سورية تشير إلى تورط خارجي في هجوم «سيدي مقداد» وتربط بينه وبين انتشار الجيش.. وتنفي اختراقا أمنيا

دمشق تبدأ تحقيقا.. وإسرائيل تنفي تورطها في الهجوم > حزب الله يدين «التفجير الآثم».. ومصدر يلمح إلى معلومات بدخول أسلحة ومتفجرات من لبنان

TT

أشارت سورية الى تورط جهات خارجية في انفجار السيارة المفخخة في شارع قرب مركز أمني عند مفترق يؤدي الى مطار دمشق الدولي وضاحية السيدة زينب والذي أدى الى مقتل 17 شخصا. وهذا الانفجار هو الأكثر دموية من نوعه منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت السلطات السورية تخوض مواجهة محتدمة ضد الأصوليين. وجاء التلميح السوري لتورط خارجي في الهجوم في افتتاحيات الصحف السورية الرسمية التي تعبر عن وجهة النظر الرسمية، إذ رجحت صحيفة «الثورة» السورية الرسمية أن يكون منفذو العملية الإرهابية التي وقعت صباح السبت في منطقة سيدي مقداد، جنوب دمشق، قادمين من خارج الحدود، بدون ان تحدد جهة معينة وقالت في افتتاحيتها في عدد يوم أمس إن «المحاولات الإرهابية هذه الفترة تتصف غالباً بأنها قادمة من خارج الحدود تخطيطاً وتنفيذاً، بمعنى أن منفذيها أيضاً عبروا حدودنا إلينا». وبالتالي رأت الصحيفة أن «حماية الحدود ضرورة لا تقبل أبداً الرد على أي تساؤل حول أي تحرك تقوم به قواتنا الوطنية، مسلحة أو غير مسلحة»، داخل الأراضي السورية، «لمنع تسرب أي إرهاب بأي شكل كان بدءاً من التهريب وانتهاء بأعمال التفجير والتخريب المختلفة».‏ ويعد كلام الصحيفة أول ربط رسمي بين تكثيف الرقابة الأمنية والجمركية على الحدود السورية مع شمال لبنان، وبين عملية التفجير التي وقعت في دمشق يوم السبت، حيث أضافت الصحيفة أن «كل دولة معنية بسد القنوات التي يعبر منها الإرهاب». ولم تعلن أي جماعة تبنيها العملية حتى الآن، بينما التزمت السلطات السورية الصمت، ولم تسم أية جهة، غير أنها قالت ان الهجوم «عمل ارهابي». وجاء الهجوم بعد نحو اسبوع من نشر سورية آلاف الجنود على حدودها الشمالية مع لبنان. وقالت سورية ان قرار تعزيز وجودها الأمني على الحدود هدفه منع التهريب. غير ان الرئيس السوري بشار الاسد كان قد حذر مؤخرا من ان قوى متطرفة تنشط في شمال لبنان وتهدد استقرار سورية. وكان الأسد يشير على ما يبدو الى أصوليين سنة دخلوا في مواجهات مع مسلحين من الطائفة العلوية في مدينة طرابلس بشمال لبنان. أما صحيفة «تشرين» الرسمية فقد اعتبرت أن «هوية القتلة والإرهابيين معروفة سلفاً»، وأشارت الى تزامن العملية مع الانفتاح الدولي على سورية وقالت «من يرتكب مثل هذه الجرائم فإنما هو يعمل في مصلحة أعداء سورية المتربصين بها الشرور، والذين غاظهم عودتها المظفرة إلى المعترك الدولي بعد محاولات يائسة للعزل والحصار والمعاقبة». ورفضت مصادر سورية الحديث عن أية تفاصيل تخص «العملية الإرهابية». واكتف بالقول لـ«الشرق الأوسط» إن «وحدة مكافحة الإرهاب المركزية باشرت بالتحقيق». وكان وزير الخارجية وليد المعلم قد قال في وقت سابق «ان التحقيق جار لمعرفة من يقف وراء التفجير الذي وقع في دمشق، رافضا توجيه الاتهامات المسبقة لمن يقف وراء الانفجار». ورأى المعلم ان تفجير دمشق لا يعني وجود خروقات أمنية في سورية، معتبرا ان الإرهاب أصبح أكثر انتشارا منذ الحرب الأميركية عليه. وفي موقع الانفجار قامت السلطات بتنظيف آثار الانفجار ورفع مخلفاته. وفور فك الطوق الأمني بعد ست ساعات من التفجير، عادت حركة السير إلى طبيعتها وبدأ السكان بإصلاح الأضرار. الى ذلك، اعتبر مصدر سوري، رفض ذكر اسمه، أن الطريقة التي تعاطت فيها السلطات السورية مع الحدث من حيث منع الإعلام من الاقتراب من مكان التفجير وحصر التغطية الإعلامية على التلفزيون الرسمي ووكالة الانباء (سانا) وإزالة آثار التفجير فورا وفتح الطريق أمام حركة السير خلال أقل من ست ساعات، يشير إلى أن السلطات لديها شكوكا تجاه جهات معينة، خاصة وأنها لم تسارع كالعادة إلى اتهام جماعات أصولية أو متطرفين كما سبق وجرى عندما تم إحباط هجوم إرهابي في ساحة الأمويين قرب مبنى التلفزيون. ولفت المصدر إلى تزامن هذه العملية مع الحملة المشددة لمكافحة التهريب التي قامت بها السلطات على الحدود مع شمال لبنان، الأمر الذي يشير إلى احتمال وجود إخبارية عن إدخال سلاح أو متفجرات من لبنان، وهو ما يفسر ما نقل عن مصادر سورية بأن تشديد الرقابة على الحدود كان لدواعي أمنية وداخلية سورية.

ولم تصدر أية تفاصيل رسمية حول نوع السيارة التي انفجرت، سوى أنها كانت محملة بـ 200 كيلوغرام من المتفجرات، وهناك روايات تحدثت عن أن السيارة كانت متوقفة في الموقع وتم تفجيرها عن بعد، فيما ذكر شهود عيان ممن تطل منازلهم على موقع الانفجار إن حركة السير شهدت اختناقا قبيل دقائق من حدوث الانفجار بسبب سيارة مرسيدس سوداء اصطدمت بسيارة شاحنة محملة بالرمل كانت تسير على طريق المتحلق الجنوبي. وقد أحدث الانفجار حفرةً في الأرض، إضافة إلى تحطم زجاج نوافذ الأبنية والمحال التجارية والسيارات المركونة في المنطقة وحتى السيارات على طريق المحلق، هذا غير الأضرار داخل المنازل وداخل المحال التجارية، وتم قطع طريق المحلق الجنوبي لعدة ساعات ليعود إلى طبيعته بعد ذلك، حيث تم ردم الحفرة التي أحدثها الانفجار وقام الأهالي بإصلاح منازلهم على الفور. الى ذلك، نفى وزير اسرائيلي نفيا قاطعا تورط اسرائيل في الاعتداء بالسيارة المفخخة في دمشق الذي اوقع 17 قتيلا اول من امس. ونقلت الاذاعة الاسرائيلية العامة عن وزير الشؤون الاجتماعية اسحاق هيرتزوغ قوله امس «من المستبعد ان ترتكب اسرائيل مثل هذا العمل خصوصا في الوقت الذي نتفاوض فيه مع سورية» للتوصل الى اتفاق سلام. ورأى الوزير الذي كان يتحدث على هامش الاجتماع الاسبوعي للحكومة، انه «قد يكون لإيران مصلحة في هذا الاعتداء» لتخريب اي تقارب بين سورية والغرب.

واعتداء دمشق هو الثالث هذه السنة بعد مقتل العميد محمد سليمان، المسؤول الامني للرئيس السوري بشار الأسد في اغسطس(آب)، ومقتل القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية في فبراير (شباط). وفيما قتل سليمان برصاص قناص من البحر في بيته بمدينة طرطوس الساحلية السورية، قتل مغنية بتفخيخ سيارته خلال وجوده في دمشق للقاء مسؤولين من حماس ومسؤولين سوريين. وفي يوليو(تموز)، قمعت السلطات السورية اعمال شغب في سجن صيدنايا متهمة «محكومين في قضايا ارهاب وتطرف» بافتعالها، وذكرت منظمة غير حكومية أن هذه الاحداث تسببت بمقتل 25 شخصا. اما المنطقة التي وقع فيها التفجير، فهى تقع على طريق عام عريض جدا، وهي عقدة مواصلات تعاني من ازدحام سيارات دائم، كونها نقطة الوصل بين جنوب مدينة دمشق وريفها (السيدة زينب وجرمانا حيث كثافة سكانية للاجئين العراقيين). وتعد منطقة (القزاز) حيث يقع مجمع أمني من مناطق السكن العشوائي الشعبية، وهي مكان تمركز الورش الصناعية الصغيرة ومعامل صناعات غذائية وورقية، ويؤمها يوميات الآلاف من العاملين من دمشق وريفها. الى ذلك، قال المحلل السياسي فواز ناجية الموجود في دبي لوكالة الصحافة الفرنسية ان الاعتداء مرتبط «بالتوتر المتصاعد بين السنة والشيعة». وأضاف «نشر مركز دراسات سوري يتخذ من لندن مقرا أخيرا تقريرا مفاده ان ايران تدفع ملايين الدولارات في سورية من اجل حمل السنة على اعتناق الشيعية». وذكر أن الرئيس السوري بشار الاسد عبر اخيرا عن مخاوف من حصول تداعيات في بلاده للتوتر السني الشيعي في طرابلس في شمال لبنان. وتواصلت الادانات امس للاعتداء، اذ دان حزب الله في بيان صدر عنه امس «التفجير الآثم»، معتبرا انه يخدم «مشروع أعداء الامة». وجاء في البيان ان حزب الله «يدين بشدة التفجير الآثم.. ويعبر عن تعاطفه الكامل مع الاشقاء في سورية قيادة وحكومة وشعبا في وجه الاعتداء السافر الذي لا يخدم سوى مشروع أعداء الامة في اشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة». وتقدم الحزب بالتعازي الى القيادة السورية وأسر الضحايا.

كما دان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في برقية تعزية بعث بها الى نظيره السوري «الحادث الارهابي» بحسب ما افادت وكالة الانباء اليمنية الرسمية. وعبر صالح عن «إدانة اليمن الشديدة لهذا العمل الارهابي»، وعن «تعازيه الحارة للقيادة السورية وأسر الضحايا والشعب السوري». وأكد «تضامن اليمن ووقوفه مع سورية الشقيقة في مكافحة الارهاب».

بدورها دانت البحرين الانفجار ووصفته بأنه «عمل ارهابي جبان». وقالت وكالة انباء البحرين ان ملك البحرين حمد بن عيسى ال خليفة بعث ببرقية تعزية الى الرئيس السوري بشار الاسد عبر فيها عن «خالص تعازيه وصادق مواساته»، مضيفة ان العاهل البحريني عبر «عن استنكاره الشديد لهذا العمل الارهابي الجبان». واضافت الوكالة ان العاهل البحريني اكد «رفض مملكة البحرين وشجبها لمثل هذه الاعمال التى ليس لها ما يبررها» و«التى لا يقرها دين وتتعارض مع ابسط القيم والاعراف الانسانية».

كذلك ندد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالاعتداء واعتبره «عملا اجراميا ومشينا»، ودعا الى تعزيز مكافحة الارهاب العابر الحدود. وأفادت وكالة الانباء الجزائرية بأن الرئيس بوتفليقة اعلن في بيان «علمنا بدهشة شديدة وألم كبير نبأ الاعتداء بالسيارة المفخخة الذي أودى بحياة العديد من المواطنين السوريين». وقال بوتفليقة ان «هذا العمل الدنيء يؤكد مجددا على ضرورة تنسيق الجهود والعمليات لاستئصال الارهاب العابر الحدود».