باكستان: ميليشيات قبلية تتعهد بمقاتلة الأميركيين و«القاعدة»

مقتل أكثر من 30 إسلاميا في قتال بالشريط الحدودي

جندي باكستاني يراقب الطريق العام في منطقة آدم خيل بالشريط الحدودي (أ.ب)
TT

يقسم مئات المسلحين في قبيلة رجغان في شمال غرب باكستان، وهم يلوحون بأسلحتهم الرشاشة وقاذفات الصواريخ، بأنهم سيقاتلون الجنود الاميركيين حتى آخر جندي، وكذلك مقاتلي حركة طالبان وتنظيم القاعدة الذين يدخلون اراضيهم. ويملك هؤلاء الرجال اسلحة ثقيلة، وهم يؤكدون دعمهم للحكومة والجيش، الذي بدأ قبل شهرين عملية عسكرية واسعة في منطقة باجور القبلية، لمطاردة المقاتلين الاسلاميين الباكستانيين المتحالفين مع «القاعدة» وطالبان في افغانستان المجاورة. وفي وقت يتصاعد التوتر بين واشنطن واسلام اباد بسبب عمليات التوغل واطلاق الصواريخ المتكررة، التي تقول القوات الاميركية انها تستهدف «ارهابيين» في الاراضي الباكستانية، يقول المسلحون انهم لن يترددوا في اطلاق النار على الاميركيين. وتعتبر باكستان من الدول الرئيسة الحليفة لواشنطن في حربها على الارهاب.

واطلق الجيش الباكستاني اخيرا عيارات نارية تحذيرية على مروحيات اميركية قادمة من افغانستان. وقد نظم الجيش رحلة لمجموعة من الصحافيين الاجانب الى هذه المناطق المؤيدة لحكومة اسلام اباد والمنتمية الى اثنية الباشتون. وتعتبر منطقة باجور قاعدة خلفية لحركة طالبان، التي تقاتل القوات الدولية، لاسيما الاميركية في افغانستان، ومعقلا لمقاتلي «القاعدة» المدعومين من قبائل ومجموعات اخرى متمردة تدين بالولاء لما يعرف بحركة طالبان الباكستانية.

وبدأت اسلام اباد العملية العسكرية في باجور في بداية اغسطس (آب) بضغط من واشنطن التي اعتبرت ان باكستان لا تبذل جهودا كافية من اجل القضاء على «الارهابيين»، في مناطقها القبلية المحاذية لافغانستان. وتسببت العملية، بحسب الجيش، بمقتل ألف مقاتل اسلامي، من دون ان يكون في الامكان التحقق من هذه الحصيلة. وقال مالك مناصب خان زعيم ميليشيا قبلية مساندة للجيش الباكستاني «سنقاتل الاميركيين حتى آخر جندي اذا دخلوا بلادنا». واضاف متوجها الى الصحافيين الذين واكبتهم تدابير امنية مشددة في سوق رجغان: «بالنسبة الينا، لا فارق بين حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة وطالبان».

وينتمي هؤلاء الرجال الى اثنية الباشتون، التي ينتشر المتحدرون منها في المناطق الممتدة على جانبي الحدود في باكستان وافغانستان ويبدون استماتة في الدفاع عن ارضهم. ومنذ ان تحالفت اسلام اباد مع واشنطن في «الحرب ضد الارهاب» غداة اعتداءات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في الولايات المتحدة، يحاول الجيش ان ينظم قوة حليفة له في صفوف القبائل المحلية. وساهم المقاتلون الاجانب في «القاعدة»، الذين لجأوا الى المناطق الباكستانية، وكذلك عناصر حركة طالبان الباكستانية، في تسهيل مهمة الجيش، نتيجة اقدامهم على تصفية زعماء قبائل الباشتون التقليديين ونشر الرعب في تلك الاراضي. الا ان اسلام اباد ترى ان عمليات التوغل واطلاق الصواريخ التي يقوم بها الجنود الاميركيون من افغانستان في اتجاه باكستان منذ فترة، والتي تتسبب بمقتل عناصر من «القاعدة»، وتقتل ايضا العديد من المدنيين، تعرض استراتيجية الحكومة الباكستانية الى الخطر. وعبرت اسلام اباد مرارا عن احتجاجها على هذه العمليات، ورغم ذلك استمرت العمليات الاميركية وباتت شبه يومية خلال الاسابيع الاخيرة. وقال زعيم قبلي في رجغان: «عليهم الا يتدخلوا في اراضينا، والا سنرد». وقال زعيم آخر عمر وحيد في وقت تجمع حوالى 500 مسلح على مقربة منه وهم يصرخون «الله اكبر»، ان الجنود الاجانب الذين سيدخلون باكستان «لن يخرجوا احياء منها». من جهة اخرى في اسلام اباد قال مسؤولون امس، ان قوات الأمن الباكستانية قتلت 30 متشددا من الموالين لـ«القاعدة» وطالبان، في احدث قتال في المنطقة القبلية ذات الاهمية الاستراتيجية على الحدود الافغانية. كما قتل ثلاثة جنود، بينهم اثنان من ضباط الجيش في القتال الذي بدأ امس في منطقة باجور، التي يصفها المسؤولون العسكريون بأنها مركز جذب للمتشددين. وقصفت قوات الأمن تدعمها طائرات هليكوبتر حربية مواقع المتشددين في معاقل المتشددين في منطقتي لوي سام وراشاكاي والمناطق المحيطة بهما. وقال الميجر مراد خان وهو متحدث عسكري، ان 25 متشددا لقوا حتفهم في القتال امس. واوضح مسؤول عسكري ان خمسة مسلحين اخرين قتلوا امس.

واوضح خان، طهرت قوات الأمن المناطق المحيطة بغرب وشمال منطقتي راشاكاي ولوس سام. واضاف «قوات الأمن تحرز تقدما اليوم بنجاح». وشنت القوات الحكومية هجوما في باجور في اغسطس، وتشارك في قتال عنيف منذ ذلك الحين، وقدر مسؤول عسكري كبير امس انه سيتم الانتهاء من 65 في المائة من المشكلة التي يمثلها المتشددون اذا انهزموا في باجور. وقال الميجر جنرال طارق خان رئيس قوات أمن الحدود ان ما يصل الى ألف متشدد، بينهم 5 من كبار قادتهم و62 جنديا لقوا حتفهم في القتال في المنطقة. وباجور هي الاصغر فيما يسمى بالمناطق القبلية السبع الخاضعة للادارة الاتحادية في باكستان، وهي مناطق للبشتون العرقيين تتمتع بحكم شبه ذاتي وتقع على الحدود مع افغانستان ويبلغ تعدادها مليون شخص تقريبا. لكنها تتيح إمكانية الوصول الى المناطق الباكستانية المجاورة، وكذلك اقليم كونار في شرق افغانستان. وقال مسؤولو مخابرات باكستانيون ان الرجل الثاني في «القاعدة» ايمن الظواهري، يعتقد انه زار باجور في الايام الاخيرة. وفي يناير (كانون الثاني) 2006 اطلقت طائرة اميركية بدون طيار تشغلها وكالة المخابرات المركزية صواريخ على منزل في باجور، اعتقادا ان الظواهري يزوره. وقتل 18 قرويا على الاقل في الهجوم. لكن قائد قوة الأمن قال انه لم يتأكد مما اذا كان يوجد حاليا اي من الشخصيات الكبيرة في «القاعدة» في باجور. ويقول مسؤولون اميركيون ان المقاتلين ذوي الصلة بطالبان و«القاعدة»، الذين يحصلون على التمويل من تجارة المخدرات يستخدمون المناطق القبلية كنقطة انطلاق لهجماتهم داخل افغانستان، حيث تكافح القوات الغربية لوقف تمرد متنام. وتتعرض باكستان لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة للقضاء على ملاذات المتشددين في مناطقها الشمالية الغربية.

وتواجه باكستان نفسها عنفا متزايدا للمتشددين. فقد قتل الاسبوع الماضي 54 شخصا على الاقل في تفجير شاحنة ملغومة عند فندق ماريوت باٍسلام أباد. والهجوم هو الأسوأ في العاصمة الباكستانية منذ انضمام باكستان الى الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على «القاعدة» وطالبان في 2001. وفي الوقت الذي اشادت فيه واشنطن بالهجوم العسكري الباكستاني في باجور، عززت القوات الاميركية ضرباتها عبر الحدود من افغانستان على اهداف للمتشددين في الاراضي الباكستانية في الاسابيع الاخيرة، مثيرة توترا دبلوماسيا بين الحليفين اللذين يقاتلان طالبان و«القاعدة». ونفذت القوات التي تقودها الولايات المتحدة ست ضربات صاروخية عبر الحدود بطائرات من دون طيار ضد متشددين في باكستان، وهجوما ارضيا للقوات الخاصة على قرية في وزيرستان الجنوبية وهي مرتع اخر لتأييد المتشددين.