«مخيم المناذرة»: عشرات العوائل تعيش وسط الفقر وخيام ممزقة.. وتصب جام غضبها على المسؤولين

«الشرق الأوسط» تدخل مخيم النازحين في النجف.. ومهجرة: طعامنا خبز وماء

TT

بمجرد وصولك إلى مخيم النازحين في قضاء المناذرة، 11 كلم جنوب مدينة النجف، تسحبك الذاكرة ومن خلال ما نقرأ او نستمع او نشاهد لتاريخ العصور المظلمة ما قبل الإسلام. المخيم على شكل مستطيل يحيط به سياج شبكي حديدي كأسيجة أسرى الحرب العالمية الأولى، وفي داخل المخيم تتناثر الخيام الممزقة ذات ألوان زرقاء بالية وموحدة عليها شعارات المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، ويرجع التوحيد في اللون إلى أشعة الشمس التي تضرب تلك الخيم منذ عام 2005، عندما قام مكتب الأمم المتحدة بتوزيع هذه الخيم التي تجاورها مجموعة من المنازل الجاهزة «الكرفانات» التي أقامها مجلس محافظة النجف لإيواء عوائل المخيم. في المخيم يوجد باب واحد يشرف عليه أمنيا منتسبو الشرطة العراقية، وبعد التعرف على هويتنا سمحوا لنا بالدخول، لكن قبل الدخول شاهدنا أطفالا تتراوح أعمارهم بين 3-5 سنوات اتجهوا صوبنا وهم يصرخون بصوت عال «جاء رجل غريب»، فلم نفهم ما يجري حولنا، وعند وصول الأطفال والتعب باد عليهم أمسك أحدهم بنا وقال بالحرف الواحد «يا عم أنا أول الواصلين أليك... ماذا جلبت لنا؟»، وطفل آخر قال «احنه ننتظركم العيد إجه»، بقينا في حيرة من أمرنا، فأدركنا لاحقا أنهم ينتظرون في هذه الأيام وبالتحديد العشرة الأخيرة من شهر رمضان أهل الخير يقومون بتوزيع ملابس العيد عليهم، ثم قطع رجل الأمن العراقي سلسلة الافكار هذه حين صاح على الأطفال المتجمعين وطردهم، وقال لهم «ارجعوا انهم من الصحافة وليسوا لتقديم المساعدات»، فصدم الأطفال والنساء ورجعوا إلى خيامهم سوى طفل واحد لا يتجاوز عمره أربعة أعوام، يرتدي قميصا أصفر مخرقا وبنطلونا قصيرا امتزجت كل الألوان، فسألناه عن مكان خيمته، ورافقناه الى هناك. فوجدنا امرأة وثلاثة أطفال جالسين في خيمة كان ضوء الشمس يدخل من كل زواياها لا تقيهم حرارة الصيف ولا برد الشتاء. وقالت أم الأطفال، أم سعد (37 سنة) من أهالي بغداد  لـ«الشرق الأوسط»، «هجرنا من بغداد ونحن من أهالي بغداد الأصليين، ضاع بيتنا وسرق كل ما فيه، نجوت مع عائلتي ولجأت إلى النجف كونها أمنة ولا توجد فيها صراعات طائفية ولا أستطيع العودة لدياري كون منطقتي غير مؤمنة وأخاف على عائلتي من القتل»، وأضافت ام سعد ان «المساعدات هذه الأيام قليلة جدا وحتى لو جاءت أقوم ببيعها في السوق لجلب بعض الحاجات لأطفالي او للبيت».

وفيما يخص طعامهم أوضحت أم سعد أن «طعامنا هو خبز وماء لأغلب الأيام وبقيت فترة تجاوزت السبعة أيام أطعم أطفالي خبزا وماء فقط، وبعض الأحيان أقوم وتحديدا قبل الغروب بوضع القدر على النار» الطبخ على الحطب او بقايا ورق الكارتون «وأضع فيه ماء فقط وأقوم بغلق القدر لإسكات الأطفال عندما يريدون طعاما، وبعد إن ينام آخر طفل منهم أقوم بإطفاء النار وأرفع يدي بالدعاء إلى الله ان يهدي أي مسؤول أو أحد الناس الخيرين بزيارتنا وتقديم المساعدة لي ولإخوتي في المخيم».

وناشدت أم سعد المسؤولين في الحكومة العراقية وهي تقول «هل يستطيع احدكم الصبر مثلما صبرنا وضحينا؟ هل يستطيع احد منكم ان يقبل أن ينام أطفاله بدون عشاء أو يرتدون ملابس ممزقة أو ينامون في أماكن تكثر فيها الأفاعي والعقارب بسبب حرارة الصيف اللاهبة؟ أو يفطر في شهر رمضان المبارك شايا وخبزا مقليا بالدهن؟ لا أقول سوى الله هو يأخذ بحقنا».

ويضم المخيم 232 عائلة، نزحت جميعها من مناطق الانبار وديالى وأبو غريب وبغداد والطارمية وغيرها، خلال فترة العنف الطائفي التي أعقبت تفجير الإمامين العسكريين في سامراء. وكان المهجرون والنازحون في مخيم المناذرة قد تظاهروا نهاية يوليو (تموز) الماضي احتجاجا على قرار بإغلاق المخيم وإعادتهم إلى مدنهم التي قدموا منها. وطالب عدد من سكان المخيم بحل إنساني لمشكلاتهم فيما طالب آخرون بتنحي وزير الهجرة عن منصبه إذا لم يتمكن من ايجاد حل لهم. وقال المهجر عبد الزهرة الشبلاوي ان «المساعدات التي تصل لنا لا تكفي، والحكومة العراقية لا تفكر بشعبها وخصوصا الطبقات الفقيرة مثل حالنا»، مضيفا «قبل يومين جاءت القوات الاميركية للمخيم ووزعت مساعدات، منها بعض الملابس وأحذية للاطفال وغيرها. تصور القوات الاميركية تذكرنا بشهر رمضان والحكومة العراقية لا تفكر بنا».