المناظرة بين المرشحين إلى البيت الأبيض.. بدت صراعا بين جيلين

أوباما كان واثقا أكثر من الضروري ولم يستفزه وصفه بـ«الساذج» وماكين بدا مرتاحا أكثر ولكن يبتسم بضيق عند حديث خصمه

TT

استشهد أحد المرشحين بمقولات لتشرشل وأيزنهاور، ووصف جورج شولتز، الذي كان عضوا في إدارة الرئيس رونالد ريغان بأنه «وزير خارجية عظيم»، بينما وعد الآخر الناخبين القلقين بميزانية فيدرالية يمكن البحث عنها عبر خدمة «غوغل للحكومة» واتهم منافسه بأن لديه «عقلية القرن العشرين».

المناظرة الرئاسية الأولى كانت أكثر من صدام بين الأفكار أو الأهواء. فلم يتصارع باراك أوباما وجون ماكين على الـ 700 مليار دولار المخصصة لخطة الإنقاذ الاقتصادي، بل ان ما دار بينهما كان صدام بين الأجيال، وفي بعض الأحيان بدا وكأنه أداء درامي لتوتر أسري على طريقة فرويد: أب كبير يشعر بالغضب بل ويكون غريب الأطوار عندما يتحداه وريث منتظر لأعمال الأسرة والذي يظن بأنه سيديرها بطريقة أفضل منه.

لم يستفد أي من المرشحين من قواعد المناظرة التي تسمح لهما بمواجهة بعضهما البعض مباشرة. ويدل هذا التحفظ إلى التأدب الصارم الذي يتحلى به الرجلان لكي لا يفسدا أمسية عيد الشكر.

كرر ماكين البالغ من العمر 72 عاما مرارا أن أوباما، البالغ من العمر 47 عاما، ليس مستعدا لتولي المنصب الرئاسي: «أخشى أن السناتور أوباما لا يفهم»، «ما لا يستوعبه السناتور أوباما»، «ما زال السناتور أوباما لا يستوعب». وتحدث عن «سذاجة» خصمه على الرغم من أنه تلعثم قليلا عند النطق باسم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وكرر مرتين أنه لم ينتخب كملكة جمال مجلس الشيوخ، وربما يكون بعض المشاهدين قد تساءلوا إن كان نسي أنه قد استخدم هذا التشبيه من قبل أكثر من مرة. وعندما كان أوباما يتحدث، كان ماكين متململا مبتسما في ضيق ويغير وقوفه من قدم إلى أخرى. أما أوباما فكان هادئا وساكنا ومتوازنا، وبدا وكانه رجل أعمال أكثر من كونه جذابا. كان يحاول أن يكون مثل جون كينيدي وهو يتحدث عن سباق الفضاء، ولكن بدا في أحيان أخرى تكنوقراطيا. كان يرتدي بدلة سوداء ويضع دبوسا يحمل العلم الاميركي، واختار أن يركز على الظهور واثقا وجادا ومستعدا لأن يصبح الرئيس، إلى درجة أنه بدا في إحدى المرات وكأنه أصبح الرئيس بالفعل: «إني أحتفظ بالحق ـ كرئيس للولايات المتحدة ـ في أن أجتمع مع أي شخص في أي وقت وأي مكان من اختياري إذا كنت أعتقد أن هذا يجعل أميركا آمنة».

اما ماكين فكان يشعر بالثقة الكافية لدرجة عدم وضعه دبوسا في سترته، وكان يشعر بالراحة لكي يطلق النكات. قال: «لن أضع جدولا لمواعيد زيارة البيت الأبيض قبل أن أكون رئيسا للولايات المتحدة، فليس معي الختم بعد». باختصار، كان ماكين أكثر سحرا وعامية، ولكن في بعض الأحيان كان أسلوب حديثه متقطعا. وقد وصف كوريا الجنوبية بأن بها أكثر «نظام قمعي ووحشي ربما على الأرض كلها»، وأضاف: «إن متوسط طول المواطن في كوريا الجنوبية يزيد على متوسط طول مواطن كوريا الشمالية بثلاث بوصات، إنها سجن كبير».

وفي انتقاده للإنفاق الحكومي، ضرب ماكين مثلا قائلا: «تعرفون، لقد أنفقنا 3 ملايين دولار من أجل دراسة الحامض النووي للدببة في مونتانا». ومزح قائلا: «لا أدري إن كانت هذه قضية جنائية أم قضية إثبات أبوة»، ولكن سريعا ما اختلط الأمر على المشاهدين أو حتى تساءلوا ما إذا كان المرشح يقصد ذلك فعلا. ذكّرت إشاراته إلى بعض الوزراء في الماضي مثل شولتز وصداقته التي استمرت 35 عاما مع كيسينجر، المشاهدين بخبرته، وسنواته الكثيرة جدا التي أمضاها في واشنطن عندما كان المشرعين يحظون بأقل اعتبار.

وعندما اختلف مع أوباما، كانت نبرته عنيفة. وبدا أنه يشعر بجرح في كبريائه لمشاركته المنصة مع رجل لم يقض في مجلس الشيوخ أكثر من أربعة أعوام. وقال: «هناك بعض المزايا في الخبرة، وصراحة لا أعتقد أن السناتور أوباما لديه معرفة أو خبرة، كما أنه اتخذ أحكاما خاطئة في عدد من المجالات».

ومرة واحدة على الأقل تخلى أوباما عن تحفظه وحول عامل خبرة ماكين ضده. فقال: «في الوقت الذي بدأت فيه الحرب، قلت إنها ستكون سريعة وسهلة. قلت إنك تعرف أين تقع أسلحة الدمار الشامل، وكنت مخطئا. قلت إننا سنلقى ترحيبا كمحررين، وكنت مخطئا. قلت إنه لا يوجد تاريخ للعنف بين الشيعة والسنة، وكنت مخطئا».

لم يكن أوباما دافئا أو مسلّ خلال المناظرة، بل في بعض الأحيان كان قاسيا ومتحذلقا. ولكن كل ما كان عليه فعله هو أن يبدو رئيسا، ولم يتطلب هذا جهدا شاقا. وكان على ماكين أن يقوم بمهمة أصعب في إقناع الناخبين الحذرين بأنه يمكنه أن يكون زعيم المستقبل لأنه كان جزءا من الماضي. وحاول أن يذكر الجمهور بخبرته الكبيرة وتاريخه القتالي البطولي، بينما صور نفسه على أنه مستقل خارج عن حزبه مستعد لاقتحام الحواجز. أراد ماكين أن يكون الثائر الحقيقي في المكان، ولكن ثورته مثل ثورة ريغان، وبالنسبة للكثير من الناس الآن، لا تبدو هذه الثورة هي الصباح المشرق لأميركا.

* خدمة «نيويورك تايمز»