المناظرة الأولى بين أوباما وماكين تتسم بالحذر .. وتبادل الاتهامات

المرشح الجمهوري ركز على وصف منافسه بأنه «ساذج».. والديمقراطي حرص على تصوير خصمه بأنه بوش ثان

TT

لم تحمل المناظرة الاولى التي جمعت بين المرشحين للرئاسة الاميركية جون ماكين وباراك أوباما مواجهات مباشرة أو حامية بينهما، ولم تتميز أيضا بالاثارة التي كان ينتظرها الكثيرون، بل اتسمت بالحذر والجدية، رغم محاولة ماكين اطلاق النكات أحيانا. وفي المناظرة التي جرت ليل أول من أمس في جامعة مسيسيبي في مدينة اكسفورد، ودامت 98 دقيقة، بدا أن الرجلين حضرا الى ولاية مسيسيبي بمهمة واضحة: فبالنسبة لاوباما كان عليه أن يظهر ماكين على أنه نسخة ثانية عن الرئيس جورج بوش، وأن خبرته لا تؤهله بالضرورة لكي يكون رئيسا أفضل، وذلك عبر التركيز على «الاخطاء» التي ارتكبها. وبالنسبة لماكين كان عليه ان يظهر التناقض الكبير بين خبرته وقلة خبرة، أو حتى «سذاجة» خصمه. وعلى الرغم من أن أوباما كان يتوجه الى خصمه باسمه الاول ويناديه بجون أحيانا، خلافا لماكين الذي لم يتوجه الى المرشح الديمقراطي الا بالسيناتور أوباما، غير ان المرشح الجمهوري بدت أساريره في بعض الاحيان أكثر انفراجا، حتى أنه كان يجد وقتا لاطلاق المزاح والنكات. ففي القسم الاول من المناظرة، وبعد أن أجاب المرشحان على السؤال الاول حول الاقتصاد، لكل منهما دقيقتان بحسب شروط المناظرة، طلب جيم ليرر، الصحافي الذي كان يدير الحوار، من أوباما التعليق على اجابة ماكين. وعندما بدأ المرشح الديمقراطي بالاجابة قاطعه ليرر وطلب اليه ان يتوجه بالحديث مباشرة الى ماكين. فتوقف أوباما ونظر الى خصمه وناداه باسمه الاول جون، قبل ان يتابع تعليقه. الا ان ماكين علق على ذلك بنكتة قائلا للمحاور: «ماذا؟ أتخشى ألا أكون قد سمعته؟»، في اشارة الى كبر سنه. وماكين البالغ من العمر 72 عاما، دائما ما يطلق النكات حول كبر سنه، ويرد على التعليقات حول ذلك بالمزاح. وتحدث المرشحان في القسم الاول من المناظرة حول الخطة المالية، التي كادت ان تلغي لقاءهما، بعد ان أعلن ماكين تعليق حملته وعدوله عن حضور المناظرة لكي يتابع النقاشات حول الخطة الاقتصادية مع أعضاء الكونغرس في واشنطن. الا ان قرار ماكين الحضور في اليوم نفسه وطغيان الازمة الاقتصادية على الحملة الانتخابية في الاسابيع الاخيرة، حوّل المناظرة التي كان من المفترض ان تتمحور فقط حول السياسة الخارجية، ملعب ماكين، الى نقاش احتل فيه الاقتصاد مساحة جيدة. وافتتح اوباما الكلام وقال ردا على السؤال الاول حول موقفه من الخطة المالية المقدمة من الجمهوريين: «هذه لحظة حاسمة في تاريخنا... نحن نمرّ بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير... علينا أن نتحرك بسرعة، ولكن يجب علينا أن نتحرك بحكمة». وقال ان خطة الإنقاذ التي تبلغ قيمتها 700 مليار دولار ويجري التفاوض بشأنها في الكونغرس، يجب أن تشتمل على رؤية لحماية دافعي الضرائب، مع توقع أن تشتري الحكومة الاتحادية صكوكا ترتبط برهون عقارية عالية المخاطر، وما يسمى بالأصول «السامة»، التي أسهمت في الانهيار الحاد في أسواق الائتمان. ووصف الأزمة الحالية بأنها حكم نهائي على ثمانية أعوام من إدارة الرئيس جورج بوش.

واستغل أوباما فرصة سؤال حول ازمة النظام المالي للربط بين منافسه الجمهوري وحصيلة اداء بوش. وقال: «يجب القول بان هذه الازمة هي الحكم الاخير على ثماني سنوات من سياسات اقتصادية فاشلة انتهجها جورج بوش ودعمها السناتور ماكين». وفي وقت لاحق ذكر ان ماكين صوت في مجلس الشيوخ «في 90% من الحالات» تأييدا لمشاريع بوش.

ورد ماكين بالهجوم وقال ان «السناتور اوباما يحمل الرقم القياسي في عمليات التصويت الاكثر ميلا الى اليسار»، وأضاف: «انا اعارض الرئيس بوش في مسائل الانفاق والتغير المناخي وتعذيب المعتقلين وغوانتانامو والطريقة التي اديرت فيها حرب العراق.. لدي سجل طويل الاميركيون يعرفونه جيدا». ودعا إلى دعم وإصلاح الهيئات التنظيمية التي فشلت في منع الأزمة الراهنة في بورصة وول ستريت، مشددا على ضرورة «السيطرة على الإنفاق في واشنطن». ودافع عن سجله في الاستخدام الرشيد لأموال الضرائب، مشيرا إلى أن تجميد الإنفاق لمعظم البرامج الاتحادية سيكون فكرة جيدة.

أما في مجال السياسة الضريبية، فقد اختلف المرشحان، اذ اعلن ماكين انه سيسعى الى تخفيض الضرائب على الشركات الاميركية، لان الضرائب في الولايات المتحدة التي تبلغ 35 بالمائة هي من أعلى النسب في العالم، وبالتالي تشجيع الشركات الاميركية على البقاء في الولايات المتحدة وتشغيل مزيد من اليد العاملة الاميركية. ورد عليه اوباما بقوله ان ما يقترحه خصمه هو منح الشركات اعفاءات ضريبية تتجاوز 300 مليار دولار، ودعا الى تخفيض الضرائب المفروضة على 95 بالمائة من الاميركيين العاديين، واتهم ماكين بتبني نفس سياسات ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش. واشار الى انه رغم ارتفاع نسبة الضرائب في اميركا فإن الشركات تجد الكثير من الوسائل التي تتهرب عبرها من دفع هذه النسبة من الضرائب. وبعد نصف ساعة من النقاش في الاقتصاد، استعاد النقاش طريقة الاصلي وتحول الحديث الى السياسة الخارجية، والعلاقات مع روسيا وايران والوضع في العراق والحرب على الارهاب، مواضيع ماكين المفضلة. بعيدا عن الاقتصاد الذي كان اعترف بنفسه في الانتخابات التمهيدية وقبل بدء الازمة الاقتصادية، انه ليس مجاله. وفي موضوع الحرب على العراق، تحدث ماكين عن نجاح الخطة الامنية وشدد على ان الجيش الاميركي ينتصر هناك، وان الأمن والاستقرار والازدهار سيحل في العراق. وذكر بان اوباما صوت ضد الخطة الامنية في الكونغرس مبينا سوء حكمه وتقديره للقضايا العسكرية. واتهم ماكين خصمه بالتصويت على ما وصفه بأنه «امر لا يصدق»، وهو «قطع الاموال عن جنودنا في العراق وافغانستان»، مجددا حديثه عن الانتصار في العراق وعن نجاح الخطة الامنية. ورد اوباما قائلا: «السناتور ماكين على حق تماما لقد تراجع العنف في العراق... والفضل في ذلك يعود الى الاداء الرائع للجنود الاميركيين. لكن يا جون يبدو وكأنك تدعي ان الحرب بدأت عام 2007 فقط، الحرب بدأت في عام 2003». وقال ماكين إن دروس حرب العراق واضحة، وهي انه «لا يمكن اعتماد استراتيجية تقوم على التراجع عما حققناه، ولهذا ساندت زيادة القوات الاميركية في العراق، ونجحت هذه الخطة، وفي الوقت الحالي نحقق النصر في العراق، وعلى النقيض فان التراجع يعني تشجيع العنف الطائفي وخلق حرب اوسع قد تضطر اميركا للعودة الى العراق».واضاف «نحن نحقق النصر الآن في العراق.. جنودنا يكسبون المعركة، وهو ما يرفض اوباما الاقرار به». لكن اوباما قال انه رفض هذه الحرب لانها كانت مخاطرة سياسية. وأضاف: «رفضت الحرب لاسباب كثيرة، منها اننا لم ننجز المهمة المطلوبة في افغانستان. انفقنا ما يقدر بحوالي تريليون دولار في العراق، وفقدنا 4 آلاف جندي ولدينا 30 ألفا من الجرحى بينما تتدهور الاوضاع في افغانستان، ونعاني ازمة مالية هنا في اميركا». واتهم ماكين اوباما بانه لا يفهم ما هو الفرق بين الاستراتيجية والتكتيك، ورد اوباما بانه يعرف جيدا الفرق بين التكتيك والاستراتيجية لذلك ظل معارضاً لحرب العراق. وبدا ماكين مصرا على تصوير اوباما بانه ساذج ولا يفهم في الموضوع الذي يتحدث به، وظل يردد: «السيناتور أوباما يبدو انه لا يفهم الامر»، كلما تحدث في موضوع حول السياسة الخارجية. وكان ماكين مصرا أيضا على التذكير بخبرته والسنوات الطويلة التي قضاها في الكونغرس، وذكر أكثر من مرة بالزيارات التي قام بها الى العراق وافغانستان وحتى أبخازيا الجنوبية في جورجيا. وعند حديث اوباما عن أفغانستان وباكستان وقوله ان الحرب هناك وتشديده على ضرورة اعادة التركيز على تلك الحرب بدل الالتهاء بالعراق، رد ماكين قائلا: «أنا ذهبت الى افغانستان وشاهدت الوضع واعرف ما يحصل أفضل منك». وعبّر أوباما عن استعداده لتوجيه ضربات عسكرية محددة في باكستان تستهدف الارهابيين، بإذن من اسلام اباد او من دون اذنها. وقال «اذا كانت القاعدة و(اسامة) بن لادن او مساعدوه على مرمى نيران الولايات المتحدة، واذا لم تشأ باكستان او انها عاجزة عن التحرك، يتعين علينا عندئذ القضاء عليهم». الا ان ماكين رد محذرا من ان توجيه هذا النوع من التهديدات بصوت عال لا ينطوي على اي فائدة». ووصف ماكين اوباما بالسذاجة عندما دعا الى ضرورة ارسال قوات لمطاردة الارهابيين عبر الحدود الباكستانية. لكن اوباما رد عليه بان القاعدة تتقوى هناك وان اسامة بن لادن ما يزال طليقاً.

اما في موضوع ايران، فقد هزأ ماكين من جديد من قول اوباما انه سيتحدث الى اعداء الولايات المتحدة وعلى رأسهم الرئيس الايراني، من غير شروط، وقال ان هكذا قرارات ليست فقط «ساذجة»، بل هي «خطيرة». وسأل بسخرية: «ما الذي ستفعله اذا اجتمعت برجل يقول ان اسرائيل جثة عفنة ويجب محوها عن وجه الارض، من دون شروط مسبقة وتحضيرات، وقال لك: نريد القضاء على اسرائيل؟ ستجيبه لا لا يمكنك ذلك؟». الا ان اوباما قال ان ماكين يحور حديثه وإنه عندما يقول انه سيتحاور مع الايرانيين لا يقول انه لم تكن هناك تحضيرات مسبقة. وفي تعليق أراد من خلاله برهنة معرفته العميقة بالقضايا الدولية، قال: «انا لم أقل انني سأجلس مع أحمدي نجاد فالرئيس الايراني ليس أقوى رجل في ايران». وأضاف: «بالطبع اللقاء سيكون محضرا له جيدا، وان ما أقوله انه لا ينبغي القول الى الايرانيين إما تفعلون ما نقوله لكم أو لن نتحدث اليكم». وذكر ماكين بان هنري كيسنجر، وهو أحد مستشاري المرشح الجمهوري، دعا الى الحوار مع ايران. وذكره ايضا بأن بوش يبدو انه توصل الى قناعة بضرورة اعتماد الدبلوماسية، ودليل ذلك انه أرسل مبعوثا هو وليام بينز للمشاركة في المشاروات مع ايران. واوضح انه يتفق مع ماكين على ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تسمح بامتلاك ايران اسلحة نووية ودعا الى عقوبات اقسى في حق طهران. وفي موضوع روسيا، اتهم المرشح الجمهوري، اوباما بان ردة فعله الاولى على التدخل الروسي في جورجيا الشهر الماضي كانت خجولة. وقال إن اوباما «غير مدرك بان روسيا ارتكبت عدوانا خطيرا على جورجيا». واضاف ان روسيا اصبحت «دولة خاضعة لسيطرة قدامى الـ «كي جي بي» (اجهزة الاستخبارات السوفياتية). وقال: «عندما انظر في عيني (رئيس الوزراء الروسي فلاديمير) بوتين ارى ثلاثة احرف: كي جي بي».

ونفى أوباما انه كان متساهلا مع روسيا عند تعليقه على عدوانها على جورجيا، وقال انه يتفق مع ماكين على موضوع التعاطي مع روسيا، وقال ان بروز روسيا «عدائية» يشكل تهديدا للسلام. وقال اوباما «نظرا الى ما جرى في الاسابيع والاشهر الاخيرة اعتبر ان من الضروري اعادة تقييم موقفنا الكامل من روسيا»، ولكنه أضاف انه يجب الحذر خوفا من عودة الحرب الباردة. وحرص ماكين ايضا على وضع مسافة بينه وبين الرئيس جورج بوش ردا على اتهامات أوباما المتكررة بانه سيعتمد السياسة نفسها التي اوصلت اميركا الى حافة الهاوية، وقال: «عارضت الرئيس حول التغييرات المناخية وبشأن تعذيب السجناء، وحول معسكر غوانتانامو، وايضاً بالكيفية التي اديرت بها الحرب في العراق... لدي سجل حافل والاميركيون يعرفون ذلك جيداً».