رمضان السوري: مآدب الإفطار والسحور ساحة خلفية للدبلوماسية

اللاعبون الرئيسيون: أميركا وإيران والفصائل الفلسطينية وحزب الله

TT

في حين أصدرت وزارة الأوقاف السورية قرارا بإلغاء الإفطار في حرم الجامع الأموي الشهير في قلب مدينة دمشق القديمة، استأثرت السفارات والفعاليات الاقتصادية والسياسية بإقامة حفلات إفطار وسحور، تعطي لهذا الشهر أبعادا أوسع من معانيه الدينية والخيرية. إذ أن السياسيين لا يحبذون أخذ إجازة في الشهر الفضيل، ويستغلونه كمناسبة لتجديد العلاقات العامة، من خلال حفلات تدعى إليها النخبة السياسية والثقافية والإعلامية.

ويمكن القول إنه منذ إعلان الحرب الأميركية على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر(أيلول)، صارت المناسبات الرمضانية ساحة خلفية للملعب الدبلوماسي، كساحة هادئة تعرض وجهات النظر، وتمد خلالها جسور للعلاقات الاجتماعية والثقافية. وفي هذا الإطار تبرز ثلاث جهات على الساحة الرمضانية السورية، أميركا ـ إيران ـ الفصائل الفلسطينية والمقاومة اللبنانية. والمتابع لنشاط السفارتين الاميركية والإيرانية ومكاتب القوى الفلسطينية واللبنانية الناشطة في دمشق خلال السنوات الأخيرة لا يخفى عليه أي التيارات التي تستأثر باهتمام السوريين، ففي حين تتمكن هيئة دعم «المقاومة» اللبنانية التي تمثل حزب الله اللبناني من حشد أكثر من ثلاثة آلاف مدعو في مطعم في ريف دمشق حسب ما اورت وكالة الأنباء الألمانية، يتردد السوريون في تلبية دعوة السفارة الأميركية إلى سهرة رمضانية في منزل القائم بالأعمال الأميركية، الذي غاب عنه الرسميون السوريون كالعادة، وهناك من قال إن جهات طلبت من الإعلاميين المدعوين عدم تلبية الدعوة، فيما أكد زملاء إعلاميون مدعوون أنهم لم يلبوا الدعوة لأسباب شخصية بعضهم جاهر بأنها تتعلق بموقفهم الرافض للسياسة الأميركية في المنطقة، وبعضهم قال إن الوقت لم يكن مناسبا.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» أحد الزملاء من الذين دأبوا على تلبية دعوات السفارة الأميركية أن «تلبية الدعوة لا تعني أننا نؤيد السياسة الأميركية» «كما أننا لسنا شخصيات رسمية»، نافيا أن تكون أي جهة قد وجهت «بعدم تلبية الدعوة». وتابع الزميل الإعلامي: «حضور حفل السحور في السفارة الأميركية ضروري لكل إعلامي بهدف التعرف على القائم بالأعمال، ومن لديه موقف رافض للسياسة الأميركية هذه مناسبة لإيصال رسالته، فالمقاطعة ليست مجدية للتعبير عن حقيقة الموقف، كما أن الحضور لا يعني تأييد أو قبول مواقف أميركا، وإنما هو مجرد إطلاع وهو ضروري للإعلامي ولغير الإعلامي».

حفل الإفطار الذي دعت السفارة الإيرانية إليه عددا من الإعلاميين والمثقفين، لم يكن الحضور فيه أكبر من الحضور في السفارة الأميركية، لكن هناك اختلاف بنوعية الحضور من حيث أن حفل السفارة الإيرانية كان فيه عدد من المثقفين الأكثر ميلا للمتدينين والمحافظين، بينما تميز الحضور في السفارة الأميركية بالتنوع والغالبية من ذوي التوجهات الليبرالية والعلمانية، إلا أنه في كلا السفارتين كان الحضور الإعلامي أقل من السنوات السابقة. وكان واضحا أن المثقفين والإعلاميين السوريين بتنوعهم ليسوا في ملعب السفارة الإيرانية، التي حشدت في اليوم التالي أمس (الخميس) حوالي 800 شخص في قاعة فرساي بقصر النبلاء في دعوة إفطار بمناسبة يوم القدس العالمي، والذي تميز بحضور سياسي واسع، فكان أمناء الفصائل العشرة ووفد عن حماس، كما ألقى أمين عام حركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح كلمة إلى جانب السفير الإيراني. ما يشير الى حجم التحالف (الإيراني ـ فصائل الرفض الفلسطيني) عبر الحلقة السورية.

وما يلفت النظر في هذا المشهد هو ضعف الحضور الرسمي السوري من الصف الأول، لصالح غلبة حضور مسؤولين سابقين ونواب وناشطين سياسيين، وكذلك الأمر بالنسبة لحفلات الإفطار والأمسيات الرمضانية التي دعت إليها حركة (حماس) في المزة وحركة (الجهاد الإسلامي) في مخيم اليرموك، والتي دلت على حجم الحضور الفلسطيني الكبير لتلك الفصائل في قلب سورية، بما يعنيه ذلك من حرية في ممارسة النشاطات الاجتماعية والإعلامية على نحو يجعل من ذلك الحضور رسائل سورية بالغة الوضوح إلى القوى الدولية المناهضة لتلك الفصائل.. خاصة أن النصيب الأكبر من «الاحتضان الاجتماعي» للمقاومة يذهب لحزب الله اللبناني، وكان هذا واضحا في حفل الإفطار الذي دعا إليه، وبالدرجة الثانية الفصائل الفلسطينية التي تشكل قاعدتها الشعبية لها من الفلسطينيين الذين يعيشون في سورية، ومن طبقة السياسيين السوريين، وبالدرجة الثالثة إيران بصفتها حليف لسورية وداعم للمقاومة.