراجع السريع في قيمة أكبر ممتلكاتهم ـ العقارات والأسهم والصناديق المشتركة ـ جعلت الكثيرين منهم يحاولون التكيف مع الصدمة الكبرى التي عانى منها النظام المالي الأميركي منذ فترة الكساد التي أصابته من قبل. وما من شك في أن المتقاعدين الأميركيين أفضل حالاً اليوم عما كانوا عليه في الثلاثينيات، فغالبية الأميركيين الذين تخطوا الـ65 عاما يتمتعون بنظام التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية. وكشف تقرير صادر عن مكتب الاحصاء، أن المتقاعدين أغنى المواطنين في الدولة، بناء على تقدير صافي ممتلكاتهم. لكن تلك الضربات الأخيرة كانت صعبة جدا عليهم. هؤلاء المتقاعدون كان الكثير منهم يعتمد على دخل استثماراتهم بشكل كامل وبالتحديد أسهم العقارات لمواجهة ظروف المعيشة. لكن الوقت لا يقف إلى جانبهم: فلن تكون أمامهم عقود، مثل العاملين الصغار، يقضونها في الانتظار حتى تنتعش السوق مرة أخرى.

وقد أجبر انخفاض عائدات الاستثمارات الكثيرين من أصحاب المعاشات لخفض نفقاتهم المنزلية، بينما عمد آخرون إلى تأخير تقاعدهم أو الحصول على وظائف أخرى لتعويض تلك الخسائر والانخفاضات في الدخول. وقد أوردت إحصاءات مكتب العمل التي نشرت الشهر الماضي أن 16.4 من الأميركيين الذين تجاوزوا الخامسة والستين لا يزالون في سوق العمل، وهي تعتبر اكبر نسبة خلال الأعوام الثمانية والثلاثين الماضية.

وقد أبقى التراجع في سوق العقارات الكثير من المسنين داخل منازلهم التي كانوا يعتمدون على بيعها وتأجيل خططهم للانتقال إلى أماكن ذات مناخ أكثر دفئا أو مناطق أكثر انخفاضا في أسعار المعيشة. وكان الأمر بالنسبة لآخرين العكس، فهم على وشك الطرد من منازلهم التي لم يتوقعوا للحظة واحدة أنهم سيخسرونها. ولإلقاء الضوء على بعض الأمثلة من ذلك فقد تركت ثلاثة رهونات عقارية (إعادة تمويل) دال كامبل وزوجته مدينان بمبلغ 485 ألف دولار وهو ما يتجاوز قيمة منزلهما في ويتر. فمعدل الفائدة على رهنهم العقاري يتوقع أن يعاد تعديله مرة أخرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وستتضاعف الأقساط إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 3.800 دولار شهريا. ويتوقع سائق الشاحنة الذي يبلغ من العمر 77 عاما، أن الأمر مسألة مجرد وقت حيث سيقوم البنك بطردهم من المنزل. ويقول كامبل الذي أنفق كل الأموال التي حصل عليها من برامج إعادة التمويل في إجراء إصلاحات في المنزل «نحن لا نرغب في أن نغادر هذا المكان، لكننا لا نستطيع أن نسدد الأقساط». وعائلة كامبل ليست الوحيدة في ذلك. فالتقرير الذي أصدره الاتحاد الأميركي للمتقاعدين، أحد أكبر الجمعيات الخاصة المتقاعدين في أميركا، أشار إلى أن مالكي المنازل الذين بلغوا 50 عاما وأكثر، تقدر نسبتهم بـ28% من الديون المتأخرة في الأزمة الحالية، وهو الأمر الذي يمكن ترجمته إلى 684 ألف مُسن فقدوا منازلهم أو يواجهون مخاطر فقدها. وفي دراسة منفصلة للاتحاد الأميركي للمتقاعدين، تبين أنه خلال العقد ونصف العقد الماضيين، عانى الأميركيون الذين بلغوا 55 عامًا، من الزيادات الحادة في الإفلاس التي تم إحصاؤها. وتحدث سكوت بوفيتز محامي الإفلاسات في لوس أنجليس عن زيادة نسبة كبار السن بين موكليه، ويقول: «في الأعوام السابقة نادرا ما كانت تأتيني شكاوى من كبار في السن، أما الآن فأنا أتحدث عن أشخاص بلغوا 55 عاًما فأكثر».

ويشير الخبراء إلى العديد من العوامل التي أجبرت كبار السن على زيادة ديون بطاقاتهم الائتمانية والاقتراض من أجل سندات العقارات في السنوات الأخيرة. كما ترك التضاؤل في شبكة الخدمات الصحية المقدمة لكبار السن الملايين من الأميركيين عرضة للارتفاع الكبير في تكاليف الرعاية الصحية، بل وحتى أولئك الذين تشملهم برامج الرعاية الصحية يتكبدون أموالاً طائلة بسبب نفقات الأدوية، بينما آخرون يقومون برعاية ذويهم المسنين أو بحاجة إلى أموال عاجلة لإجراء إصلاحات في منازلهم. وآخرون وقعوا فريسة لسماسرة الرهن العقاري وأوقعوا أنفسهم في ديون لا يقدرون على سدادها.

لكن استسلام الكثيرين منهم لذات الإغراءات التي قادت الأميركيين من مختلف الأعمار إلى الوقوع فريسة اللهاث وراء العقارات إنما هو دليل على أن العمر لا يمثل بالضرورة عامل الحكمة، فالكثير منهم تخلوا عن الأموال التي ادخروها للعطلات والسيارات والجاكوزي. وعلى الرغم من ذلك لا يزال هناك آخرون يفكرون في الحصول على فرصة للاستثمار في مجال العقارات للحصول على أرباح سريعة.

ويقول ريتشار بيتمان المستشار الائتماني لشركة By Design Financial Solutions التي تتخذ من لوس انجليس مقرا لها: «ما لم يتوقعوه، أن يتركهم الانهيار الكبير في أسعار المنازل غارقين في الديون وغير قادرين على بيعها. لقد صدقوا أصدقاءهم من الوسطاء العقاريين الذين أكدوا لهم أنهم إذا امتلكوا منزلاً جيدًا فإن اثنين سيكونان أفضل... ثم يحدث الانهيار فجأة تصبح على وشك فقدان كل شيء». وأشار نايت البالغ من العمر 70 عاما، الى أن الدين على المنزل تضخم ليصل إلى 320 ألفا، ما يعادل قيمة المنزل. ولو كان هناك قرض آخر لخرجت الأمور عن السيطرة ولضاعت مدخراته. ويحاول الزوجان التقليل من نفقاتهم كما يسعى نايت إلى البحث عن وظيفة معلم بديل في مدرسة ثانوية محلية مقابل 100 دولار في اليوم. ويقول: «لا نتوقف عن التفكير في أن ذلك سوف يتوقف عند حد ما، وأن تلك المنازل ستباع مرة أخرى وعندئذ يمكننا أن نستعيد ما فقدناه مرة أخرى، وتظل تواصل التفكير في أن تلك ستكون حالة مؤقتة لكن الأمور تتداعى أكثر فأكثر».

وقد بدأت وولش المعلمة السابقة في الادخار منذ عقدين عندما علمت أنها لا تمتلك سوى 16 ألف دولار في حسابها، فتقول بيفرلي الأم المطلقة التي ترعى ثلاثة أبناء «قلت لنفسي: بيفرلي إنك ستنهين حياتك معدمة». لذا بدأت في تثقيف نفسها في البورصة والصناديق المشتركة، وهو ما جعل أصدقاءها يسعون إليها للحصول على النصائح الاستثمارية، لكن ذلك هو ما كان السبب وراء أزمتها الحالية، التي كانت ذات أثر بالغ السوء على حياتها. ولن تتمكن وولش من الإقامة في سانتا باربرا التي كانت تحلم بها منذ أربع سنوات والتي كانت في متناول يدها قبل الكارثة الأخيرة، وتقول: «لقد ادخرت واقتصدت على مدى عشرين عاما لكي أقوم بما أرغب به عند تقاعدي وهذا هو حقا ما يقتلني».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الاوسط»